عندما تحتل السعودية المركز الثامن عالمياً في الإنتاج المسوق من الغاز الطبيعي خلال العام الماضي، بينما تخلو قائمة الدول المصدرة للغاز الطبيعي منها، ليكون السبب أنها قد استهلكت إنتاجها البالغ 119 مليار متر مكعب سنوياً محلياً بالكامل، حيث احتلت السعودية المركز السادس عالمياً في استهلاك الغاز الطبيعي.
فهذا يعني أن استهلاكها من الغاز الطبيعي قد فاق استهلاك دول مثل اليابان وألمانيا وإنجلترا وإيطاليا والهند وكوريا الجنوبية، رغم أن السعودية تحتل المركز الأربعين في عدد السكان بين دول العالم بعدد سكان 34 مليون نسمة، بينما يبلغ سكان الهند ملياراً و385 مليون نسمة، واليابان 126 مليوناً وألمانيا 83 مليون نسمة.
فكيف يزيد استهلاكها من الغاز الطبيعي عن تلك الدول؟ بل وعن إندونيسيا البالغ سكانها 268 مليون نسمة، وباكستان البالغ سكانها 214 مليوناً، والبرازيل 214 مليوناً، والمكسيك البالغ سكانها 127 مليون نسمة.
وتزداد الدهشة أن هذا الأمر يتكرر مع النفط، حيث احتلت السعودية المركز السابع دولياً بين مستهلكي النفط، أي أنها تستهلك نفطاً محلياً أكثر من ألمانيا، صاحبة المركز الثالث دولياً بالصادرات السلعية، وهولندا صاحبة المركز الرابع بالصادرات الدولية. وكذا إيطاليا صاحبة المركز الثامن، وفرنسا صاحبة المركز التاسع، وإنجلترا صاحبة المركز الثاني عشر، وكندا صاحبة المركز الثالث عشر، وإسبانيا صاحبة المركز الثامن عشر بالصادرات الدولية، بينما تحتل السعودية المركز التاسع والعشرين بالصادرات الدولية.
استهلاك النفط بالإمارات يفوق مصر
وعندما تستهلك السعودية يومياً 3.027 مليون، لنا أن نتصور كمّ الإيرادات التي كان يمكن أن تحققها في حالة خفض تلك الكمية، في ضوء بلوغ سعر خام برنت خلال شهر أكتوبر/تشرين الأول الماضي، حوالي 84 دولاراً للبرميل، وهو ما يزيد في حالة تكريره محلياً وتحويله إلى منتجات نفطية، وكذلك مع بلوغ سعر المليون وحدة حرارية بريطانية للغاز المسال باليابان أكثر من 12 دولاراً باليابان بنفس الشهر.
وتكررت حالة السعودية عالية استهلاك الطاقة مع الإمارات العربية، التي تحتل المركز الواحد والتسعين بين سكان العالم بعدد سكان يقل عن العشرة ملايين، لكنها احتلت المركز الثالث والعشرين دولياً في استهلاك النفط، بكمية تبلغ 828 ألف برميل يومياً، لتتفوق على كمية استهلاك كل من مصر وجنوب إفريقيا وماليزيا وبولندا والأرجنتين والعراق وهي الدول الأكثر منها سكاناً.
وفي الغاز الطبيعي احتلت الإمارات المركز الحادي عشر بين دول العالم في استهلاك الغاز الطبيعي، متفوقة في الاستهلاك على دول مثل الهند ومصر وأستراليا وكوريا الجنوبية وتركيا والمكسيك وإندونيسيا، بل وعلى فرنسا وإسبانيا وهولندا، رغم الفارق بين مكانة تلك الدول بالاقتصاد الدولي من حيث الناتج المحلي الإجمالي.
الذي احتلت به الإمارات المركز السابع والعشرين بالعام الماضي، بينما جاءت فرنسا بالمركز السابع وإسبانيا الرابع عشر، والمكسيك الخامس عشر، وهولندا السابع عشر، وتركيا التاسع عشر بالاقتصاد الدولي.
جاء ذلك الاستهلاك الضخم لموارد الطاقة رغم حملات الترشيد التي عمت بلدان الخليج، ففي السعودية أنشئ المركز السعودي لكفاءة الطاقة -كفاءة-، الذي قام بوضع برنامج وطني لترشيد استهلاك الطاقة، بهدف تحسين استهلاك الطاقة في ثلاثة قطاعات رئيسية، هي المباني والصناعة والنقل البري، والتي تستحوذ على ما يزيد عن 90% من الاستهلاك المحلي للطاقة.
تحرير أسعار المنتجات البترولية بالإمارات
وتم تنفيذ أكثر من 35 مبادرة لتحسين ورفع كفاءة استهلاك الطاقة بالقطاعات المختلفة، إلى جانب تأسيس الشركة الوطنية لخدمات كفاءة الطاقة -ترشيد- لإعادة تأهيل المبانى الحكومية، وتحفيز القطاع الخاص على الاستثمار في خدمات كفاءة الطاقة، ومع إشارة الإحصاءات إلى أن أجهزة التكييف تستهلك أكثر من نصف الطاقة الكهربية بالمملكة، خاصة من قبل الأجهزة قليلة الكفاءة فقد تمت مبادرة أجهزة التكييف عالية الكفاءة.
وفي الإمارات أسست وزارة الطاقة والبنية التحتية إدارة الترشيد وكفاءة الاستخدام، كما أطلقت هيئة الإمارات للمواصفات والمقاييس عدة أنظمة لتعزيز كفاءة استخدامات الطاقة والمياه، كذلك قامت إمارات أبوظبي ودبي والشارقة وعجمان بجهود محلية للترشيد، وهناك برنامج نجم طاقة الإمارات كمبادرة للحد من معدل استهلاك الطاقة بالمباني، وبرنامج استدامة الذي يهدف لخفض استهلاك الطاقة والمياه والنفايات في أبوظبي.
وفي ضوء تسبب انخفاض تكلفة الاستهلاك كسبب لدى ملاك العقارات والمستأجرين لعدم تقليل الاستهلاك، فقد طبق نظام شرائح الاستهلاك في دبي بالكهرباء والمياه، والذي يشجع المستهلك على البقاء ضمن الشريحة الأقل تكلفة، كما اتبعت وزارة الطاقة والبيئة سياسة تحرير أسعار الوقود منذ أغسطس/آب عام 2015، ليتم تحديدها بشكل شهري، وفقاً للأسعار العالمية، وشمل ذلك الجازولين والديزل.
وفي قطر تم إطلاق البرنامج الوطني للترشيد وكفاءة الطاقة -ترشيد- منذ عام 2012، الذي يشجع التقنيات التي تُسهم في خفض الاستهلاك، وتسليط الأضواء على مصادر الطاقة النظيفة التي تخفض الانبعاثات الكربونية الضارة، ويقوم البرنامج سنوياً برصد كمّ الخفض الذي نجح في توفيره من كل من الكهرباء والمياه، والتي بلغت عام 2020 بالكهرباء 289 غيغاوات ساعة وبالمياه 32 مليون متر مكعب.
وفي أبريل/نيسان من العام الحالي أطلقت المؤسسة العامة القطرية للكهرباء والماء مبادرة محلية لخفض استهلاك الكهرباء والماء بالقطاع السكني.
امتداد ضخامة الاستهلاك للكهرباء والمياه
ربما سيفسر بعض المتخصصين سبب ارتفاع استهلاك السعودية والإمارات، وباقي دول الخليج من الطاقة، بسبب تركز استهلاكهما في النفط والغاز الطبيعي من بين أنواع موارد الطاقة، بينما لدى الدول الكبرى العديد من موارد الطاقة، فألمانيا تعتمد على النفط بنسبة 35% من استهلاكها من الطاقة، والغاز الطبيعي بنسبة 26% والطاقة المتجددة 18%، والفحم 15% والطاقة النووية 5% والطاقة الكهرومائية 1%، بينما تعتمد السعودية على النفط بنسبة 62% والغاز الطبيعي بنسبة 38%.
ويمكن تكرار نفس المبرر مع الإمارات التي تستخدم الغاز الطبيعي بنسبة 60% والنفط بنسبة 36% والفحم 3% والطاقة المتجددة 1% والطاقة النووية بنسبة اثنين بالألف، بينما تعتمد فرنسا على الطاقة النووية بنسبة 36% والنفط بنسبة 31%، والغاز الطبيعي 17% والطاقة المتجددة 8% والطاقة الكهرومائية 6% والفحم 2%.
لكن ذلك المبرر لم يكن سبباً كافياً للاستهلاك الضخم للطاقة بدول الخليج، حيث أظهر ترتيب دول العالم من استهلاك المواطن للطاقة، والذي ورد بتقرير شركة البترول البريطانية، حين جاءت قطر بالمركز الأول، تليها سنغافورة، ثم ترينيداد وتوباجو وبالمركز الرابع الإمارات، وجاءت الكويت بالمركز السابع والسعودية بالثامن وسلطنة عمان بالمركز التاسع دولياً.
بينما جاءت الولايات المتحدة الأمريكية بالمركز العاشر وهولندا بالمركز السابع عشر، وألمانيا بالمركز الثالث والعشرين واليابان بالسادس والعشرين وفرنسا بالسابع والعشرين، وسويسرا بالمركز التاسع والعشرين رغم ارتفاع متوسط دخل الفرد بتلك الدول.
ولقد تكرر أمر الاستهلاك المرتفع في الكهرباء، حيث احتلت السعودية المركز الثاني عشر في استهلاك الكهرباء دولياً عام 2016، واحتلت الإمارات المركز الحادي والثلاثين بنفس العام.
حتى في مياه الشرب بلغ استهلاك الفرد 2387 لتراً بالإمارات، و1933 لتراً بالسعودية، و1517 لتراً بسلطنة عمان، و1406 لترات بقطر، و1171 لتراً بالكويت و835 لتراً بالبحرين، بينما بلغ استهلاك الفرد 855 لتراً في ألمانيا و1244 لتراً بفرنسا.
ويربط البعض بين تبديد موارد الطاقة نتيجة زيادة الاستهلاك الحكومي والخاص، وبين تبديد حكام الخليج الثروة الآتية من النفط والغاز الطبيعي، في مغامرات عسكرية وسياسية مثلما يفعلون في اليمن وليبيا وتونس والمغرب ومصر وغيرها.
وهي الموارد التي كان يمكن أن تساهم في زيادة الإنتاج الصناعي والزراعي بدول الخليج أو بالعالم العربي والإسلامي، من خلال الاستثمارات المباشرة والمشتركة، ولتضييق فجوة العجز الغذائي العربي، واستيعاب جانب من البطالة بالدول العربية والإسلامية.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: opinions@arabicpost.net
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.