من أهم الأسباب التي تؤدي إلى فشل الكثير من العلاقات التي طرفاها في علاقة يقترب كل منهما إلى الآخر إلى حد الذوبان وتختفي الفروق بينهما عدم وجود حدود واضحة بينهما، على عكس ما ينادي به أصحاب مذهب أن الحب تضحية وفناء للنفس من أجل الآخر.
ولا تقتصر تلك النداءات على العلاقات العاطفية بين الجنسين فقط، ولكن بين الأم وأبنائها حتى آخر العمر مثلاً، بالرغم من تخطي الأبناء مرحلة الطفولة التي كانت فيها الأم راعية لهم، وأيضاً بين الأصدقاء، فيتصورون أن من شروط أن تكون صديقاً مخلصاً أو حبيباً صادقاً أو أن تكوني أُماً متفانية أن تكون متوافراً طوال الوقت بكامل طاقتك وعطائك.
فتجد الأم تغلق الباب على أبنائها والزوجة تتعلق بزوجها ويظنان أن هذا قمة النجاح أن يذوب كلٌّ منهما في الآخر حتى تضيع ملامحهما الأصلية.
يقول الدكتور أوسم وصفي: (مشكلة الشخص الاعتمادي الأولى هي عدم قدرته على ضبط المسافة بينه وبين الآخر).
وحتى يستطيع الإنسان ضبط المسافة بينه وبين الآخر عليه أن يعي نفسه بشكل قوي، ويدرك ذاته وحدوده، ويعرف مناطقه المحببة والمقبولة، وما يرفضه ولا يستطيع قبوله، ويعرف بوضوح مدى قدراته وتحمُّله.
الإنسان الطبيعي مثل البلاد، له حدود إقليمية أو مناطق حدودية إذا تم اختراقها يشعر بالخطر والضغط والتوتر؛ لذا مع استمرار العلاقات بهذا الشكل المسيطر لا نستطيع التنبؤ بقدرتها على الاستمرار لوقت طويل أو كيف ستنتهي؟
الحدود vs الاعتمادية
فقد تنتقل من الاقتراب المبالغ فيه إلى التباعد المبالغ فيه؛ لذا فإننا نرى علاقات كانت شديدة القرب يوماً ما تنتهي فجأة، ونميل جميعاً إلى لوم المنسحب الأول ونتهمه بالجفاء والتخلي، ولكن لا ندرك أن الاثنين وقعا في شراك الاعتمادية، أن الاثنين فقدا القدرة على وجود حدود صحية بينهما تحافظ على العلاقة لوقت طويل.
يعتمد الشخص الاعتمادي على السيطرة على الآخر بهدف الحصول على الأمان، حيث إن المصدر الوحيد لحصوله على الأمان هو تلك العلاقة، وتتخذ محاولات السيطرة أشكالاً متعددة، ليس فقط بالتسلط والقهر، ولكن ما كان يعد مفأجاة لي أثناء دراستي أن من طرق الاعتمادي فى السيطرة على العلاقة ما يلي:
تقديم الخدمات للآخرين بدون أن يراعي الحدود ويصبح مسؤولاً عنهم بشكل زائد، ويميل إلى إنقاذهم حتى إن لم يحتاجوا إلى الإنقاذ، وفي حالة تجاهلهم وعدم اتباع تعليمات الإنقاذ الخاصة بهم يؤدي ذلك إلى عنف شديد تجاهم.
وقد يرى أن من واجبه أن يكون الجميع سعداء، أو أن يكون مسؤولاً عن كل قرارتهم في الحياة وأن يرشدهم إلى الطريق السليم متجاهلاً قدراتهم أو حدودهم ورغباتهم وأيضاً مسؤوليتهم الذاتية عن أنفسهم والعلاقة أيضاً.
ومن الممكن أن يتجه إلى الإذعان المبالغ فيه والطاعة كنوع من المناورة، بل في كثير من الأحيان يذهب إلى تحمل الإساءة المبالغ فيها.
ويعبر الاعتمادي عن احتياجاته عن طريق اللوم والتأنيب للطرف الآخر مثل أن يكثر من عتابه بسبب ابتعاده بدلاً من التعبير عن افتقاده لوجود الشخص الآخر.
وفي درجة أعلى تصل أحياناً إلى الاستمتاع بالإساءة والتعرض للاستغلال المستمر والموافقة عليه! فهو يستطيع تحمل الإساءة المقدمة إليه من الشخص الآخر أكثر من التجاهل.
العلاقة الصحية
إن العلاقات الصحية هي العلاقات التي تحوي حدوداً صحية، وتسمح بالخصوصية، والمسؤولية فيها شخصية وفردية، لا يحسب أحدٌ نفسه مسؤولاً عن الآخر في إطار العلاقات الصحية بين أشخاص بالغين، بل مسؤولية مشتركة. وأخيراً فإن العلاقات الصحية لا تستأثر بنا ولا تحاول تملكنا، وإنما تساعدنا على الانفتاح على الحياة.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: opinions@arabicpost.net
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.