بحلول العاشر من ديسمبر/كانون الأول، يكون قد مر عام كامل على إعلان البيت الأبيض اعتراف الولايات المتحدة الأمريكية بالسيادة المغربية على إقليم الصحراء الغربية بالكامل. اعتراف وصفه المحسوبون على البوليساريو بأنه مجرد "تغريدة ترامب"، في إشارة إلى إعلان الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، عن القرار عبر صفحته الرسمية على تويتر. خاصة مع غموض موقف الإدارة الأمريكية الجديدة بعد وصول جو بايدن إلى سدة الحكم في واشنطن، وفتور انخراطها في اتفاقيات أبراهام التي عكفت من خلالها الإدارة الأمريكية السابقة على تطبيع العلاقات الدبلوماسية بين عديد من الدول العربية وإسرائيل، والتي تزامنت مع الإعلان الأمريكي.
لكن موقف إدارة بايدن سرعان ما سيترجم في عديد من الخطوات الهامة، أبرزها مشاركة الجيش الأمريكي في التدريبات العسكرية المشتركة مع نظيره المغربي، والتي شملت لأول مرةٍ منطقة "المحبس" في إقليم الصحراء الغربية، إلى جانب تسلُّم المغرب أسلحة استراتيجية أمريكية، من ضمنها وحدات طائرات بدون طيار متطورة من نوع "MQ-9B"، فضلاً عن الموقف الرسمي الأمريكي الذي عبَّرت عنه وزارة الخارجية الأمريكية مراراً بدعمها للخطة المغربية القاضية بمنح إقليم الصحراء حكماً ذاتياً، واللقاءات العديدة التي جمعت مسؤولي دبلوماسيتي البلدين.
سياقات يربطها بعض المتابعين بالصراع المحتدم بين مجموعة من القوى الدولية حول "جبل التروبيك" المكتشف حديثاً بسواحل الصحراء الغربية، والذي يكتنز عديداً من المعادن النادرة التي تدخل في مجالات استراتيجية من قبيل الإلكترونيات والبطاريات، خاصةً المحركات الكهربائية، وهو ما يفسر الأزمة المستعرة بين المغرب من جهة وكل من ألمانيا وإسبانيا من جهة أخرى، والفتور الذي بدأ يشوب العلاقات المغربية الفرنسية، إلى جانب الشراكة الاقتصادية التي أُعلنَ عنها بين المغرب وبريطانيا حول مدّ المغرب جبل طارق بالطاقة الكهربائية النظيفة.
لكن ما سيعزز الموقف الأمريكي هو دور الولايات المتحدة الأمريكية الهام في مجلس الأمن، فإلى جانب كونها أكثر الدول المتمتعة بحق النقض حضوراً في الساحة الدولية، فإنها تعد الممسكة بالقلم فيما يتعلق بملف الصحراء الغربية، حيث تعكف على إعداد المسودات الخاصة بكافة القرارات المتعلقة بقضية الصحراء، حيث عملت على تغيير تعاطي الهيئة الأممية مع الملف ليصب في صالح المغرب، بعد تبنّيها مقاربة الحل الواقعي والعقلاني، في تجاوز لمخرجات وقف إطلاق النار الموقّع بين الطرفين في سنة 1991 بعد تعذّر تنظيم الاستفتاء بسبب خلاف الأطراف حول الهيئة الناخبة، خاصة مع تغير المعطيات على الأرض في الآونة الأخيرة منذ عملية تأمين المغرب معبر الكركرات وشنه مجموعة من العمليات العسكرية النوعية. هذا إلى جانب تراجع حضور داعمي البوليساريو على المستوى الدولي.
تطورات تنضاف إلى الأدوار التي بات يضطلع بها المغرب على المستوى الإقليمي، من قبيل انخراطه في عديد من التفاهمات والشراكات الأمنية حول محاربة الإرهاب ومكافحة الجريمة المنظمة، فضلاً عن الحضور الدبلوماسي والاقتصادي الذي عكف عليه على مستوى القارة الإفريقية منذ عودته لحضن الاتحاد الإفريقي، حيث عزز علاقاته مع بعض القوى الإقليمية الهامة وفي مقدمتها نيجيريا، كما اقتحم بعض القلاع التي كانت من أهم الداعمين للبوليساريو كدول شرق وجنوب القارة الإفريقية، ليعكف على اكتساح أسواق غرب إفريقيا بفضل تنافسية منتجاته الفلاحية، ويطرق عديداً من المجالات الاستثمارية فيها، كإنشاء مصانع الأسمدة وخدمات الطيران، والاتصالات، والبنوك والتأمينات.
عوامل عززت الدور المغربي إقليمياً وقارياً، وأهّلته ليكون أحد أهم المداخل بالنسبة للولايات المتحدة الأمريكية على مستوى القارة الإفريقية، بفضل حالة الاستقرار التي يتمتع بها قياساً بمحيطه الجيوسياسي الذي يشهد مجموعة من الأزمات المستعرة في كل من ليبيا، وتونس، ومالي، وتشاد… خاصة في ظل التنافس المستعر الذي تشهده منطقة الساحل والصحراء، بين عديد من القوى الدولية والإقليمية، في ظل تراجع النفوذ الفرنسي فيها ومن خلفه نفوذ دول أوروبية أخرى، وارتباط الجزائر بروسيا عبر صفقات بيع الأسلحة، حيث تعكف الأخيرة على إقحام الشركات الأمنية المحسوبة على جوار المنطقة الإقليمي.
وفي حين تسعى الصين بشكل حثيث، لإيجاد موطئ قدم في المنطقة، تدخل كل من تركيا وإيران على الخط عبر التغلغل التركي في ليبيا والدعم الإيراني الموجه للبوليساريو بحسب عديد من التقارير المتداولة.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: opinions@arabicpost.net
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.