عند قراءة التاريخ العربي والإسلامي، وخاصة المتعلق بدول شمال أفريقيا، سيلفت انتباهك غياب مجموعة من المعطيات وضبابية الرؤية، فكلنا درسنا أن أقصى اتساع عرفته الدولة الإسلامية على مر التاريخ كان في عهد الدولة الأموية وبالضبط مع الخليفة الوليد بن عبد الملك. لكن بعد سقوط الدولة الأموية سنة 132 هـ على يد الدعوة العباسية تقلصت حدود الدولة الأموية في اتجاه الغرب، فماذا حصل؟
التاريخ هنا يغفل الحديث عن الشأن الداخلي للدولة الأموية، حيث عرفت الدولة الأموية في عهد الخليفة هشام بن عبد الملك انقساماً وفقداناً لأحد أهم الأقاليم بفعل الثورة المغربية (ثورة الأمازيغ).
في تاريخنا الإسلامي وما يتعلمه الطالب في صفوف الدراسة وخاصة بدولة المغرب، يبدأ تعداد الإمبراطوريات التي حكمت المغرب من عهد الأدارسة أحفاد رسول الله صلى الله عليه وسلم، لكن هذه المقررات أغفلت حوالي نصف قرن من التاريخ الذي ظهرت فيه عدة دويلات إسلامية قوية كادت أن توحد المغرب وأن تنافس الخلافة الأموية في دمشق والولاية في الأندلس.
كان للظلم والحيف وتفضيل العنصر العربي على العنصر الأمازيغي الذي واجه به ولاة بني أمية المغاربة الأثر الكبير في انفصال المغرب عن الخلافة الأموية بشكل نهائي.
فقد عمد عمال بني أمية على تخميس الأمازيغ أي جعلهم يدفعون الجزية وخمس أموالهم رغم إسلامهم وكانوا يدفعون بهم في الصفوف الأولى للمعارك ثم يمنعونهم من الغنائم، بل وصل الأمر الى حد بقر بطون المواشي الحوامل واستخراج الخرفان الصغيرة بحثاً عن الصوف الأبيض، فابتعثت قبائل المغرب القائد ميسرة المضغري على رأس وفد إلى الشام لمقابلة الخليفة هشام بن عبد الملك والشكاية له عما يحدث لهم من طرف الولاة، لكنهم منعوا من مقابلة الخليفة.
غضب الوفد مع ميسرة وعادوا إلى شمال أفريقيا وأعلنوا الثورة وقتلوا والي هشام بن عبد الملك على طنجة، فبايعت القبائل ميسرة المضغري خليفة على المغرب الأقصى سنة 740 م.
يقول ابن خلدون في كتابه تاريخ ابن خلدون:
وبلغ الخبر بذلك إلى هشام بن عبد الملك فسرح كلثوم بن عياض في اثني عشر ألفاً من جنود الشام وولاه على إفريقية وأدال به من عبيد الله بن الحبحاب. وزحف كلثوم إلى البرابرة سنة 123 هـ حتى انتهت مقدمته إلى وادي سبو من أعمال طنجة فلقيه البرابرة هنالك مع ميسرة وقد فحصوا عن أوساط رؤوسهم ونادوا بشعار وكان ذكاؤهم في لقائهم إياه أن ملؤوا الشنان بالحجارة وربطوها بأذناب الخيل تنادي بها فتقعقع الحجارة في شنانها ومرت بمصاف العساكر من العرب فنفرت خيولهم واختل مصافهم وانجرت عليهم الهزيمة فافترقوا وذهب بلج مع الطلائع من أهل الشام إلى سبتة… ورجع إلى القيروان أهل مصر وأفريقية وظهرت الخوارج في كل جهة واقتطع المغرب عن طاعة الخلفاء .." ابن خلدون – تاريخ ابن خلدون
قاد خالد بن عبد الحميد الزناتي جيش الأمازيغ واستطاع بحنكته أن يقصم ظهر الخلافة الأموية وهزمهم في معركة الأشراف وقتل فيهم خيرة الجند من شبه الجزيرة العربية، فكان لنجاح الثورة المغربية الأثر الكبير في قيام ثورة في الأندلس حيث نزعوا الوالي فيها وعينوا آخر منهم، فأصبح كل هم الجيش الأموي أن يرابط على حدود تلمسان تخوفاً من اجتياح للقبائل الأمازيغية.
غضبة الخليفة هشام بن عبد الملك
لما بلغ للخليفة هشام بن عبد الملك أحوال المغرب والأندلس والهزيمة المريرة للجيش الأموي في معركة الأشراف، قال كلمته الشهيرة "والله لأغضبن لهم غضبة عربية، ولأبعثن لهم جيشاً أوله عندهم وآخره عندي".
عزم الخليفة هشام على الوفاء بوعده، فأرسل إلى ابن الحبحاب بالعودة إلى دمشق معزولاً، وعين مكانه كلثوم بن عياض، ووجهه إلى إفريقية مع خيرة فرسان الشام، غير أن مصيره لم يكن بأحسن من سابقيه، فانهزم هزيمة شديدة في واقعة "بقدورة" الشهيرة، على ضفاف نهر سبو، في بداية سنة 742م. فارق فيها القائد كلثوم حياته، وتفرق فيها الجيش الأموي، ففر بعضه إلى الأندلس وبعضه الآخر إلى القيروان.
سعت الخلافة الأموية الى إعادة المغرب الأقصى إلى حوزتها لكنها فشلت في ذلك، فظهرت عدة دويلات إسلامية أهمها:
– مملكة بورغواطة والتي ضمت اتحاداً من مجموعة من قبائل مصمودة. بعد أن تحالفوا مع متمردي الخوارج الصفرية في المغرب، أقاموا مملكة لهم في منطقة تامسنا على الساحل الأطلسي بين آسفي وسلا بقيادة طريف بن مالك.
– إمارة نكور وهي التي أقامها الأمويون لفائدة صالح بن منصور منذ 710 م، و حكمت منطقة الريف المغربي حاليا إلى تلمسان بالجزائر اليوم.
– إمارة بنو مدرار بمنطقة سجلماسة والتي تأسست على يد أبي القاسم سمكو سنة 757 م واستمرت الإمارة لمدة قرنين من الزمان وجعلت حكمها عموم منطقة الجنوب الشرقي.
– إمارة بني سليمان التي تأسست على يد إبراهيم بن محمد بن سليمان، لكن الإمارة استمرت 23 سنة فقط قبل أن تدخل في طوع الأدارسة.
– الرستميون، التي أقيمت على يد عبد الرحمن بن رستم الفارسي الأصل كان مذهبهم شيعياً أباضياً، استمرت الإمارة حوالي 49 سنة، دخلت خلالها تحت حماية الدولة الأموية خوفاً من المد الأمازيغي بالمغرب الأقصى.
– إمارة بني الأغلب، التي تعرف اليوم بدولة تونس بعد طرد الأمازيغ للأمويين، وتعتبر دولة بني الأغلب الدولة العربية الوحيدة التي قامت في المنطقة بعد ثورة الأمازيغ، وتنتمي الدولة إلى قبيلة بني تميم العربية، وقد استمرت مدة 25 سنة، حتى بعد سقوط الخلافة الأموية ظلت تتبع الحكم العباسي في المشرق مؤسس الدولة هو إبراهيم بن الأغلب الذي كان قائداً في جند العباسيين ثم وليه ابنه إبراهيم الذي عينه هارون الرشيد والياً على إفريقية في ٧٨٧، غير أنه استقل بالأمر سنة ٨٠٠.
ظل الأغالبة رغم استقلالهم تبعاً للعباسيين، فقد استمروا بدفع الجزية لهم ونقشوا اسم الخليفة على النقود، وأنشأ الأغالبة مدينة العباسية (رُقادة) واتخذوا منها عاصمة لهم، اشتد ساعد الدولة الأغلبية، حيث فُتحت فى عهدها جزيرة مالطة وصقلية وأجزاء من السواحل الإيطالية على امتداد تاريخ الدولة، وكانت نهاية دولتهم فى عام 296 هـ/ 909 م على يد الفاطميين.
– إمارة الأدارسة، والأدراسة يرجع أصلهم إلى إدريس بن عبد الله الكامل بن الحسن المثنى بن الحسن السبط بن علي بن أبي طالب.
وقد قُتل إدريس بن عبد الله مسموماً بعد أن مهد الحكم لسلالته من بعده، وتولى الحكم مولاه راشد وصياً على ابنه إدريس الثاني الذي كان جنيناً في بطن أمه.
بنى إدريس الثاني عاصمة جديدة لدولته سميت (فاس)، وتوسع في فتوحاته، وضم (الجزائر)، وسعى للقضاء على نفوذ الخوارج، ووصلت الدولة إلى قمتها في عهده. وحكم بعده ثمانية من الأدارسة، كان أعظمهم قوة وأعلاهم قدراَ يحيى الرابع، الذي امتد ملكه إلى جميع بلاد المغرب الأقصى. استمرت نحو قرنين من الزمان.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: opinions@arabicpost.net
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.