كانت النتائج مبهرة.. هكذا اتفقتُ مع أطفالي على استخدام الإنترنت والهاتف بشكل صحي

عدد القراءات
999
عربي بوست
تم النشر: 2021/11/19 الساعة 12:56 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2021/11/19 الساعة 12:56 بتوقيت غرينتش
رحلة طويلة للاتفاق على الاستخدام الصحي للإنترنت والهاتف، لكنها مجدية/ Istock

قبل ظهور وباء كورونا وما صاحبه من إغلاق المدارس واضطرارنا كما باقي الأسر إلى تلقي الدروس من خلال الإنترنت، كنت لا أقتنع مطلقاً بضرورة حصول أولادي على هواتف ذكية خاصة، وقتها كانوا (7-10) سنوات، كل منهم كان لديه هاتف أو ساعة يتلقى من خلالها اتصالي فقط، لم أسمح لهم بتسجيل أرقام أصدقائهم ومن يريد التواصل معهم أو العكس يمكنه الاتصال بهم على هاتفي الخاص.

ليس تحكماً ولا حجراً على حرياتهم، ولكني أعتبر أن الأطفال في مرحلة التكوين يتأثرون بمحيطهم، من أفكار وأخبار وقناعات.

وقت التلفاز كان وقتاً محدداً ونشاهد برامج أحاول التحقق من محتواها قبل أن يشاهدوها، فعقولهم وقلوبهم أمانة الله لديّ، فكيف لي ألا أحفظها وأحميها! في نفس الوقت كانوا يتعلمون كيف يستخدمون الإنترنت ومبادئ البرمجة في المدرسة، وبالتالي هم غير معزولين عن التعامل التقني، ولكني ببساطة أنتقي ما يصل إليهم ما استطعت!

المواجهة بدلاً من المنع

بعدما بدأت الدروس من خلال الإنترنت، كان لازماً أن يكون لكل من أطفالي الثلاثة جهاز خاص سواء حاسوبي الشخصي أو الهاتف أو التابلت. ثم بدأت المشاكل تظهر تباعاً؛ فبينما يشرح المدرس تقوم ابنتي بمشاهدة مسلسلها الكرتوني المفضل، بينما يشاهد ابني إحدى مباريات برشلونة.

شيئاً فشيئاً بدأت أشعر أن قدرتي على التحكم فيما يشاهدونه تقلّ، فكرت كثيراً وبحثت كثيراً عن تجارب آخرين وأبحاث وإرشادات خاصة باستخدام الأطفال للإنترنت، تغيرت قناعاتي أيضاً.

فبينما كنت أحاول أن أوصد الباب تجاه ما أخاف منه، قررت إعدادهم لمواجهة كل ما أخاف عليهم منه!

الحديث مع الطفل ومناقشته حلٌّ مناسب للتفاق على تقنين استخدام الإنترنت لهم/ Istock
الحديث مع الطفل ومناقشته حلٌّ مناسب للتفاق على تقنين استخدام الإنترنت لهم/ Istock

وذلك أيضاً بالتدريج، فأنا لن أستطيع منع الأفكار والقناعات لكني أستطيع توعيتهم وتعليمهم كيف يفرقون بين الغث والسمين، الصالح والطالح، أن يتعلموا التفكير النقدي وألا يأخذوا أي معلومة من أيٍّ كان كشيء مسلم به، ولكن في الوقت ذاته كنت أحاول أن أشرح لهم معنى التنمر الإلكتروني، وكيف يحمون معلوماتهم وهوياتهم.

بعد عامين من تلك التجربة، كل أولادي صار لديهم هواتف خاصة بهم، لا يملك أي منهم حساباً على أيٍّ من مواقع التواصل الاجتماعي طوعاً، يحملون هواتفهم وهم يعرفون جيداً فوائدها ومخاطرها.

بالطبع الإنترنت ليس غولاً مليئاً فقط بالمخاطر، وبالطبع له إيجابيات.. في النقاط القادمة نعرض باختصار تأثير الإنترنت على حياة الأطفال:

التعليم

يمكن للإنترنت تنمية مهارات وحواس الأطفال والمراهقين، فبحسب مجلة نقابة الأخصائيين النفسيين، فإن هناك ألعاباً تحفز خيال الأطفال، بعض الألعاب تكسبهم خبرات وتجعلهم يتخيلون قيامهم بأدوار مختلفة في اللعبة فتنمي خيالهم، وبعض الألعاب التفاعلية التي تهتم بالمعرفة يكون تركيز الأطفال فيها أعلى بكثير من مجرد تلقي المعلومة من الكتاب.

أما الأطفال الأكبر سناً فالإنترنت هو مصدر طبيعي للمعلومات لهم، كما هو الحال مع جميع الوسائط. عليك أن تتعلم التمييز الجاد بين المصادر الموثوقة والمصادر المشكوك فيها. 

التواصل الاجتماعي

الإنترنت سهَّل علينا التواصل مع الآخرين، في أي وقت، يمكنكم تبادل الخبرات والضحكات والهموم والمشاكل واليوميات، كل هذا ونحن في بيوتنا، نتحدث مع أناس لم نرَهم قط، ولا نعرف خلفياتهم الاجتماعية ولا الثقافية، لا نهتم من أي بلد هم ولا لأي مدرسة ذهبوا، وإذا كان هكذا الحال معنا نحن الكبار فالأمر مماثل للأطفال، فإحدى الإحصائيات ذكرت أن سبعة من كل عشرة أطفال تحدثوا إلى غرباء في لحظات صعبة، سواء عن مشاكلهم مع والديهم أو أصدقائهم، وأنهم استخدموا وسائل التواصل الاجتماعي لحكي تفاصيل شخصية جداً.

الصحة النفسية

من المؤكد أننا جميعاً قرأنا أن قضاء الأطفال والمراهقين وقتاً طويلاً في ألعاب الفيديو والشات ومتابعة الجديد على فيسبوك وآخر ما فعله أصدقاؤهم على إنستغرام، يعرِّض صحتهم العقلية للخطر، لكن هذا لم يثبت علمياً.

ما ثبت أن غالباً من يقضون أوقاتاً طويلة على مواقع التواصل الاجتماعي أو ساعات طويلة في لعب ألعاب الكمبيوتر يعرضهم أن يكونوا مكتئبين ولديهم شعور دائم بالقلق ويقل تقديرهم لأنفسهم، ولكن هناك وجهة نظر أخرى تقول إن الاكتئاب والقلق هما سبب قضائهم أوقاتاً طويلة في التصفح والدردشة ومواقع التواصل الاجتماعي، وإن الاستخدام المفرط للإنترنت يزيد مع وجود مشاكل أسرية.

السِّمنة

الأطفال الذين يجلسون أمام أجهزة إلكترونية لفترات طويلة معرضون للإصابة بالسمنة أكثر من غيرهم، وذلك لاجتماع سببين: قلة ممارسة الرياضة وأيضاً استهلاك المزيد من السكريات والمشروبات والحلوى.

النوم

كلما استخدم الأطفال والمراهقون الإنترنت لفترات طويلة، قلَّتْ فترات نومهم وزادت اضطرابات النوم لديهم. ببساطة لأن أدمغتهم تكون مشغولة جداً بالتفاصيل التي عاشوها أثناء اللعب والتصفح خلال يومهم.

كيف نتجنب الآثار السلبية؟

والآن بعدما عرفنا بعض الآثار السلبية والإيجابية لاستخدام الإنترنت للأطفال، هل المنع هو الحل لتجنب تلك الآثار؟

كيف ننقذ أطفالنا من إدمان الإنترنت واستخدام الأجهزة الإلكترونية؟/ Istock
كيف ننقذ أطفالنا من إدمان الإنترنت واستخدام الأجهزة الإلكترونية؟/ Istock

بشكل شخصي تعلمت ألا أمنع أي شيء عن أولادي دون تفسير، إلا فيما يتعلق بأحكام الدين، وأفضل أن نواجه معاً التحديات والتجارب السلبية على أن يواجهوها وحدهم، لذلك لا أقوم بمنعهم من استخدام الإنترنت، ولكن وضعنا قواعد معاً، منها ما يتعلق بالوقت ومنها ما يتعلق بالمحتوى، أما ما يتعلق بالوقت فقد وضعنا استراتيجية وهي:

١- ألا يزيد عدد ساعات استخدام الهاتف في الترفيه. وعدد الساعات مختلف من طفل لآخر حسب سنه.

٢- لا يمكنهم استخدام الهاتف قبل موعد النوم بساعة ولا قبل الانتهاء من واجباتهم المدرسية.

٣- هناك وقت محدد لكل لعبة إلكترونية أو مشاهدة مقاطع الفيديو على اليوتيوب.

ضوابط المحتوى

بالنسبة للمحتوى فلدينا أيضاً قواعد:

١- لا يمكن تحميل ألعاب بها عنف، حتى لو استخدم تلك اللعبة كل أطفال العالم وليس فقط الأصدقاء.

٢- لا يمكننا متابعة أي شخص مشهور لمجرد أنه مشهور.

٣- اتفقنا على أن مواقع التواصل الاجتماعي سلبياتها أكثر من إيجابياتها.

من أجل ذلك استخدمنا تطبيق family link وهو تطبيق يساعد الوالدين على تحديد وقت كل التطبيقات الموجودة على الهاتف وأيضاً تتبع موقعه الجغرافي، أيضاً التطبيق يمنع الطفل من تحميل أي تطبيق دون موافقة الوالدين وهذا يساعدنا في تحديد المحتوى.

أنفسنا أولاً

قبل كل هذا ينبغي علينا كآباء أن نكون قدوة لأطفالنا في ترشيد استخدام مواقع التواصل الاجتماعي والهواتف الذكية قدر المستطاع، فلا يمكن أن نطلب من الطفل ترك هاتفه أثناء الطعام بينما نتحدث مع أحدهم أثناء الطعام، ولا يصح أن نطلب منهم عدم استخدام الهاتف في الشارع بينما نستخدمه نحن طوال جلوسنا معهم أو أثناء القيادة.

بعض الأهالي يعيبون على الأطفال إدمان الإنترنت وهم أول من يقع في الفخ/ Istock

في تجربتنا لديّ أنا أيضاً وقت معين لاستخدام مواقع التواصل الاجتماعي، وبالتالي لا يرى أبنائي تحكمي في مدة استخدامهم للهاتف عقاباً لهم أو تحكماً في رغباتهم، ولكن يرونه أنه مساعدة لهم للتغلب على هوى النفس.

علينا أيضاً أن نعلّم أبناءنا كيفية حماية أنفسهم من التنمر الإلكتروني والمواقع الإباحية، وكيف يتصرفون في حال تعرضوا لذلك.

نحن ملجؤهم

ذات مساء كنت أقوم بالتسوق واتصل بي ابني محمد، يبدو على صوته الهلع قائلاً: ساعديني يا أمي، هناك صور غير لائقة تخرج أمامي على الهاتف، طلبت منه أن يترك الهاتف وقمت بإغلاق الهاتف من التطبيق الذي ذكرته سابقاً، وسألته هل طلب منه أحد فتح الكاميرا أو ما شابه قال لا، طمأنْتُه وعدت فوراً للمنزل، لم أجد صوراً إباحية لكنها كانت صور إعلانات للملابس! لكن ما لفت نظري وطمأنَني في نفس الوقت أنه تصرف بشكل صحيح بفضل الله، وأنه كان واثقاً تماماً أنني سأساعده وأن هناك ثقة متبادلة بيننا.

علينا أن نعلّم أولادنا أن يلجأوا إلينا عند تعرضهم لأي مشكلة وفي الوقت نفسه نكون ملجأً آمناً لهم، فلا يعقل أن نعنّفهم أو نلومهم ونطلب منهم أن يأتوا إلينا في موقف آخر.

دروس تعلمناها معاً

وكذلك من الأشياء المهمة التي تعلمها أولادي قبل استخدام الهاتف الذكي وتطبيق الواتس آب: 1- ألا يضعوا صورتهم الشخصية، بل يستخدموا أو صورة أخرى أو أفاتار.

٢- عدم تبادل أي معلومات مثل: عنوان المنزل أو اسم المدرسة على أي تطبيق.

٣- لا يجيبون أي أحد أياً كان عن مواعيد الوالدين الشخصية ومتى وأين يعملون.

٤- عدم فتح أي روابط إلكترونية مجهولة تصلهم على الإيميل الشخصي.

٥- لا يمكنهم إعطاء رقم هاتفهم لأي شخص دون موافقتي.

٦- يمنع فتح الكاميرا أو تبادل الصور الشخصية مع أيٍّ كان دون موافقتي مسبقاً.

٧- أثناء الدروس يمنع التجول بالهاتف في البيت.

وأخيراً قاعدة عامة لتحديد التعامل بالإنترنت حسب العمر نشرتها مجلة الأخصائيين النفسيين في ألمانيا وسمتها قاعدة 3-6-9-12.

فما هي تلك القاعدة؟

أقل من ثلاث سنوات: لا يسمح باستخدام الشاشات.

أقل من ست سنوات: لا يسمح باستخدام الألعاب الإلكترونية.

أقل من تسع سنوات: لا يسمح باستخدام الهاتف الذكي.

أقل من 12 عاماً: لا يسمح باستخدام الإنترنت والهاتف الذكي دون رقابة.

فعلنا كل ذلك معاً.. وأبهرتني النتيجة!

كيف يتعامل أولادنا مع التنمر الإلكتروني، وكيف يحمون أنفسهم من المواقع الإباحية، ما هو العنف الإلكتروني وما هو الوقت المناسب لكل طفل؟ نتحدث عنه في مقال آخر.

أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: opinions@arabicpost.net

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

أسماء بركات
طبيبة أسنان مقيمة في ألمانيا
أسماء بركات، أم لثلاثة أطفال، طبيبة أسنان، مدونة ومهتمة بحالة حقوق الإنسان والأطفال من ذوي الاحتياجات الخاصة وصعوبات التعلم، مقيمة في ألمانيا.
تحميل المزيد