منذ خمسة شهور مضت قررنا أنا وأولادي التوقف تماماً عن شراء الألعاب.. لكن لماذا؟
في هذه الأيام بات متاحاً لأطفالنا امتلاك الكثير من الألعاب لكنهم لا يزالون يشعرون بالملل ويطالبون بالمزيد.
بالنسبة لشعور الملل فلا مشكلة، إذ إنه ليس بالأمر السيئ شعورهم بالملل، وليس علينا دائماً التصرف حيال ملل أولادنا فالحياة ليست مسلية ومبهجة طوال الوقت.
أما بالنسبة للمزيد من الألعاب فأعذر صغاري دوماً عند طلب لعبة جديدة، فكمية الإعلانات والتسويق والسلع والبضائع في المتاجر أمر يحير صغارنا، انظر مثلاً لعدد الألعاب وتنوعها التي يتعرض لها طفلك عند مروره خلال دقيقة من أمام المتجر؟
لا يستطيع عقل طفل صغير تحمل كل هذه الألعاب المعروضة بصناديقها المغرية فيظل للأبد غير راض عما لديه فالكثير عنده قليل.
والهدف سيصبح شراء لعبة جديدة وما إن تم الحصول سننتقل لهدف جديد وهو شراء لعبة أخرى تنضم لصندوق ألعابهم.
ومن ثم سنستمر سعياً في ذات السلسلة فالأم نفسها تتعرض لسيل من الإعلانات فتعتقد أن هذه اللعبة سوف تحل مشكلة وتعدد ميزاتها فترى صغارها بحاجة لها، ولقد وقعتُ في هذا الفخ حينما طلبت من صديقة مسافرة لي أن تشتري لي من بلدها لعبة مغناطيسية لطالما رأيتها بحساب صديقاتي المؤثرات، وحينما وصلت اللعبة صدقاً كنت أكثر سعادة من صغيراتي بها، لكني صدمت من ردة فعلهن وتعاملهن مع اللعبة وحماسهن الذي اختفى خلال أسبوع فقط.
اشتريت الكثير من الألعاب لأولادي ومع ذلك كنت أرى الملل في عيونهم، حينما أكون مرهقة أقول لهم اذهبوا للعب بألعابكم وإلا ألقيتها من الشباك، أتحدث إلى ابنتي:
مريم هل تذكرين تلك اللعبة التي ألححت علي شهراً كاملاً لشرائها؟ تتبرم وتقول زهقت منها.
وجدت أن الألعاب تعلمهم الشعور بالملل بدلاً من تعليمهم كيفية اللعب، تعلمهم ألا يكونوا راضين عما لديهم، لذلك فكرت أن الأقل ربما هو الأكثر وقررت في هذه اللحظة عدم شراء أي لعبة جديدة لأرى ما النتيجة.
ما الهدف من وراء الألعاب؟
لطالما آمنت بمبدأ ماريا منتسوري بأن اللعب هو عمل الأطفال فالطفل يتعلم من اللعب، ولكن ماذا يجب أن يتعلم الطفل من ألعابه التي يلعب بها؟
1- الاستكشاف.
2- تعدد الاستخدام.
3- الإبداع.
4- تنمية الخيال ومهارات التفكير.
5- التواصل .
في تجربة أجرتها German Public Health Workers عمال الصحة العامة الألمان، حيث قاموا بإزالة الألعاب من فصول رياض الأطفال ووجدوا أن ذلك حث الأطفال في النهاية على استخدام خيالهم واللعب بالأشياء اليومية في محيطهم.
واستنتجوا أن قلة الألعاب تعني فترات اهتمام أطول ومهارات اجتماعية أفضل، ولاحظوا أن المعارك بين الأطفال أصبحت أقل حول الألعاب حيث تعلم الأطفال المشاركة بشكل أكبر.
أقضي وقتاً طويلاً وأنا أتفحص صندوق ألعاب أطفالي، فأرى ألعاباً كثيرة باهظة الثمن، هذه اللعبة لتنمية الذكاء وتلك تساعدهم على تطوير مهارات التفكير الرياضي وهذه تقوي عضلات اليدين، الغريب أن أطفالي اليوم لم يعودوا يفتقدون ألعابهم ولم يعودوا يشعرون بأي حماس تجاهها؟
أُمسك بدمية جميلة مصنوعة يدوياً من الكروشيه بكل حب، وأسأل ابنتي لقد تمنيت هذه اللعبة كثيراً لدرجة كما لو أنها ستغير مسار حياتك! لم لا تلعبين بها؟ وهذه اللعبة ألم نفكر كثيراً قبل شرائها لدرجة أنكِ قمتِ بالتخطيط والادخار للحصول عليها!
ومن هنا بدأت في تطبيق التجربة وقمت بإخفاء كل الألعاب في صناديق مقفلة، وبدأت ألاحظ من اليوم الأول كيف بدأت بناتي في الاندماج في ألعاب تخيلية لا تحتاج إلا لبطانيات ووسائد وعصي، قدمت لهن الكثير من الأوراق والأقلام والطباشير الملونة والألوان المائية، ووجدنا معاً أن هناك الكثير من الأفكار للعب فمثلاً العصي استخدمناها كمسدس وسيف وملعقة وتلسكوب وعكاز وأطعمة مثل البسكويت.
أما البطانيات فاستخدمناها كرداء /خيمة /ورق تغليف/ شبح، ولعبنا معاً معركة الوسائد واستخدمناها كجسر لعبور الحمم البركانية وكجبل.
كذلك صنعنا البطاقات ولعبنا بأوراق الشجر واستخدمنا الكراتين والصناديق لصنع الدمى من قماش الجوخ والقطن.
بغض النظر عن روعة الألعاب في المتاجر كانت هذه الألعاب أجمل وأكثر فائدة.
حينما قررنا فرز ألعابنا، أيها سنحتفظ به أيها وأيها لا نريده، قمنا باختيار البازل والليجو والمكعبات الخشب والدمى التي صنعوها بيدهم من الجوخ والصوف.
كانت صغيرتي ميرفت قد صنعت غيمة رمادية احتضنتها وقالت "تعبت وأنا أعملها" فأخذتها من كومة الدمى القماشية.
أطفالنا لا يشعرون بامتنان عند شرائنا المزيد من الألعاب، فغالباً عند حصولهم على لعبة ينتهي هدفهم وحماسهم بامتلاكها.
لكل هذه الأسباب مجتمعة توقفنا تماماً عن شراء الألعاب، ولكن وضعنا معاً أموراً بديلة:
1- شراء الكتب: لا يمكن أن نقول إن لدينا الكثير من الكتب ماذا سنفعل بها فالكثير من الكتب لا يضر، قصص وموسوعات للقراءة وإعادة القراءة، فالقصص قادرة على إعمال الخيال والتفكير بدرجة كبيرة وتضاهي أفضل لعبة تباع في السوق.
2- صناعة الذكريات عن طريق قضاء المزيد من الوقت، حيث نتحاور ونستمع لبعضنا ونخرج سوياً لنمشي أو نركض، قضاء المزيد من الوقت مع أطفالنا، إبعادهم عن الشاشات، كل هذا زاد من جودة التواصل بيننا رغم أنها كانت نزهات قصيرة.
3- صناعة الألعاب، من وجهة نظري كأم ومعلمة منزلياً أُفضل أن تقضي بناتي وقتهن بصناعة ألعاب سخيفة بدلاً من شراء لعبة من السوق، لذلك قمنا بصناعة ألعابنا من قماش الجوخ الملون والصوف والكرتون، وقمنا بشراء ما يلزم من عدة مثل الخرز الملون والخيوط والإبر، فهذه الأدوات تعني أفكاراً عملية تطبق.
4- تطوير مهاراتهم: لم نكافئهم بلعبة لا بيوم ميلادهم ولا عند إنجازهم، بل إن مكافآتهم كانت في بذل المزيد من الجهد بكورس تدريبي/ كارتيه/ بوكسنج/ يوجا/ دورة شطرنج/ بيلاتس/ أو شراء أدوات رياضية محببة إليهم مثل " سكايت بورد أو رولر سكايتس" أو حتى شراء أدوات جديدة للرسم دعماً لمهاراتهم.
كل هذا يتم مع مراعاة مشاركتهم في التخطيط للقرار قبل شراء اللعبة.
فمثلاً عند شراء الليجو أو البازل كان اختيارنا لها لأنها لعبة جماعية وفردية نستطيع مشاركتهم اللعب بها وهدفها التعليمي تراكمي، حيث نبدأ ببازل يحتوي على ٢٥٠ قطعة وبعدها نشتري واحدة جديدة تحتوي على ٥٠٠ قطعة، فتتطور مهاراتهم بتطور نموهم ونتمكن كآباء من تطوير قدرات أبنائنا من خلال لعبة.
إن توقفنا عن شراء الألعاب لا يعني حرمانهم من حق اللعب، بالإضافة إلى ما سبق فإننا نحاول كذلك تعليمهم قيمة النقود، فطفلك قد يكون قادراً على العد حتى مئة أو أكثر لكنهم غير مدركين أن هذه النقود تمثل الكثير من العمل والوقت الذي يقوم به الأبوان ولكي يفهموا ذلك عليهم إدراك قيمة النقود فلا يحصلون أكثر مما يحتاجون إليه، وليتعلموا المشاركة والتبرع وتبادل الألعاب مع غيرهم.
في النهاية لم أستغنِ عن سلة الألعاب بل احتجتها للغسيل بدلاً من وضع الدمى فيها.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: opinions@arabicpost.net
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.