يتراود في أذهاننا دائماً ماهية الذكاء العاطفي، وأهميته بالنسبة للمرأة، وكيف لنا أن نميز بين من تتمتع به ومن تفتقر إليه؟ ورغم أنه سؤال به نوع من الجدل من الجانب النظري، فإنه كيف لأنثى تتمتع بغريزة فطرية من العاطفة أن تطالَب بالتحلي بموهبة تمتلكها بالأصل؟!
لذلك قد يكون مفهوم هذا الذكاء الجديد بمصطلحات الذكاء لا يشير إلى العاطفة بشكل مباشر، ولكن إلى أن المرأة بحاجة إلى التعرف على كيفية تعزيز واستغلال هذه العاطفة والميزة في علاقتها مع الآخرين، بمعنى أن تقوم بتحريك قطع الشطرنج بوعي وإدراك لحماية الملكة من التعاملات السلبية، بحيث تتعامل بحرفية، وقدرة عالية من التركيز، وترحب بالنقد برحابة صدر، وتكون قادرة على تقبل الآخرين والتعاطف معهم، وتكون على استعداد للتغيير للأفضل.
أداة الإنذار والجمرة المشتعلة
العاطفة كأنها كينونة البقاء والتقدم بهذا الوجود، فهي بالأساس موجودة لدى جميع المخلوقات للحماية وكأداة إنذار، ولكن هي أكبر من ذلك في النساء، فهي جزء متأصل عميق الجذور كامن في تشكيل هويتهن الذاتية، ورمز من رموز جوهرهن، والذكاء هو تمام الشيء، ويعرف أيضاً بالجمرة المشتعلة، وتتم معالجة عملية الذكاء والمشاعر في الدماغ، لذلك لكي توصف المرأة بأنها ذكية عاطفياً وشعلة مشتعلة عليها برغبة المزيد من الفنون وأساليب التواصل وإضافتها لشخصيتها، لتصبح ذات إمكانية جلية وكبيرة من التحليل، والتركيب، والتمييز، والتكيف، والاختيار، واقتراح النتائج بدون إحداث تغييرات سلبية فيها، سواء كانت نفسية أو بدنية، مع تغيرات في المزاج والشخصية، والتحفيز على بعض السلوكيات التعبيرية ذات النتائج العكسية، بحيث تصبح متمكنة من استجابة واعية، وإجادة التعامل والتأقلم مع تطورات المواقف والحياة بشكل عام.
إضافة إلى القدرة على فهم وإدارة وتحفيز الذات والآخرين والتحكم في هيمنة قبضة العاطفة القوية ومقر قيادتها على عقل المفكر وإمكانية التفكير النقدي بوضوح وعقلانية للوصول إلى إجابات ونتائج منطقية أكثر، بحيث يكون هناك موازنة في استخدام العاطفة والمنطق ويكون لذلك أثر عظيم على النساء، فالمرأة الذكية عاطفياً لها قدرة كبيرة على النجاح والتعامل مع عصر الابتكار والإبداع، الذي يتم فيه الربط بين المعلومات والاستنتاجات، دون أن تؤثر عليها القوة العاطفية الهائلة على السلوك، واتخاذ القرارات، فهي متمكنة من المهارات النقدية، وكذلك منفتحة حول ثقافة النقد، وخصوصا البناء والتحكيم المنطقي للعقل.
لا يقتصر الذكاء العاطفي على مجموعة معينة من النساء عن غيرها، حيث يتم تقييمه اعتماداً على شخصية المرأة نفسها، بتداخل عوامل عديدة غير مبنية على تلك الأنماط والسمات التي قامت بتشكيل شخصيتها وتكوينها والتأثير عليها، وإنما بإدراك ماهية شخصيتها وإدارة العواطف والمشاعر التي قد تؤثر سلباً على هذه الشخصية، وكذلك تغيُّر الأفكار وتصوراتنا الذهنية السابقة، بحيث تتناسب مع الواقع، وتساعد على تغييره إلى أفضل، في حين أنه من الصعب كثيراً تغيّر شخصية الأفراد، إلا أنه يمكن تغيير نسبة ذكائهم العاطفي وزيادتها، وذلك باكتساب المهارات والتعلم والاستفادة قدر الإمكان منها في مجالات الحياة المختلفة.
يختلف كذلك الذكاء العاطفي في المرأة عن الذكاء العقلي لديها الذي يعتمد على مدى البراعة في التعرف على الأنماط، وحل المشاكل، والحدس، والمعالجة البصرية والمكانية، والرياضيات، والمنطق، وغيرها الكثير من معايير قياس معدل الذكاء العقلي حسب الشطارة والحنكة.
وكذلك لا تعتبر كل امرأة تتمتع باستقرار عاطفي ذكيةً عاطفياً، ولكنها تكون أكثر امتيازاً لاكتسابه، نظراً لقدرتها على معرفة وإدراك ذاتها بسهولة عن تلك التي تعاني من أضرار داخلية تؤثر بطريقة عكسية وغير فعالة على نفسيتها، مما يجعل حياتها الخارجية غير متزنة، وبالتالي تفتقر ولا تستطيع إتقان مفاهيم الذكاء العاطفي حتى يتم حل مشكلة عدم الاستقرار العاطفي.
لا يتناقض الذكاء العاطفي مع كل من المفاهيم السابقة، ولكن تعد الشخصية الواعية التي تتمتع بذكاء عقلي واستقرار النفسي والعاطفي من مقومات الأفراد التي ينعمون بما تغدقه عليه هذه الخبرة من فوائد في حياتهم، وخصوصاً في علاقاتهم سواء العملية، شؤون الأسرة، الشخصية والاجتماعية.
أهمية الذكاء العاطفي للمرأة
- المرأة الذكية عاطفياً تتميز بصفات قيادية، خصوصاً في مجال العمل، مما يزيد من الإنتاج وتحقيق الأهداف المشتركة بشكل أكبر.
- القدرة على رصد تصرفات وحركات الآخرين مع مراعاة مشاعرهم والتعاطف معهم، وتفسير الإشارات والإيماءات خلف كل عاطفة لفهم الرسالة منها.
- إدارة التوتر والتحكم بالانفعالات بقدرة عالية وتحمل ضغوط الحياة وإمكانية التعامل مع المواقف بإيجابية والحفاظ على نظرة واقعية للحياة.
- الذكاء العاطفي مهم في بناء علاقات صحية مثمرة وتحمل المسؤولية في العلاقات والقدرة على التفاعل الإيجابي مع الآخرين والتعامل مع الفشل بشكل سليم.
- إدارة المشاعر الذاتية والتمكن من فنون الاستجابة للمواقف وردات الفعل بشكل فعال ومناسب وتقبل التغيير المستمر والتكيف معه.
- القدرة على مسامحة الآخرين وعدم الشعور بالكراهية والحقد تجاههم مع عدم إظهار سلوكيات وتعابير توحي بذلك.
لذلك الذكاء العاطفي مهم في حياة المرأة، وهي قادرة على توجيه مميزات هذه المهارة لصالحها للتمتع ببراعة لغوية منطقية وتكوين علاقات متوازنة متداخلة مع الناس، كذلك لتتناغم حياتها مع عواطفها الحقيقية وتصبح خبيرة في فن إدارة العلاقات مما يساهم من نجاحها وتفوقها بشكل كبير.
- لا يمكن حصر الذكاء العاطفي كذلك على اختلاف وانفتاح وتحضر المجتمعات التي تكون فيها المرأة متواجدة، ولكن قد تؤثر البيئة والمجتمع في المرأة الذكية عاطفياً، فهناك بعض المجتمعات التي ترحب بقدرة المرأة على التفكير والمشاركة وإدارة الآخرين على الرغم من عدم تطورها ووجودها في أماكن قد تعد نامية وبدوية، ولكن مع ذلك فهي أكثر انفتاحاً ودعماً للمرأة وربما يتم التدريب على هذه الميزة منذ الصغر فتعد أكثر قدرة على تحمل المسؤولية والتحكم بالعواطف وتحكيم المنطق، وكل ذلك رغم عدم توفر التعليم والانفتاح على أي ثقافات أخرى، وقد لا تتحلى تلك المجتمعات بمعايير الذكاء العقلي ولكن لديهم قدرة وإمكانية عجيبة في الذكاء العاطفي التي بواسطتها يديرون شؤون حياتهم وبإمكانهم من خلال ذلك فقط الاندماج والتداخل مع الناس للتواصل الفعال والتعاون، ويعتبر الذكاء العاطفي بالنسبة لهم وسيلة كذلك لتحقيق غاياتهم التي يطمحون لها.
- هناك كذلك مجتمعات في بعض الدول النامية التي كثيراً ما تحد وتحصر المرأة ضمن إطار التفكير النمطي ولا تتقبل من الأساس مفهوم الذكاء العاطفي وتعتبره تهديداً لقيمها؛ وبذلك تفتقر المرأة ليس الذكاء العاطفي فقط وإنما يؤثر ذلك سلباً على شخصيتها أيضاً. أما في مجتمعات الدول المتقدمة فتكون أنسب للمرأة الذكية عاطفيا إلا أن العديد يفتقر إلى مهارات هذا الذكاء ويكون أغلب النساء غير واعيات ومدركات لهذه المميزات ولا يستطعن بالتالي الانضمام إلى فئة ذات طراز مميز ويعانين دائماً في علاقاتهن مع الآخرين، ويفتقرن إلى مقدرة إرسال واستقبال العواطف، وكذلك لا يقدرن على التحكم بمشاعرهن، ولا يعرفن حتى الأسباب التي قد تؤدي إلى ذلك.
- يعتقد البعض أن هناك جانباً مظلماً سلبياً للذكاء العاطفي متمثلاً في استخدام هذه المهارة بطريقة غير فعالة قد تؤدي إلى العدوانية والرغبة في السيطرة على الآخرين والتأثير عليهم لتنفيذ أوامرهم، ولكن هذا متناقض مع المفهوم العام للذكاء العاطفي الذي محوره التعاطف مع الناس والتعامل الجيد معهم؛ لذلك يمكن الحد من هذه الظواهر بالإدراك السليم لمفاهيم الذكاء العاطفي والتعامل مع الشخصيات السلبية بطرق فعالة تتناسب مع المواقف المختلفة.
في الأخير، على المرأة عدم التسليم لغريزتها العاطفية وتحكيم العاطفة في إدارة شؤون حياتها، ويجب اكتساب الإمكانيات التي تساعدها في إدارة ذاتها وحياتها بشكل أفضل؛ بحيث تكون لديها القدرة على مواجهة الانتكاسات والتحديات، مع الاتزان اجتماعياً، والالتزام في تكوين علاقات أخلاقية وفعالة، مع تقبل الذات والآخرين والمجتمع مع التحلي بقدر من الكفاءة الاجتماعية اللازمة والقدرة على إقامة العلاقات الشخصية السوية للاستمتاع بالحياة والاستفادة إلى أقصى الحدود من جميع الفرص التي توفرها.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:opinions@arabicpost.net
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.