ماذا بعد اكتشاف موهبة طفلك؟ تساؤل يطرحه الكثير من القراء والأهل حول ما يجب عليهم فعله لتنمية مواهب أطفالهم بعد اكتشافها، وهذا في حد ذاته تساؤل مهم لأنه ينبه على وجود أسر واعية تهتم للقيام بواجباتها من رعاية الطفل وتقديم يد العون له وتوفير مناخ صحي، لتنمو مواهبه وتزدهر.
لكن أود في البداية الرد على تساؤل طرحه الكثير من القراء بخصوص المقال السابق، مع التأكيد على أن اكتشاف موهبة الطفل لا يحتاج معجزة أو مجهوداً مضنياً في القراءة وحضور ورش تدريبية وعمل مكثف بقدر احتياجه إلى حل سحري بسيط، لكن تطبيقه يحتاج إلى عناية وجهد، ألا وهو "الملاحظة" مع تدوين سلوكياته وتوفير بيئة داعمة آمنة مستقرة للطفل.
وفي مقالنا اليوم سنجيب عن تساؤلات جديدة؛ ما أنواع المواهب لدى الطفل؟ وما طرق تنميتها؟ وكيف تجعل موهبة طفلك مجال عمله المستقبلي؟!
أنواع مواهب الأطفال
تتعدد مواهب الأطفال بحسب كل طفل وما يفضله، وهذه مجموعة من أبرز أنواع المواهب لدى الطفل.
موهبة التمثيل: هناك الكثير من الأطفال يميل للحركات التعبيرية والتمثيل والتقليد، حتى عندما يتواجد مع نفسه، وهذا إن دل يدل على وجود هذه الموهبة لديه.
الموهبة الأدبية: نجد الكثير من الأطفال يجيد عملية الكتابة ويحب قراءة القصص، وهذا يعني أن ميوله الأدبية عالية، وقد يكون له مستقبل بهذا الشأن.
الموهبة الرياضية: يتمتع بعض الأطفال باللياقة البدنية وحب ممارسة الألعاب الرياضية مثل لعب الكرة أو ألعاب الجودو وهناك من يفضل الألعاب القتالية.
موهبة الرسم: عندما تجد طفلك يقوم برسم الكثير من الأشياء ويحب الإمساك بالفرش والألوان هذا الأمر يعني أنه يميل لحب الرسم والخيال الفني.
الموهبة التقنية: نجد الكثير من الأطفال ذكياً بشكل واضح في مجال التقنية والكمبيوتر، ويميل لاستعمال الكمبيوتر والبرامج، لذا يجب أن يتم الاهتمام بموهبته الإلكترونية وتنميتها، مع مراعاة تحديد عدد ساعات الجلوس أمام الشاشات.
موهبة الخط: بعض الأطفال يكون لديه خط جميل، كما أنه قادر على تقليد أنواع الخطوط المختلفة، وعليك تنمية هذه الموهبة من خلال تدريب الطفل على الكتابة وإلحاقه بورش ومدارس تعليم الخطوط وفنونها.
طرق تنمية الموهبة لدى الطفل
يبدأ الوالدان في تنمية الموهبة لدى الطفل عبر ثلاثة أمور رئيسية: "أن يمتلك الصغير زمام المبادرة، وأن يتتبع الوالدان اهتماماته ويوفرا له فرصاً لتوسيع هذه الاهتمامات، والأهم هو استخدام الأسئلة كفرصة للتعلم معاً".
الموهبة قرينة الممارسة
حيث خلص إلى أنه بإمكان أي شخص أن يجيد أي شيء إذا شارك في ممارسة متعمدة، وتحسين الأداء الشخصي عبر أهداف صغيرة جداً ومتعاقبة ومحددة بشكل كبير، وبكثير من المثابرة والاهتمام.
اسمح له بممارسة موهبته أثناء الدراسة أيضاً
فممارسة الموهبة في الدراسة تساعده في التخلص من الضغوط والطاقة السلبية، واكتساب طاقة إيجابية أو تجديد طاقته، تساعد على استمرارية التعلم والوصول للإتقان لاحقاً، ولذا يجب السماح له دون منعه مطلقاً، ولكن مع عقد اتفاق مسبق حول كيفية التطبيق، وسيساعدك على ذلك أن تتفق معه على الاستيقاظ مبكراً وتقليل ساعات مشاهدة الألعاب والتلفاز، تنظيم الوقت، وضع جدول للمذاكرة وآخر للموهبة وثالث للتعزيز.
ركز على الطريق وكيفية الوصول له بدلاً من النتيجة فقط
الأهم من النتيجة هو أن تصمم على أن تكون يوم الخميس أفضل مما كنت عليه يوم الثلاثاء مثلاً، وأن تعرف عاداته وتكشف عن مواهب طفلك الطبيعية.
راقبه أثناء اللعب
ابحث عما ينجذب إليه أطفالك عموماً، إذا كانوا يفضلون الأنشطة الجماعية أو اللعب بمفردهم فهذه عادات يمكن أن تكشف شيئاً ما عن مواهبهم.
فينبغي مراقبة ميولهم الأخرى أثناء اللعب مثل ما إذا كانوا يلعبون جالسين بهدوء أو يفضلون الركض. بالإضافة إلى ذلك ينبغي عليك ملاحظة ما يختارونه أولاً من بين الخيارات المتاحة مثل الكتابة أو الرسم أو اللعب على جهاز إلكتروني أو ممارسة نشاط بدني أو أي نوع آخر من الاهتمامات.
أعطهم الخيارات
إذا كنت تريد من أطفالك أن يكتشفوا الألعاب الرياضية، فدعهم يختارون الألعاب التي يرغبون في تجربتها بدلاً من اختيار واحدة لهم.
ينطبق الأمر نفسه على دروس الموسيقى أو أي أنواع أخرى من الأنشطة، اسمح لطفلك بالاختيار من بين الخيارات الحقيقية مثل القرع على الطبول أو العزف على الغيتار أو الغناء أو البيانو.
وعندما يتعلق الأمر بالرياضة اسمح لهم باستكشاف أي لعبة يريدونها.
وينطبق الشيء نفسه على دروس الفنون، حيث يمكنهم الاختيار بين الرسم أو النحت أو الرسم التخطيطي.
اسمح لهم باكتشاف مواهبهم وادعم اهتمامهم بأريحية
حتى لو لم تفهم اهتمامات أطفالك فإنه ينبغي عليك دعمهم دائماً، فعلى سبيل المثال قد يكون الطفل الذي يحب ممارسة ألعاب الفيديو مهتماً بفن الرسم البياني أو تحريك الصور أو حل المشكلات أو سرد القصص. بينما لا يزال يتعين عليك تقييد وقت الشاشة، اسمح لطفلك بقدر لا بأس به من وقت اللعب لاستكشاف وتطوير مواهبه.
ادعم هذه المواهب من خلال إخبار طفلك بأنها جيدة في نواحٍ معينة، هذه التعليقات سوف تحدث فرقاً كبيراً وستترك انطباعاً دائماً.
الإثراء أساس ازدهار الموهبة
إذا كان أطفالك مهتمين برياضة معينة، خذهم لمشاهدتها وهي تُلعب على أرض الواقع، مثل مباريات كرة القدم. وبالمثل إذا كانوا يعزفون على آلة الجاز، خذهم لمشاهدة حفل موسيقى الجاز، فكر في أية اهتمامات لديهم أو أنشطة يبدو أنهم موهوبون بها وخذهم إلى الأحداث ذات الصلة.
إن القيام بذلك يقدم لهم الإثراء، ما يساهم في غرس تلك المواهب في أذهانهم. هذا يساعدهم على الاستمتاع بالنشاط أكثر وفهمه.
لا تجبره على فعل شيء لا يريده
حتى لو كان طفلك متميزاً في شيء ما فلا يجب أن تدفعه إلى ممارسته إذا كان لا يرغب في ذلك، ينبغي على طفلك أن يمارس المواهب والهوايات باستمتاع وشغف، ذلك أن ممارسته للنشاط الذي يتميز فيه بمعنويات متدنية لن يعود عليه بالنفع.
في المقابل، إذا دفعت طفلك للقيام بنشاط لا يستهويه فذلك من شأنه أن ينعكس سلباً على الأنشطة التي يرغب في ممارستها بالفعل. ومن الضروري أن تسمح لطفلك بقضاء بعض الوقت في العثور على الأنشطة التي يجيدها ويستمتع بها على أكمل وجه.
لتعرف إذا كان طفلك يهوى نشاطاً ما اهتم بالتصرفات التالية:
يطرح الطفل الكثير من الأسئلة التي تتعلق بهذا النشاط.
يرغب الطفل في التحدث عن ذلك النشاط.
يشعر الطفل بالمرح ويصبح في مزاج جيد عند ممارسته.
يرغب الطفل في إعادة ممارسة ذلك النشاط بكل حرية.
التواصل الإيجابي
عندما تتواصل مع طفلك بشكل إيجابي، فإن الأمر لا يقتصر فقط على قول العبارات التحفيزية، بل من الأفضل أن تخاطب طفلك، عن طريق طرح بعض الأسئلة ومدحه لقيامه بعمل جيد وإظهار الاهتمام والحماس في كل نشاط جيد يقوم به.
ولكن عليك ألا تكون متسلطاً، لأن الإفراط في التسلط من شأنه أن يفقد طفلك الاهتمام أو التحفيز، كما أن الضغط أكثر من اللازم ينمي لدى الطفل الشعور بالإكراه. لذلك، عليك أن تساند طفلك في اختيار الموهبة التي يهوى ممارستها مع إظهار مشاعر الحماس والدعم كذلك.
أعطِه الوقت اللازم للتواصل مع الآخرين
تعد التنشئة الاجتماعية أمراً بالغ الأهمية في صفوف الأطفال، ويعود ذلك لعدة أسباب: عند اكتشاف المواهب، يحتاج الأطفال إلى أن يناقشوا الأشياء التي يحبونها والتي يمارسونها مع أقرانهم، ومنحهم هذه الفرصة يسمح لهم بالتعبير عن محاور الاهتمام بالنشاط الشغوفين به، ويساعدهم على إثبات قوة شخصيتهم وقدرتهم على اختيار الأشياء التي يرغبونها بين أقرانهم. كما أن التحدث بهذه المواضيع مع أصدقائهم، يتيح لهم فرص زيادة فهم مواهبهم على الصعيد الشخصيّ.
وجِّهه للمشاركة في المسابقات
إذا كان طفلك مسانداً لهذه الفكرة، فدعه يشارك في مسابقة، وذلك من شأنه أن يتيح له تحديد ما إذا كان النشاط يناسبه تماماً أم لا، ويمنحه نظرة ثاقبة حول المجالات التي يحتاج أن يحسّنها.
خلال المسابقة، لا تزعج طفلك أو تنهَل عليه بالنصائح، كل ما عليك فعله هو منحه الدعم والتشجيع بشكل إيجابي فقط. وتذكر أن تضع في اعتبارك تحديد كيفية دعم طفلك، والتفكير في تسجيله في مسابقة أخرى أم لا.
علِّم طفلك العمل بجد
لن تعرف أبداً المواهب التي يتميز بها طفلك إذا لم تعلمه العمل بجد. عموماً، يحتاج الأطفال إلى التدرب والعمل على تحقيق التحسن المستمر، حتى لو كان ذلك على مستوى نشاط يعدون موهوبين فيه.
بإمكانك دعم المواهب التي تعتقد أن طفلك يمتلكها؛ من خلال تعليمه الاجتهاد والتفوق. كما سيكون ذلك مفيداً بشكل خاص أثناء المسابقات والفرص المتاحة للتحسن. ولكن تذكر أنه لا يجدر بك أبداً أن تمارس ضغطاً كبيراً على طفلك.
وحاول أن تضمن حصوله على فرص للاختلاط الاجتماعي والتعلم والاسترخاء.
اسمح لطفلك باتخاذ القرار النهائي دائماً
إذا كانت هناك مخاوف تتعلق بالسلامة، يجب عليك دائماً وضع حد لها. ومع ذلك، إذا لم تكن هناك مخاوف، فيجب أن تترك جميع القرارات المتعلقة بالنشاط للطفل. سيضمن ذلك عدم شعور الأطفال بالضغط والإرهاق، وسيسمح لهم بمعرفة أنه من الممكن أن يرفضوا شيئاً ما إذا كانوا لا يريدون فعله.
وإذا شعر الطفل بالضغط أو بالإرهاق، فقد يشعر بالخوف من النشاط الذي كان يحبه يوماً ما، فإذا كنت ترغب حقاً في مساعدة أطفالك على الكشف عن أي موهبة طبيعية، فمن الضروري أن تسمح لهم بأخذ زمام المبادرة.
التحلي بالعزيمة
وهي المرونة وتجاوز العقبات وعدم الاستسلام أبداً، وصقل المهارة بالتمرين والمثابرة.
التدريب وحده لا يجعله مثالياً
ربما يكون التدريب بطيئاً في نتائجه، ولكن الأهم هو التدرب على تحديد الخطأ لتلافيه والسعي لتحقيق هدف بعيد المدى لكن الكمال ليس هدفنا.
لا تنسَ كذلك التشجيع والإشادة بالجهد دون التباهي بالقدرات والمواهب لديه، والسعي للتقدم وليس الكمال، والتركيز على جوانب القوة، وإلحاقه ببرامج الموهبة والموهوبين ومؤسسات الرعاية لهم، مع طلب المساعدة من أخصائي الموهبة في عمل برنامج لتنمية موهبته ومتابعته مع الأسرة، والتركيز في اختيار المدارس بعناية، وكذلك المعلمين ممن يعرفون جيداً المعايير التربوية الملائمة لطبيعة كل فرد وتفرده واحتياجاته، وخاصة الموهوب.
موهبة اليوم وظيفة الغد
إذا تم اكتشاف الموهبة مبكراً وتنميتها والتركيز عليها لدعم الفكرة بالاكتساب والتعلم وتحويلها إلى مهارة، سيصبح الطفل قادراً حقاً على عمل ما يحب، وحب ما يعمل، وسنوضح الآن كيف يمكننا تحويل الموهبة إلى مهارة ومجال عمل مستقبلي للطفل.
إذا كان الطفل يحب فرز الأشياء وترتيبها؛ مثل تجميع الجوارب معاً، أو الألعاب أو غيرها من الأشياء، فهذا يعني أنه مفكر تحليلي ومنظم ويهتم بالتفاصيل، ويعطي ذلك مؤشراً لإمكانية وجود الكفاءة المستقبلية في الرياضيات والعلوم لديه، ويمكن دفعه للاهتمام بالمشاريع والألعاب ودراسة الديكور والتصميم مثلاً.
إذا كان الطفل يتحدث دون توقف ويمتلك كفاءة لفظية؛ فقد يدل ذلك على أنّ الطفل موهوب، وأنه يمكن أن يحصل على النجاح في المدرسة والعديد من جوانب الحياة، ويمكن تشجيع هذا النوع من الأطفال على زيارة المكتبة من حين لآخر والحصول على الكتب التي تناسب عمره بحيث تحتوي على مزيد من الكلمات والصور، ويمكن دفعه لاختيار مهن مستقبلية مثل القانون والصحافة والكتابة.
إذا كان الطفل يعبث بكل شيء حتى المفاتيح والأزرار ثم يعيد الأشياء لوضعها الطبيعي، فهذا يدل على حب الطفل لأن يفك الأغراض ويرجعها كما كانت، وهنا يمكن تشجيع الطفل على أن يهتم في المستقبل بفروع علم الهندسة أو الاختراعات المختلفة، كما يمكن تنمية مهاراته؛ من خلال استخدام القطع والألعاب لبنائها وتفكيكها وإعادة بنائها.
إذا كان الطفل صاحب أحلام يقظة كثيرة وخيال واسع ويحب التظاهر والتقليد والرسم الحر، فإنه يمكن تشجيعه على الفنون الإبداعية، ويمكن دفعه لاختيار مهنة تتعلق بالتمثيل أو الرسم أو النحت أو صناعة الأفلام أو تصميم الأزياء في المستقبل.
إذا كان الطفل يحب حل الألغاز فيمكن تشجيعه على اللعب بالألعاب التي تحتوي على الأحاجي وملء الفراغات، ويمكن دفعه لامتهان أعمال مستقبلية مختلفة؛ مثل الاستخبارات، وعلم الآثار أو الأبحاث والتحقيقات الاستقصائية، أو كتابة القصص البوليسية.
إذا كان طفلك ممن يتحمل المسؤولية، ويعتمد على ذاته في حل مشاكله، وذا آراء قوية ويحاجي بالمنطق، فقد يدل ذلك على أنه يمكن أن يصبح قائداً مجتمعياً أو صاحب عمل خدَمي أو يعمل في مجال السياسة وتنظيم المجتمع.
أما الطفل الذي لا يثبت على موضعه، ويتحرك كثيراً، وكثير الشغب ويتمتع بمهارات حركية، فذلك مؤشر لأن يكون رياضياً، مثل لاعب كرة قدم أو تنس أو غيرها من الرياضات، أو العزف على الآلات الموسيقية، أو رسام أو مصمم ديكور، فبإمكانك تنمية مهاراته الحركية نحو ذلك منذ الصغر؛ من خلال إشراكه في الأنشطة الرياضية التي تتطلب المزيد من النشاط البدني، أو العزف على الآلات الموسيقية.
وهكذا عزيزي القارئ والمربي الرائع، تعرفنا معاً على محاور مهمة في تنمية موهبة طفلك وأنواعها وكيف نحولها إلى وظيفة المستقبل، وفي مقالنا القادم سنتعرف على أهم احتياجات الموهوب والمعوقات التي يواجهها، لكن تذكر أن أقصر طريق لتحطيم مستقبل طفلك هو منعه من ممارسة هوايته، وأنه ليس هناك نموذج وقالب معين للموهوب والناجح، وإنما هناك موهوب نجح رغم قسوة ظروفه، وآخر يحتاج لظروف ملائمة لتزدهر موهبته، فكن له يداً تبنى وتعمِّر لا تهدم وتحطم.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: opinions@arabicpost.net
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.