لم أتحمس كثيراً حين شاهدت الإعلانات الترويجية قبيل عرض مسلسل "موضوع عائلي"، رغم أنني من مُحبي ماجد الكدواني، فإن التعليقات وردود الأفعال التي تابعتها عقب عرض الحلقات الأولى للمسلسل استفزتني وأثارت حماستي لمشاهدته، لأجدني أبكي بشدة وأضحك من قلبي، حتى إنني أنهيت المسلسل بالكامل في جلسة، لم أتمكن من القيام من مكاني حتى أنهيته كاملاً، لأتأكد أن هذا أول مسلسل حقيقي أشاهده، ربما من وقت عرض "حديث الصباح والمساء" وربما "حمادة عِزّو".
حلقات قليلة تأكدت بعدها لماذا حظي مسلسل "موضوع عائلي" بهذا الكم من الإعجاب والتقدير وردود الفعل الإيجابية، عشر حلقات فقط عبر منصة خاصة هي "شاهد" ومع ذلك فالأثر كبير للدرجة التي صارت تدفعني إلى أن أطلب من أصدقائي مشاهدته، كما صرت واحدة من جمهور المشاهدين الذين صاروا ينتظرون جزءاً ثانياً من المسلسل، عقب عرض الحلقة الأخيرة منه.
لماذا أحببته إلى هذه الدرجة !
ربما هي المرة الأولى من وقت طويل التي أشاهد فيها مسلسلاً يدعني ألتقط أنفاسي، أتنفس بهدوء وأشعر بقليل من اللطف، بداية من الصورة الرائقة، مروراً بالشخصيات الرحبة المرسومة بلطف شديد، ربما لهذا ارتبطت كما ارتبط كل من شاهد المسلسل، بشخصياته المختلفة، حتى الشريرة منها.
عناصر مصنوعة بحب، ديكور وقصة وسيناريو وإخراج، وتفاصيل عديدة تركت في نفسي أثراً طيباً لم أرَ مثله منذ زمن بعيد، ربما لأن ما صُنع بحب يبدأ منذ اللحظة الأولى ويستمر حتى آخر لحظة في العمل، علمت هذا جيداً حين روى ماجد الكدواني ما جرى معه حين عرض عليه مخرج العمل وصاحب فكرته أحمد الجندي، وقتها قال له: "هقولك سطر.. أب عايش مع ابنته ميعرفهاش"، لكن حالة الحب امتدت وبدت أوضح مع الحلقة الأخيرة حين ظهرت صورة الفنان محمود الجندي بصحبة ابنه في مرحلة الطفولة، حيث كتب لوالده: "إهداء إلى أكثر إنسان كنت أتمنى أن يشاهد العمل.. أبي".
40 دقيقة تقريباً، من المتعة الخالصة، ضحكة تنطلق من القلق، قهقهة نادرة الوجود في الأعمال المصرية، ودموع فجأة، تنهمر في مواقف تمس القلب عن قرب، ربما هو المسلسل "العائلي" الوحيد الذي أثار إعجاب وانبهار المشاهدين ورواد مواقع التواصل منذ الحلقات الأولى.
كلمة السر في المسلسل
"إبراهيم الشيف الذي لا يحب المفاجآت، حياته عامرة بالمفاجآت المرعبة" شخصية مميزة وتمثيل عظيم لماجد الكدواني، لم تتح له الفرصة لكي يقدمه من قبل، لكنه أخيراً نال فرصته كاملة في هذا المسلسل، الذي بدا كافياً له كي ينطلق من بعده إلى آفاق أرحب ومناطق أعمق من التمثيل.
"بحس إني بشوف نجيب الريحاني" هكذا وصفه عمرو أديب في اللقاء الذي جمعهما قبيل عرض المسلسل، حسناً يبدو أنه على حق، في موضع وحده ظل ماجد الكداوني، طويلاً، وجوده كأدائه، سهل ممتنع، رجل يقدر أن يُضحك ويُبكيك بأقل قدر من التعبير، لهذا أسميه رجل الأضداد، فهو بعيد وقريب في الوقت نفسه، غائب وموجود، قليل الظهور كبير الأثر، هكذا كل شيء يتعلق به، معادلة ربما كانت إجابتها في ذلك التصريح الذي أدلى به قبل أسابيع، حين قال: "أنا مش صعب، أنا دقيق"، ربما لهذا يمكن أن تعُد أعماله بسهولة، لتميُّزها من ناحية وقلَّة عددها من ناحية أخرى.
الفنان البالغ من العمر 54 عاماً والمولود في حي شبرا، لم يكن ينوي أن يكون ممثلاً حين التحق بكلية الفنون الجميلة، ليتخرج فيها عام 1995 حيث الديكور، لكن النداهة ندهته قبيل تخرُّجه بعام، حيث شارك في مسلسل "أرابيسك"، على الرغم من أنه كان مايزال بعدُ طالباً، فإنه بدا ناضجاً للغاية في ظهوره بالمسلسل:
أداء ماجد في المسلسل بدا بالنسبة لي عبقرياً، للمرة الأولى يخرج ليقدم دور "أب" حقيقي، بتفاصيل مميزة ومختلفة ربما لم أرها من قبل على الشاشة، ليست هذه هي البطولة المطلقة الأولى لماجد الكدواني، سبقتها بطولة مطلقة عام 2005 عبر فيلم جاي في السريع، لكن على تميُّزها لم تحظَ بالقدر الكافي من النجاح، لا أعلم السبب ولكن أرجو ألا يتكرر السيناريو مرة أخرى مع هذا العمل، أتمنى حقاً أن يكون انطلاقة حقيقية وقوية للكدواني تجعلني أراه بانتظام وليس كما حدث في المرة الأخيرة حين ظهر في عمل تلفزيوني قبل 14 عاماً-مسلسل أحلامك أوامر– ليعود هذا العام بمسلسل "موضوع عائلي"، بصحبة نجله الذي نال ضربة قوية من والده ضمن أحداث المسلسل.
في الواقع قد يطول الانتظار مرة أخرى، علِمت هذا حين قال عن المسلسل إنه لم يشكّل له سوى "فكرة لمست قلبه"، مع تأكيد أن البطولة المطلقة ليست هدفاً في ذاتها، ما يجعلني أتساءل حقاً: كم فكرة حقيقية تلمس القلب يمكن أن تصادف فناناً-يتصدر نسب المشاهد بمجرد الموافقة على العمل- في حياته؟
التوليفة الذكية
من كان يعرف سماء إبراهيم، الممثلة الموهوبة التي تمثل منذ عام 1997، فضلاً عن أعمال سابقة مثل "طايع" و"الحصان الإسود"، لكنني أزعم أن فرصتها الحقيقية لم تتح لها إلا هذا العام، أي عقب 24 عاماً من تقديم عملها الأول، لن يبارح دورها الأذهان قريباً، تلك العمة الطيبة -عكس الصورة السائدة للعمة الشريرة- السيدة المصرية التي لا تكف عن البكاء أبداً تعاطفاً ولطفاً، ستظل زينب راسخة في ذهن كل من شاهد المسلسل لوقت طويل.
على الطريق ذاته جاء ظهور الممثل المصري محمد رضوان، رمضان زوج زينب، الذي ظهرت مطالبات عديدة بمنحه مساحة أكبر في الأجزاء التالية من المسلسل. الممثل المولود عام 1967، قدم العديد من الأعمال، واعتاد الظهور ضمن فرقة محمد صبحي، ربما كان هذا الظهور بالذات لافتاً له، وأعدّه أيضاً بداية حقيقية له على غرار شريف دسوقي "سبعبع"، مع أمنياتي بأن يكون أوفر حظاً من المذكور.
أما الممثلة الشابة "صولا" التي قدمت عملها الدرامي الأول هذا العام، فعلى الرغم من بساطة الدور، فإن اختيار تلك الفتاة التي تحتل أغنيتها "أبو أحمد" قوائم الأكثر استماعاً عبر تيك توك ومنصات التواصل الاجتماعي، حيث حظيت عبر يوتيوب وحده بأكثر من 11 مليون مرة استماع، اعتبر اختيارها من الخطوات الذكية جداً، حيث تملك الفتاة طاقة تمثيل جبارة في انتظار من يكتشفها أكثر، ربما تكون لها مساحة أكبر في الجزء التالي من "موضوع عائلي".
مزيد من اللمسات الناجحة برأيي كانت مع ظهور شخصيات مثل الفنان الشاب طه دسوقي (شخصية حسن)، هو في الأصل فنان ستاند أب كوميدي، فضلاً عن كونه نجم إعلانات، خاصةً الإعلان الشهير "وي"، يبدو أن المسلسل أثار حماسته للغاية حتى تمنى أن لو كان هناك جزء ثانٍ منه.
مساحة لوجوه جديدة أخيراً بدت قوية مثل محمد القس "غازي"، و رنا رئيس، التي ظهرت في دور ابنة إبراهيم -ماجد الكدواني- ونالت مساحة بدت لي كبيرة بالنسبة لقدراتها، حتى إنني لم أستسغها كثيراً في البداية لكنها استطاعت أن تستدرَّ الدموع من عيني، اكتشفت لاحقاً لماذا كانت بهذا القدر من الصدق، ربما لأنها كانت في قمة الواقعية، فقد سبق أن فقدت والدها بالفعل خلال السنة.
وجوه قديمة
لا يعرف كثيرون أن الفنانة القديرة لبنى محمود، هي ذاتها حماة "حاحا" في فيلم "حاحا وتفاحة"، وهي ذاتها السيدة التي أهانت جواهر في "فيلم الناظر"، في الواقع هي نفسها أكثر من أجاد تقديم شخصية جولدا مائير، تغيَّر شكلها كثيراً لكن خفة ظلها ولطفها بقيا في مكانهما، برأيي هي من أفضل الاختيارات. كذلك الأمر مع أداء الفنان عبد الرحمن أبو زهرة الذي جاء ظهوره مميزاً جداً. مساحات جيدة لكل من علاء مرسي، وبيومي فؤاد، أعطت للمسلسل زخماً حقيقياً وثقلاً في الوقت ذاته.
مهام أقل وأداء أفضل
قد يوحي لك التصوير المُتقن والصورة الرائعة للمسلسل، بأن جيشاً ضخماً يقف خلف التصوير والتنفيذ والإعداد، لن تجد لكل فنان كوافير خاصاً به، في الواقع هناك كوافير للعمل بالكامل هو محمود عامر، وماكيير للعمل بالكامل هو زينب حسن، هكذا ببساطة، كاميرا مان واحد هو مصطفى الصاوي، مونتيير مساعد واحد هو حمادة المصري.
ما لفت نظري هو وجود مهام -جديدة بالنسبة لي- على التتر مثل وجود "سكريبت حركة" نفذه أحمد نور، وسكريبت ملابس، نفذته بسنت البكري، وسكريبت إكسسوار نفذه محمد بيومي، هكذا الأمر في كل التفاصيل التالية، من إدارة الإنتاج إلى الإخراج، اسم واحد فقط، أسفل كل مهمة باختصار وهدوء.
العمل من إخراج أحمد الجنانيني، بينما الفكرة العامة والإخراج لأحمد الجندي، ربما كان الاستثناء الوحيد في التأليف، حيث اشترك في التأليف كل من أحمد الجندي وكريم يوسف، صحيحٌ أن القصة ليست قوية للغاية، بل إنها تبدو أقرب للخيال، لكن مَكمن التميز جاء في التفاصيل والأمور الدقيقة التي أخرجت العمل بأفضل شكل ممكن.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:opinions@arabicpost.net
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.