جبرت الظروف وحكمت على الفرقة الكتالونية برشلونة بحتمية الفوز على بايرن ميونيخ على أرضه، من أجل التأهل للدور الثاني من بطولة دوري أبطال أوروبا. مهمة برشلونة أشبه بتنفيذ مهمة انتحارية داخل الأراضي الألمانية، وتحديداً في مدينة ميونيخ، وبالأخص ملعب "أليانز آرينا"، الذي سيكون حلبة المواجهة بين كبير كتالونيا وزعيم ألمانيا.
سيشهد "أليانز آرينا" أحداث المباراة الأهم في موسم برشلونة، والأكبر في مسيرة تشافي التدريبية، فهل سيشهد العالم كتابة تاريخ جديد من الكتيبة الإسبانية التي تحاول أن تهز عرش الفريق الألماني بايرن ميونيخ، الذي عاث في هذه المجموعة بالفساد الكروي، وضرب بيد من حديد كل المنافسين ذهاباً وإياباً دون شفقة ولا رحمة، ولم يستثنِ من هذا الضرب برشلونة، الذي انساق إلى الهزيمة على أرضية ميدانه بثلاثية.
وبرشلونة الآن في انتظار آخر موقعة داخل هذه المجموعة، والتي ستحدد مصيره إما أن يكون ضمن كبار القوم في البطولة التي تعد الأكبر والأعرق على مستوى الأندية في العالم، أو سينحرف مسار برشلونة ويخرج من خانة الفرق الكبرى المتواجدة في البطولة لهذا الموسم، وينتقل لينافس على اللقب القاري الأقل أهمية وهو كأس الاتحاد الأوروبي أو "الدوري الأوروبي"، في مسماه الجديد، في سابقة لم تحدث منذ فترة تتجاوز العقدين من الزمن تقريباً مع النادي الإسباني.
برشلونة الذي سيتسلح بالإصرار والعزيمة ويتمسك بحظوظه لآخر لحظة من لحظات المباراة التي يدخلها بقيادة نجمه السابق ومدربه الحالي وأحد أساطيره تشافي هرنانديز، الذي سيتولى بدوره مهمة وضع خطة مُحكمه ومراقبة نجوم الفريق البافاري من أجل تقييدهم وعدم السماح لهم بالعب بحرية، وإن أمكن شل حركتهم، وهذه بحد ذاتها مهمة صعبة، لأن بايرن ميونيخ دائماً متوهج وهو يلعب على أرضه، وإن غابت جماهيره لأسباب تتعلق بتفشي فيروس كورونا.
بالإضافة إلى ذلك، فتشافي مطالب بتوظيف أشباله بطريقة مُحكمه لسد الثغرات أمام بايرن ميونيخ، ومن ثم الحصول على أكبر قدر ممكن من الفرص، وترجمة تلك الفرص إلى أهداف، ومنع البايرن من فعل ما فعله بمباراة الذهاب، وبين هذا وذاك تشافي، سيكون في مفترق طرق، فإما أن يُثبت أنه مدرب كبير بمواصفات عالمية يقود فريقاً كبيراً عانى كثيراً في هذه المرحلة الانتقالية بعد أن لعبت الإدارة السابقة لعبتها وتفننت في إفراغ الفريق من أبرز نقاط قوته، وترك النجوم تهجر الفريق الواحد تلو الآخر. تشافي في هذه الأثناء يحاول جاهداً من أجل العودة بالفريق إلى ما كان عليه في السابق، من حيث المستوى العالي والانسجام بين اللاعبين وتحقيق النتائج الإيجابية.
وربما الاختبار الألماني سيفرض على المدرب والنادي تغيير المسار من الأبطال إلى الاتحاد، وكما يقولون "في الاتحاد قوة"، ولكن ليست قوة الاتحاد هي من تجذب برشلونة، ولكن قوة البايرن هي من ستطرد برشلونة من دوري الأبطال في حالة لم يحقق الفوز، ليعلن بذلك البايرن أن بنفيكا هو من سيرافقه للدور القادم من البطولة، بدلاً من برشلونة، إلا إذا كان لمدرب بايرن ميونيخ رأي آخر، وهو إراحة نجومه واللعب بالبدلاء، ليتيح لهم الفرصة، بما أن البايرن فاز بجميع مبارياته، وجمع خمس عشرة نقطة من خمس مباريات، وهو متسيّد المجموعة بالطول والعرض، ونتيجة هذه المباراة لن تؤثر على صدارة البايرن للمجموعة السادسة.
مهمة برشلونة وتشافي المستحيلة
لذلك على تشافي التحضير الجيد والعمل المستمر على تحفيز أبنائه، لأن هذه المباراة مفصلية، وبدون الفوز لن يكون برشلونة متواجداً في دوري الأبطال إلا بمعجزة يفعلها ويقدمها دينامو كييف هدية لبرشلونة، بتحقيق نتيجة الفوز أو التعادل في مباراته مع بنفيكا، ونسبة حدوث هذه المعجزة تبقى قليلة وضئيلة، ولكن ليست مستحيلة، فمصير برشلونة في أقدام لاعبيه وليس في انتظار هدية مفاجئة من دينامو كييف.
تشافي سيحاول أن يبدأ بقوة، في محاولة لتسجيل هدف مبكر وإرباك البايرن وخلط أوراقه واعتماد استراتيجية الضغط العالي على حامل الكرة، كما يجب على نجوم برشلونة أيضاً استغلال أنصاف الفرص، ومع احتمالية وصولهم لمرمى بايرن سيجدون عائقاً آخر في طريقهم داخل العرين، وهو مانويل نوير، أحد أفضل حراس المرمى في العالم، فبرشلونة ليس لديه خيار إلا الفوز للبقاء مع الكبار أو التنحى عن مقعده والخروج من البطولة، التي تضم كبار القوم على صعيد الأندية في العالم بأسره، وليس أوروبا فقط.
من جهته، سيعمل بايرن على مواصلة سلسلة الانتصارات، وبنتائج كبيرة، على برشلونة بالذات، ليُثبت أنه أعلى كعباً من متحديه الإسباني، لذلك فإن البايرن يلعب من أجل اسمه وسمعته الكبيرة في أوروبا، وليس للتّأهل فقط، لأن هذا التأهل الذي لا تشوبه شائبة مضمون، حيث الصدارة بجدارة محجوزة للبايرن، هذا البايرن يريد أن يبقى دائماً شوكةً في حلق العملاق الكتالوني، ليواصل تحقيق النتائج الكبيرة كما فعلها في آخر المباريات بينهما، من ضمن الأسلحة الخارقة للفرقة البافاريه المهاجم السفاح البولندي ليفاندوفسكي، وهو أبرز أدوات الكتيبة الألمانية، وهذا الرجل تحديداً مَن يريد الثأر من برشلونة النادي قبل اللاعبين المتواجدين حالياً أو المغادرين، والسبب في ذلك منح جائزة أفضل لاعب في العالم للنجم الأرجنتيني ليونيل ميسي، المنتقل بالمجان من برشلونة إلى باريس سان جيرمان، ففي العام الماضي ألغيت جائزة أفضل لاعب في العالم، وفي هذا العام خطفها ميسي، ليحمل ذلك غصة للمهاجم البولندي، وطعنة أخرى في مسيرته الكروية، حيث مازال أنين الجرح بعدم التتويج بلقب أفضل لاعب في العالم يصدع في أعماق ليفاندوفسكي، ذلك الأسد الجريح، الذي يرى في برشلونة فريسة سهلة، وهو مستعد للانقضاض عليها لتعويض ما فاته، بما أن ميسي هو اللاعب الأسطوري لنادي برشلونة، وجزء كبير لا يمكن أن يتجزأ من تاريخ النادي الحديث والمعاصر، فهو مَن كان يوماً كبير القوم في القلعة الكتالونية، فكل تلك دوافع للمهاجم البولندي.
هل ستفعلها الفرقة الكتالونية وتحقق إنجازاً يصل لدرجة الإعجاز، في ظل الظروف الصعبة التي يمر بها النادي، ويعكس كل الترشيحات والتوقعات ويعود لمدينة برشلونة، وهو فاتح لميونيخ ومنتصر على البايرن، متوجاً بذلك الانتصار، يحفظ لبرشلونة هيبتها وكبرياءها ووقارها في عالم كرة القدم، أما الجينات النازية فستضرب وبقوة في أعماق أبناء الكتيبة الألمانية لتفشل بذلك مهمة الفرقة الإسبانية، وتؤكد علو كعب البايرن على برشلونة في الفترة الأخيرة.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: opinions@arabicpost.net
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.