في ظل ارتفاع الإصابات والوفيات بفيروس كورونا المستجد مرةً أخرى في الأردن، وفي مناطق مختلفة من العالم، حيث 95% ممن يدخلون العناية المركزة والوفيات هم أشخاص لم يتلقوا اللقاح، تتوالى التقارير والإحصاءات والأبحاث في أماكن مختلفة من العالم، ومن قبل منظمات مختلفة تجزم بفاعلية اللقاح في تقليل احتمالية الإصابة بفيروس كورونا لأكثر من 60%، وتقليل احتمالية الحاجة لدخول المستشفى أو المضاعفات الخطيرة للمرض بأكثر من 90%، ومأمونية اللقاح، حيث تلقى اللقاح ما يزيد عن ملياري إنسان في هذا الكوكب، في حين لم يعانِ من أعراض جانبية خطيرة سوى القليل جدّاً ممن تلقوا اللقاح، في حين أصيب مئات الملايين وفقد الملايين من البشر أصدقاءهم وأحباءهم بسبب هذا الوباء.
لإنسان كائن اجتماعي يألف التقارب وينبذ التباعد، كما أن الإنسان يملُّ من تطبيق القوانين التي تحد من حرية حركته وعاداته الاجتماعية والترفيهية والاقتصادية.
أصبحت الكرة بملعب الشعوب لتلقي اللقاح، لعدم العودة لإجراءات الحظر الصعبة علينا جميعاً على كافة المستويات الصحية والنفسية والاجتماعية والاقتصادية.
إن الانتشار الجديد للوباء يرجع لعدة عوامل رئيسية:
العامل الأول: ظهور متحورات وطفرات في الفيروس.
العامل الثاني: التهاون في تطبيق التباعد الاجتماعي، العامل الثالث: عدم تلقي فئة كبيرة من المجتمع للقاح.
ولأن العامل الأول يعتمد بشكل أساسي على انتقال الفيروس وتناسخه بين البشر، فكلما انتقل الفيروس من شخصٍ لآخر زادت احتمالية أن يتعرض للتحور، ما يجعل التعرف عليه من قبل الجسم أصعب، وبالتالي يعمل على إحداث أعراض مرضية قوية حتى عند المتعافين سابقاً من المرض، قد تُلجئ الشخص إلى دخول المستشفى أو حتى تعرضه للوفاة.
العامل الثاني يرجع بشكلٍ أساسي لطبيعة بشرية، وهي أن الإنسان كائن اجتماعي يألف التقارب وينبذ التباعد، كما أن الإنسان يملُّ من تطبيق القوانين التي تحد من حرية حركته وعاداته الاجتماعية والترفيهية والاقتصادية.
أما العامل الثالث، الذي يكمن في وجود شريحة كبيرة من المجتمع لم تتلقَّ اللقاح لسببين، إما لعدم توفره أو لعدم الرغبة في تلقي اللقاح، أما السبب الأول فيعود بشكلٍ أو بآخر لاستحواذ الدول الغنية على معظم اللقاحات تصنيعاً وشراءً، لدرجة أن بعض الدول اشترت لقاحات تفوق عدد سكانها بأضعاف، وذلك لمعرفتها بأهمية اللقاحات في تجاوز هذه الجائحة، في حين تبقى الدول الفقيرة تواجه الأمرَّين؛ عدم توفر اللقاح وعزوف المواطنين عن أخذ اللقاح.
أما السبب الثاني فهو نتيجة عدم تثقيف تلك الشريحة المهمة من المجتمع بفوائد تلقي اللقاح ومضار عدم أخذه، كما يعود عزوف هذه الفئة إلى الشائعات المتداولة حول المضاعفات التي قد تنتج عن اللقاح، وتضخيم وسائل التواصل الاجتماعي لها، لدرجة تفوق الضرر الحقيقي الناتج عن الفيروس، وفي هذا الصدد أحب دائماً أن أحتجّ بهذا السؤال، لو سألت شخصاً "كم شخصاً تعرف أصيب أو فقد عزيزاً بهذا المريض؟ الجواب: نعم أعرف الكثير"، لو سألت الشخص نفسه: كم شخصاً تعرف تعرض لمضاعفات خطيرة نتيجة اللقاح؟ الجواب سيكون أحد اثنين، إما لا أعرف، أو سيبدأ بالقول سمعت فلاناً عن فلان أن صديقه أو أحد معارفه تعرض لمضاعفات؛ نتيجة اللقاح، وعند الخوض في التفاصيل تعرف أن هذه المضاعفات ليس لها علاقة باللقاح.
ونظراً لصعوبة التغلب على العاملين الأول والثاني المرتبطين بطبيعة الفيروس والإنسان، يبقى السلاح الأبرز الإسراع بحملات التلقيح لتشمل جميع الفئات لمواجهة هذا الوباء، وإن بقاء أي جزء من البشرية خارج غطاء حملات التلقيح يشكل بيئة خصبة لتكاثر الفيروس وتحوره لسلالات قد لا تجدي اللقاحات المتوفرة معها، وبالتالي فإن أي انتشار لهذا الوباء في المجتمعات التي تتوفر فيها اللقاحات، تتحمل مسؤوليته الآن بشكل أساسي الفئات التي لم تتلقَّ اللقاح رغم توفره.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:opinions@arabicpost.net
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.