مع مرور الوقت، وزيادة الضغوط الحياتية يقرر الناس التخفف من أحمالهم، واختزال أحاديثهم من الدسامة الفكرية أو الصعوبة التي تستوجب تشغيل الدماغ بعد يوم عمل مرهق وصعب يضيع منه ما يضيع في زحام المرور ومهام العمل التي لا تنتهي؛ فيقررون مع نهاية اليوم الحديث في أي موضوع تافه لتمرير الوقت الذي يفصلهم عن النوم؛ لذلك نجد أن أبرز المواضيع العامة المطروحة علی مواقع التواصل الاجتماعي هي مواضيع تافهة، خالية من القيمة، غرضها الأساسي هو تمرير الوقت وقتل الملل، مواضيع أتفه من أن تُطرح علی -المصاطب- غرضها هو التسلية التي يجلبها الكلام الفارغ، وهذا هو التريند، سواء كان يومي أو أسبوعي.
فن صناعة اللقطة
في الوقت الحالي تتصدر شيرين عبد الوهاب، المغنية المصرية، أبرز منصات مواقع التواصل الاجتماعي، بسبب انفصالها عن المغني والملحن الموسيقي "حسام حبيب" وبسبب إطلالتها الأخيرة التي جاءت فيها حليقة الرأس، وبسبب تصريحاتها المتناقضة حول حقيقة انفصالها وعلاقتها مع زوجها السابق. منذ عدة سنوات انتهت مسيرة شيرين عبد الوهاب بشكل ضمني، بلا اعتزال حقيقي عن ممارسة الغناء، ولكن بسبب تصرفاتها التي تفننت في جعلها تصرفات طفولية غير مسؤولة.
لا أتذكر بشكل كامل متی كانت أول أزمة تشعلها شيرين، هل بدأ الأمر حينما قالت إن عمرو دياب عجوز وبلا قيمة في فيديو مسرب بدت فيه مخمورة وتتأرجح بصورة تشبه لقطات الأفلام القديمة التي يسكر فيها أي شخصية ثانوية ثم يردد: أنا جدع.. أنا جدع بلا توقف! أم إن الأمر بدأ حينما بدأت في ترديد أنها من حي شعبي وهذا لا يعيبها! وكأن الأحياء الشعبية اختُزلت في كونها أماكن للعيش يخرج منها ممارسون للفن ثم يظهرون في الشاشات كنجوم كي يقولوا إنه لا عيب في خروج الفنان من حي شعبي، أم في 2019 حينما قالت:
"طالما منقدرش نستغنى عن الراجل في حياتنا يبقى نسمع كلامه أحسن، ولا انتو شايفين إيه؟ ليه بتدوخوهم وتطلعوا عينيهم، خلاص رفعنا الراية البيضا".
وحينما عقبت علی كلامها في حفل آخر واصفة من يعترضون علی كلامها بأنهم "شوية عوانس"!
علی مدار سنوات عديدة ترددت الأقوال عن كون شيرين مطربة صاحبة صوت مميز، ولكن ينقصها النضج الذي يمنعها من الإدلاء بتصريحات غبية، وعلی مدار كل هذه السنوات انتظرت أنا وكل الناس -ومحبوها علی وجه الخصوص- أن تتوقف شيرين عن هذه الكلمات، ليس لكونها تخرج من شخصية عامة أو يحبها البعض، ولكن لكونه كلاماً غبياً ومؤذياً للكثيرين، ولكن علی ما يبدو فإن المرأة التي تمارس الفن من 20 سنة تقريباً لا تنضج، ولا يهذبها الفن الذي تمارسه، ولا تقبل بأن تكون صاحبة صوت حلو فقط لتمارس الغناء، ولكن بالتأكيد هي امرأة تحب اللقطة، وتردد اسمها في المواقع الفنية والصحفية والمداخلات الهاتفية في أكبر برامج التوك شو، ليس كفنانة، ولكن لكونها تريند رائجاً!
قص الشعر بالكامل ودلالات عديدة
تقول الدكتورة شيماء عرفة، أخصائي الطب النفسي، لمواقع مصرية: "تعود هذه العادة إلى النساء العربيات في عصور الجاهلية، فعندما كانت تفقد المرأة زوجها أو ابنها في المعارك كانت تعبر عن حزنها ورفضها لملاذ الحياة من خلال قص شعرها، كنوع من الزهد."
متابعة: "ولم تكن هذه العادة مجرد فعل تقوم به النساء من باب التظاهر إنما له دوافع وعوامل نفسية لذلك استمرت هذه العادة حتى وقتنا هذا، فالشعر هو تاج المرأة ومن أغلى الأشياء بالنسبة لها، لذلك عندما تتعرض لمواقف صعبة تحتاج إلى تغيرها من الداخل تندفع نحو قص شعرها رمزاً وتعبيراً عن إعلانها للتمرد على الأوضاع الحالية وتحديها لنفسها وتركها لأفضل ما تحب وهو شعرها".
لا يختلف تحليل الدكتورة شيماء مع الدكتور محمد طه الكاتب المصري المعروف، في تحليله لمظاهر حلاقة الشعر:
"حلاقة الشعر ليست بالضرورة غضباً أو اكتئاباً أو انتقاماً، بل ربما عملية تحول نفسي وصلت لأعمق طبقات وجودها، أو انتقالاً حقيقياً من موقف في الحياة إلى موقف آخر، أو إعلاماً صادماً عن الحق في الوجود وصرخة تمرد ضد من أذى صاحبته أو شوّهها أو حاول أن يكسرها يوماً"، مضيفاً: "لذلك، يمكن اعتبار حلاقة الشعر ولادة جديدة تحدث مع كل شعرة تنبت لتكون أقوى وأصلب، ورمزاً نفسياً لانتهاء عهد وبداية عهد آخر هو بمنزلة إعلان التحكم من جديد في مقاليد الأمور".
أو سرده لبدايات تطور قصات الشعر بداية من عائلات روما الثرية التي كانت نساؤها تضع تراب الذهب علی شعورهن حتی بداية القرن الـ19 دلالة علی الثراء والرقي الاجتماعي ومع بدايات حركات النسوية التي دعت للمساواة والتخلص من المفاهيم المغلوطة حول الجسد والتمييز الجندري بدأت أيضا نساء الطبقات الاجتماعية العليا في التخلي عن عاداتهن المترفة وجز شعورهن للدلالة علی كونهن يملكن ما هو أهم من التاج الذي يزين رؤوسهن.
لا تعد شيرين أول امرأة تقوم بحلاقة شعرها، سواء كان هذا الفعل لدلالة ما أو تغيير الإطلالة. عدة فنانات قاموا بحلاقة شعورهن لعدة أسباب تعلقت بالانفصال أو لأداء أدوار فنية مثل ناتالي بورتمان في فيلم V For Vendetta أو نادين نجيم في مسلسل خمسة ونص، كما ظهرت أيضاً المغنية مايا دياب في كليب "شكلك ما بتعرف أنا مين" بحلاقة شعر "زيرو".
يخرج الجميع من العلاقات العاطفية بخسائر عديدة، بلا استثناء يتبدل الحال وتتغير الأمور الداخلية بصورة قاسية قد تدفع المرء لتغيير شكله للتخلص من أثر علاقة قديمة، قد يحلق الرجال والنساء علی السواء رؤوسهن للتخلص من الضغط والثقل الساكن علی الرأس، للتعبير للجميع بوجود تغيير حدث، لقول أنا شخص آخر، أو للإشارة بأن هذا الشخص ليس في أفضل حالاته. أنا أيضاً حلقت شعري بشكل كامل في فترة ما لأتخلص من مظهري القديم، لتخطي مرحلة كنت فيها لا أملك إلا مظهراً جيداً يجعلني أبدو وكأني بخير، حلقت شعري بالكامل لأقول لأقرب الناس لي ولمن يعرفوني أنني لست بخير، وأنني لا أستطيع أن اتحمل ما هو أكثر مما في رأسي.
وفقاً لموقع "reportr"، يقول عالم النفس جوزيف ماركيز، إخصائي علم نفس الأمريكي: "الانفصال هو نقطة انتقالية، ومن أجل التعامل مع الأمور مرة أخرى، فإن تغيير تسريحات الشعر أو الحصول على قصة شعر أو حتى حلقه تماماً، هو وسيلة لإظهار نهاية وبداية جديدة لأنه سينمو مرة أخرى".
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:opinions@arabicpost.net
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.