بعد خروج حمدوك كآخر وجه مدني من المشهد السلطوي، اكتمل مخطط سيطرة أمراء الحرب على كامل المشهد السلطوي.
ويبدو أن هذا المخطط بدأ منذ التقاء حميدتي بقادة الحركات المسلحة في تشاد لتشكيل تحالف جهوي، وتم فيه الاتفاق علي الشراكة مع البرهان مرحلياً، لإخراج المكونات السياسية من المشهد السلطوي، ومن ثمَّ يتم التخلص من البرهان، ليستفرد حميدتي بقادة الحركات المسلحة، ليتم تحييدهم عبر الترغيب والترهيب أو التخلص منهم إذا لزم الأمر، كما تم التخلص من البشير!
وللمفارقة أسلوب الترغيب والترهيب هو ذات النهج الذي يستخدمه البرهان مع قادة المؤسسة العسكرية، إضافة إلى أنه يوظف حميدتي كحائط صد ضد المؤسسة العسكرية! والمشهد عامة يبدو وكأننا في حلبة مصارعة لإدراك حزام السلطة المعلق فوق رقبة الجميع! والحال أن البرهان يؤدي ذات الدور الذي لعبه البشير، ليُستخدم مجرد قنطرة، في حين أن غباءه وطمعه في السلطة يصوران له أن كل خيوط اللعبة في يده!
وما كان لهذا السيناريو الذي بطله حميدتي أن يرى النور، لولا تهيئة البيئة التآمرية، التي أفرزتها تناقضات استقطابية داخل السلطة، أي كنتيجة حتمية لخطاب السلطة المغلق.
بل ظاهرة حميدتي نفسها تعكس حالة إفلاس هذا الخطاب وعدميته ووجهته في نهاية المطاف. فحميدتي وصل لهذه المكانة بطريقة غامضة وسرعة محيرة، نتيجة لصراع السلطة داخل الأجهزة وبين مراكز القوى لنظام الإنقاذ، وهو صراع وجد له امتدادات خارجية، لافتقاره المعايير والقيم الوطنية.
وبما أن حالة سيطرة أمراء الحرب على السلطة هي أحط مراحل انسداد خطاب السلطة، فكذلك العلاقة بين أمراء الحرب هي أحط علاقات السلطة، بسبب احتكامها لقانون التآمر! ولذا عندما لا يتآمرون على الآخرين أو الأصح ينتهي تآمرهم على الآخرين (كما حدث لقوى الحرية والتغيير) يبدأ تآمرهم على بعضهم البعض. وهو ما ينذر بشر مستطير على البلاد وأهلها، خاصة عندما تتدخل أطراف خارجية لها مصالح، لحسم هكذا صراعات غدر.
مجلس رئاسي وإعادة حمدوك أبرز عناصر المبادرة الأممية
اشتعلت مواقع التواصل الاجتماعية السودانية ما بين رافض ومرحب بمبادرة الأمم المتحدة، حيث كشفت بعض التسريبات عن معلومات نشرتها أحد المواقع العربية عن تفاصيل المبادرة التي تعمل الأمم المتحدة على طرحها لحل الأزمة السياسية في السودان.
وجاء بحسب التسريبات أن المبادرة الأممية تتكون من أربعة عناصر أساسية: أبرزها إلغاء مجلس السيادة والاستعاضة عنه بمجلس رئاسي شرفي يتكون من ثلاثة أعضاء مدنيين. وذلك بالإضافة إلى منح العسكريين مجلساً مقترحاً للأمن والدفاع، ولكن تحت إشراف رئيس الوزراء الذي سيمنح سلطات تنفيذية كاملة تشمل تشكيل حكومة كفاءات مستقلة بالكامل مع إعطاء تمثيل أكبر للمرأة.
بحانب تسريبات هنالك تصريحات لمصدر مطلع في البعثة الدولية في الخرطوم بأن المبادرة تقوم على تعديل الوثيقة الدستورية الموقعة في عام 2019، التي ألغى قائد الجيش البرهان عدداً من بنودها الرئيسية عقب الإجراءات الانقلابية التي اتخذها في 25 أكتوبر الماضي.
ولم يستبعد المصدر طرح عودة رئيس الوزراء المستقيل عبدالله حمدوك مجدداً باعتباره شخصية تحظى بقبول دولي يحتاجه السودان في الوقت الحالي. وعلى الرغم من ترحيب عدد من الأطراف السياسية في السودان للمبادرة، لكن من المتوقع أن تواجه المبادرة معارضة واسعة من عدد من الجهات الفاعلة التي تقود الاحتجاجات الحالية الرافضة بشكل كامل لأي سلطة عسكرية في الفترة المتبقية من المرحلة الانتقالية.
وبالفعل، أعلن تجمع المهنيين السودانيين في بيان رفضه التام للمبادرة، وقال إنها تسعى للدفع تجاه التماهي مع (المجلس العسكري)، مشيراً إلى أن حل الأزمة يكمن في (إسقاط السلطة العسكرية الحالية وتقديم عضويتها للعدالة).
السودان ليس دولة معزولة عن العالم، كما أنه ليس بقعة على كوكب المريخ لذلك غير منطقي ولا واقعياً أن نقول إن المجتمع الدولي ليس معنياً بما يحدث في السودان.
كثيراً ما نطالب العالم بالتضامن مع الشعب السوداني في ثورته ضد الحكم الشمولي والديكتاتوريات التي رسخت للسلطة في بلادنا لعقود طويلة، ولكن العالم أيضاً من حقه أن ينظر للأبعاد السياسية الأخرى، ويقول ويعبر عن رأيه فيها. كما من حقنا أيضاً أن (نقبل/ نرفض) أو ننتقد وساطته ومداخلاته الخاطئة.
على الأمم المتحدة وغوتيريش وممثل بعثة يونيتامس أن يدركوا ويفهموا أن أي مداخلات وإملاءات أو اشتراطات خاطئة ستقود بلا شك إلى نتائج خاطئة والنتيجة ستكون صفرية.
هنالك ثوابت محددة متفق عليها هي ما تسيّر الناس في الشوارع منذ انقلاب 25 أكتوبر، تلك اللحظة المجنونة وحتى الآن، هذه الثوابت معنية بخروج المؤسسة العسكرية من المشهد السياسي الحالي وأي مشهد قادم، ونعني هنا البرهان وحميدتي، هذا مطلب أساسي للشارع السوداني ولن تجد أي طيف أو فئة حزبية تختلف عليه.
وبالتالي إن كان ثمة مقترحات يجب أن تتضمن استراتيجية لخروج العسكر من المآزق الذي أدخلوا أنفسهم فيه. والثابت الآخر هو التفكير في دور محدد وشراكة من نوع مختلف مع العسكر في إطار دورهم المهني والواجب الوطني بعيداً عن السياسة، أما الحديث عن حوار ومائدة مستديرة بكلام مفتوح وعائم فلن يضيف شيئاً جديداً كما لن يكون مفيداً، بل سيُعيد تكرار الفشل الأممي الذي تكرر في عديد من البلدان.
يجب أن ندرك أن شيطنة المجتمع الدولي والتعامل معه كعدو هذا خطأ سياسي كبير من شأنه أن يخدم خصمك ويقويه ويحقق مصالحه، بينما يُضعفك ويخصم من رصيدك في أي مبادرة أو حوار أنت طرف فيه لذلك الأفضل ألا تخسره. المجتمع الدولي تقف في وجهه إلى أن تجبره يتبنى مطالبك كلها إن لم يكن جزءاً منها.
التأييد الدولي لمبادرة المبعوث الأممي يحتاج إلى أن يتعامل معها الناس في مستوى غير الرفض. أساساً لا توجد تفاصيل للمبادرة، وهنالك دعوة للحوار، ما معروف من هو المقصود ومقصد الحوار نفسه وأطراف الحوار ومن وهو الذي سيدير ذلك الحوار ويسهل ويلعب فيه دور الوسيط.
كذلك لا يوجد معنى لرفض مبدأ الحوار وربطه بقضايا أخرى على سبيل المثال الموقف الرافض للتدخلات الدولية، والمهووس بسيادة وطنية مفترضة افتراضاً.
كما لا يوجد معنى أن نقول الانقلاب أضاع علينا فرص الدعم الدولي والمنح، في وقت يعتقد فيه البرهان نفسه كزعيم كوريا الشمالية. بعضنا يحتفي كثيراً بقانون للكونغرس، وتصريحات مسؤول غربي، وقرار اتحاد إفريقي، وعقوبات دولية وقصص وحكايات لا تفيد الشأن السوداني في شيء.
لدينا خطاب متفق عليه بيننا تجاه أي حل أو مبادرة تعطي العسكر دوراً سياسياً. لكن ليس لدينا خطاب تجاه المؤسسات الدولية، بعضنا عندهم خطاب معادٍ للمؤسسات الدولية، لكن اتفاقنا معهم فقط في خطاب رفض الوجود العسكري السياسي، المؤسسات الدولية هي متغير مهم في المعادلة، لن يختفي لو تجاهلته.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:opinions@arabicpost.net
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.