يرتفع التوتر السياسي بين إيران وأذربيجان في الوقت الحالي، لكن من المرجح جداً أن يتوقف الطرفان قريباً عن التصعيد. إذ لا يمكن لطهران ولا لباكو تحمل تكلفة السماح للأحداث الأخيرة بالانزلاق نحو أزمة كاملة أو مواجهة عسكرية بين البلدين ذي الأغلبية الشيعية المسلمة.
ظاهرياً، يدور الخلاف الأخير بين البلدين حول استياء أذربيجان تجاه إيران لتوفيرها شريان حياة اقتصادياً من خلال فتح أبواب تجارية برية لعدوتها اللدود، أرمينيا.
لكن في الواقع، فإن مصدر الاختلاف الرئيس الذي يغذي التوترات الإيرانية الأذربيجانية الحالية يتعلق أكثر بخيارات السياسة الخارجية الأساسية التي اتخذتها كل من طهران وباكو أخيراً ومن غير المرجح أن تختلف في المستقبل المنظور.
كان بإمكان إيران أن تتعامل مع مختلف أسباب الخلاف مع أذربيجان من خلال القنوات الدبلوماسية. ففي نهاية كل شيء، يتمتع البلدان بعلاقات دبلوماسية كاملة؛ ويشمل ذلك السفارات والسفراء العاملين بشكل كامل على أراضي بعضهم البعض.
بالإضافة إلى ذلك، لدى آية الله علي خامنئي أيضاً ممثله الخاص على الأراضي الأذربيجانية. لكن إيران قررت سلك مسلك مختلف، فأجرى الجيش الإيراني والحرس الثوري الإيراني في مطلع أكتوبر/تشرين الأول الماضي تدريبات عسكرية استمرت أسبوعاً على الحدود الإيرانية الأذربيجانية. ومما زاد الطين بلة، خلال التدريبات العسكرية، أن المسؤولين الإيرانيين وجهوا عدة تحذيرات إلى النظام الأذربيجاني وقيادته.
ومن الأمثلة على ذلك، تصريح محمد باكبور، قائد القوات البرية للحرس الثوري الإيراني، الذي حذر فيه أذربيجان بشكل غير مباشر من أن إيران "لن تتسامح مع جيرانها الذين يقعون تحت تأثير دول طرف ثالث".
بعد ذلك، في 3 أكتوبر/تشرين الأول، حذر المرشد الأعلى خامنئي، أقوى رجل في إيران، القيادة الأذربيجانية من أن "أولئك الذين يحفرون حفرة لإخوانهم سيكونون أول من يسقط فيها". ويبدو أن الحفرة التي يشير إليها هي علاقات أذربيجان مع إسرائيل، وخاصة في المجال العسكري. ومن المحتمل أن خامنئي كان يشير أيضاً إلى علاقات أذربيجان مع تركيا.
من المرجح أن يأتي قرار إيران بتحذير أذربيجان من خلال المناورات والتهديدات العسكرية بنتائج عكسية. ومن غير المحتمل أن ينأى الأذريون بأنفسهم عن الإسرائيليين، بل قد يؤدي ذلك إلى تعاون عسكري أوثق بين البلدين.
أصول العداء بين إيران وأذربيجان
لقد لعبت سياسات إيران الخارجية دوراً مهماً في التقريب بين أذربيجان وإسرائيل في المقام الأول. فمنذ استقلالها في عام 1991، أرادت أذربيجان، وهي دولة علمانية ذات أغلبية شيعية، تحسين العلاقات مع الغرب. وكان ذلك لأسباب مختلفة، أهمها الرغبة في تقليص النفوذ الروسي والتدخل في شؤونها. كما أرادت أذربيجان التكنولوجيا والاستثمار الغربيين لاقتصادها القائم على النفط، فضلاً عن الأسلحة الغربية الحديثة. وهذا صحيح بشكل خاص بسبب سلسلة الهزائم التي عانت منها أذربيجان على يد أرمينيا في أوائل التسعينيات.
لكن فترة وجيزة من استقلال أذربيجان، شرع المرشد الأعلى الإيراني آية الله خامنئي في محاولة لزيادة نفوذ إيران في أذربيجان. وكان ذلك أساساً من خلال إرسال طلاب دينيين أذربيجانيين مدربين من إيران إلى أذربيجان. وعلى مر السنين، حاولت إيران نشر رسائل دينية من خلال محطاتها التلفزيونية، مثل تلفزيون "سحر" ومقره إيران. وكانت تلك المحطة تبث برامج دينية معادية للعلمانية وتبث باللغة الأذربيجانية إلى جمهورية أذربيجان. كما عُرفت المحطة ببث مقاطع مناهضة للنظام الأذربيجاني.
ثم هناك دعم إيران لأرمينيا. خلال الحرب الأولى على إقليم ناغورنو كاراباخ المتنازع عليه، قدمت إيران مساعدات غذائية واقتصادية لأرمينيا. وبعد الحرب، واصلت إيران التبادل التجاري مع أرمينيا. وشمل ذلك المناطق التي احتلتها أرمينيا من أذربيجان خلال نزاع 1990. وفيما يتعلق بالقيادة الأذربيجانية، كانت إيران تحافظ على الجدوى الاقتصادية للأراضي التي تحتلها أرمينيا. وأثار هذا غضب القيادة الأذربيجانية إلى حد كبير – وهو شعور أعربوا عنه مراراً وتكراراً في اجتماعات خاصة مع الأجانب، بما في ذلك المسؤولون الأمريكيون.
ولموازنة ما اعتبرته القيادة الأذربيجانية دعماً إيرانياً لأرمينيا، حسنت أذربيجان علاقاتها مع عدو إيران اللدود، إسرائيل. ومن خلال إقامة علاقات مع إسرائيل، كانت أذربيجان تتطلع إلى تحقيق أهداف أخرى أيضاً، بما في ذلك شراء أسلحة إسرائيلية متطورة لقواتها المسلحة. كما أنها تأمل في الحصول على وضع أفضل في واشنطن من خلال لجنة الشؤون العامة الأمريكية الإسرائيلية (AIPAC) . ولموازنة النفوذ الروسي، كانت هذه الخطوة ضرورية في نظر أذربيجان.
وكان هناك أيضاً بُعد اقتصادي، فمنذ ذلك الحين أصبحت أذربيجان واحدة من أكبر موردي النفط لإسرائيل. ولكن ما عزز على مر السنين الدافع الأذربيجاني لتحسين العلاقات مع إسرائيل هو استمرار تدخل إيران في شؤونها، كما يدعي الآذريون بالطبع. ومن ناحية أخرى، استفز النظام الأذربيجاني إيران على مر السنين أيضاً. على سبيل المثال، سمحت أذربيجان للجماعات التي تطالب باستقلال المقاطعات الأذرية الواقعة في شمال غرب إيران بالعمل من داخل أراضيها.
ومع ذلك، فإن أذربيجان، بشكل عام، أصغر عسكرياً واقتصادياً من إيران. وتريد إيران من أذربيجان أن تنأى بنفسها عن إسرائيل، لكن استعراض عضلاتها العسكرية الأخيرة من المرجح أن يدفع أذربيجان في الاتجاه المعاكس، أي نحو الحظيرة الإسرائيلية.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: opinions@arabicpost.net
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.