لبنان يخاصم الخليج، ويستفز تركيا، ويستجدي قطر وأمريكا!

عربي بوست
تم النشر: 2021/11/03 الساعة 10:58 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2021/11/03 الساعة 10:58 بتوقيت غرينتش
رئيس الحكومة اللبنانية نجيب ميقاتي/ رويترز

قبل أن تنتهي أزمة تخرج أخرى لا تقلّ خطورة عن سابقاتها، وهي نتيجة طبيعية للتناقضات السياسية المستمرة، نتيجة الافتقاد للقيادة السياسية لأخذ المبادرة وتنظيم الواقع اللبناني. وقد تكون إشارة الاطمئنان الوحيدة التي تمنع لبنان من الانزلاق بعيداً، هو القرار الخارجي الكبير بمنع لبنان من الذهاب إلى الفوضى الشاملة، وانفجار كل الساحات بالكامل، ما يعني أن يصبح لبنان بؤرة للفوضى يصعب إعادة لملمة بقايا أشلائه.

لم تمضِ أيام على أزمة مفتوحة مع السعودية والإمارات حتى لحقت بها بادرة أزمة مع تركيا عبر استضافة صحيفة النهار لمسؤول رفيع في حزب العمال الكردستاني، الأمر الذي أدى لإصدار السفارة التركية في بيروت بياناً شديد اللهجة ملوحاً بإجراءات قاسية، وخاصة أن الجانب التركي تحمَّل العديد من الممارسات السياسية والإعلامية التي تنطلق من لبنان من قبل.

فيما تقول صحيفة عكاظ السعودية إنها حصلت من مصادرها الخاصة على تصريحات لوزير الخارجية، عبدالله بوحبيب، أدلى بها لمجموعة من الصحفيين على خلفية الأزمة الدبلوماسية الأخيرة مع السعودية، وزعمت الصحيفة أنّ بوحبيب "حاول التراجع عن هذه التصريحات مطالباً الصحفيين بإخفائها وعدم نشرها، بعدما نصحه مستشاروه بالتراجع الفوري عنها لئلا يثير المزيد من الغضب في الشارع اللبناني"، إلا أنّ بوحبيب نفى صحة هذه التسجيلات بحسب ما نقلت عنه وسائل إعلام لبنانية، وأكد "حرصه على أفضل العلاقات مع المملكة العربية السعودية".

أزمةُ تَراكم الأزمات

ويعتقد المحلل جوني منير أن ما جرى مسار تراكمي لطريق طويل من الإخفاقات، خصوصاً لمن يعتبرون أنفسهم معارضين لحزب الله. لم ينجح هؤلاء ببناء مشروع سياسي قادر على إحياء التوازن مع محور الحزب وحلفائه. وحتى عندما اعتبروا أن علاقاتهم مع الفرنسيين والأمريكيين قادرة على جعلهم حاضرين على طاولات التفاوض والبازارات السياسية، اكتشفوا خطأهم سريعاً. إذ غالباً ما كانت تنحصر المفاوضات بين هؤلاء الحلفاء الخارجيين وحزب الله بشكل مباشر، وعلى حسابهم.

فيما يتقاطع عون مع حزب الله على ضرورة عدم تقديم تنازلات مجانية للسعودية من قبيل الإطاحة بوزير الإعلام جورج قرداحي. فيما يتحدث بعض المقربين من حزب الله أن الحزب لا يوصد الباب نهائياً أمام إمكانية استقالة قرداحي في سبيل الإبقاء على الحكومة بعدما لمست جدية في عزم رئيسها على الاستقالة في حال بقي التعنت سيّد الموقف، وأن القوى السياسية الحليفة للحزب والتي "وزرت" قرداحي منفتحة على خيار استقالته لكنها لا تزال تحجم عن تقديم هذه الورقة من دون مقابل، ليتركز البحث تالياً حول المقابل الذي يمكن تحصيله على طاولة الحوار مع السعودية لقاء المضي قدماً بهذا الخيار".

ومن "أوراق الضغط" التي يلوّح بها عون وحزب الله هو استمرار الدعم الأمريكي للتركيبة الحكومية القائمة، وهو ما تباهت به صراحةً قناة "المنار" مساءً بإشارتها إلى أنّ "الحكومة محمية بقرار أمريكي-فرنسي"، بالتوازي مع تعميم موقع "التيار الوطني الحر" معلومات منقولة عن "مصادر سياسية رفيعة" تؤكد أنّ "الجانب الأمريكي غير راضٍ عن الخطوات السعودية والخليجية المتخذة بحق لبنان، على اعتبار أنّ الأمريكيين يبدون خشيتهم من أي فوضى في لبنان لما لهذا الأمر من تأثير على الاستحقاق الانتخابي وملف ترسيم الحدود مع إسرائيل".

ميقاتي مع بلينكن

السعودية والضغوط

ولا شك أنّ الحرب الدائرة في اليمن تضغط بقوة على السعودية، خصوصاً مع التطورات العسكرية التي تشهدها منطقة مأرب شديدة الأهمية بالنسبة لها. ولا حاجة لتكرار الشكوى السعودية الدائمة من دور حزب الله على الجبهات اليمنية. وبالتالي، هنالك من يعتقد أنّ الموقف السعودي المتشدّد يهدف للضغط المعاكس على حزب الله الذي يملك ثقلاً وحضوراً مؤثراً في هذه الحكومة.

أضف إلى ذلك، اعتقاد هؤلاء أنّ السعودية، التي تجري مباحثات ومفاوضات مع إيران، لا تزال في مرحلة الاستكشاف، كما اعتبرها وزير الخارجية السعودية، وهو ما يستوجب عليها تجميع الأوراق في يدها. لكنّ أيّاً تكن التفسيرات الجاري تسويقها، فإنّ الموقف الدولي عاد وظهر بوضوح حيال وجوب مراعاة الوضع اللبناني لا شدّ الخناق أكثر حول عنقه.

لذلك، سارعت باريس للتواصل مع القيادة السعودية حيال الأزمة التي استُجدت. ولذلك أيضاً شارك القائم بأعمال السفارة الأمريكية في اجتماع خلية الأزمة في وزارة الخارجية اللبنانية في سابقة دبلوماسية. ولا شك أنّ هذه المشاركة حصلت بموافقة مباشرة من العاصمة الأمريكية، التي أرادت أن توجّه رسالة واضحة تقول بأنّها تدعم الجهود اللبنانية الآيلة لإيجاد حلول للأزمة القائمة.

ومعظم الأطراف باتت تدرك أنّ ما يحصل إنما يدخل في إطار أوسع وأكبر، له علاقة بالصراع السياسي المباشر مع إيران في الإقليم، وبطبيعة الحال مع حزب الله. هي مرحلة شديدة الصعوبة، لأنّ الشرق الأوسط في صلب مشروع إعادة رسم خريطة النفوذ فيه. ومعه، فإنّ مستوى الضغوط مرتفع لدرجة تبدو المسألة في بعض الأحيان وكأنّها اقتربت من لحظة الانفجار. وهذا ما يفسر سلسلة الاهتزازات العنيفة التي تمرّ بها الساحة اللبنانية، والتي من المرجح أن تستمر فصولها إلى حين ترتيب تسوية شاملة في المنطقة.

ولا تريد السعودية المشاكل في لبنان، إنما استعادة التوازن في البلد، حيث بدأت التراكمات منذ تكليف نجيب ميقاتي بتشكيل الحكومة، وأرسل للسعوديين رسائل بأنه لن يشكل حكومة إلا وفق معاييرهم. ولكن عندما جاء التطبيق العملي لم يأخذ الموقف المناسب، فيما كانت السعودية تنتظر منه مواقف لم تطلبها لتحديد الموقف الأساسي من الحكومة.

وتوالت الأزمات مع إدخال المحروقات الإيرانية، في ظل موقف متخاذل لميقاتي، إلى أن وصلت أزمة قرداحي، فيما هو لم يقم بأي فعل أساسي. لذا، يعتبر السعوديون أن ميقاتي هو صاحب وجهة نظر النأي بالنفس، لكنه لم يمارسه في حكومته الجديدة.

بين نارَين

ويرى السعوديون أن ميقاتي يراهن على الفرنسيين والأمريكيين، علماً أنه كان قادراً على الارتكاز عليهم لو تعاطى بجدية. وبمعنى ما يقولون حالياً: فليذهب إلى الرهان على الأمريكيين، وليرَ ما الذي سيحققه. المعيار الأساسي لديهم هو تصحيح مسار رئيس الحكومة أولاً والالتزام بمواقف جدية توحي بالثقة، المنعدمة أساساً. هنا تظهر إحدى أبرز مفارقات السياسة اللبنانية؛ إذ إن ميقاتي لجأ إلى الأمريكيين وطلب مساعدتهم ووساطتهم، وفي الوقت نفسه يبقى إلى جانب حزب الله.

وحرصه على الحكومة يوصله إلى الحرص على العلاقة مع الحزب والحاجة إليه للحفاظ على بقائه رئيساً للحكومة. حتى الوساطة الأمريكية التي طلبها ميقاتي من واشنطن، سيكون لها ثمن مقابل. بمعنى أن ميقاتي يجتمع مع الفرنسيين على إبقاء الحكومة، ويلجأ الطرفان إلى واشنطن للمساعدة مع السعودية في سبيل تخفيف إجراءاتها وضغوطها.

يتحرك الأمريكي على الخطين، يستفيد من الضغط السعودي ومن حاجة باريس وميقاتي. وأي حركة ستقوم بها واشنطن سيكون لها ثمن تطالب به، وهي المهتمة جداً بملف ترسيم الحدود، وتراهن على هذه الحكومة لحلّ تلك المعضلة ـ يفتح ذلك أبواباً على ملفات كثيرة أكثر تعقيداً، ستؤدي إلى المزيد من الخلافات السياسية والتفكك.

وفيما كان رئيس الحكومة نجيب ميقاتي يحط رحاله في مدينة غلاسكو البريطانية للمشاركة في قمة المناخ مع وزير البيئة ناصر ياسين، حتى خرج قرداحي ليؤكد أن استقالته غير واردة كرسالة فهمت أنها لقطع الطريق على أي تنازل قد يقدمه ميقاتي أمام أي مسؤول غربي أو عربي على حساب قرداحي والفريق المتمسك به، وعليه فإن اللقاء المقتضب الذي أجراه ميقاتي مع أمير قطر كان بمثابة حوار "على الواقف" استغل فيه ميقاتي تواجد الشيخ تميم بن حمد آل ثاني في صالة الاستقبال ليطلب منه نجدة سريعة، والقطري صاحب نظرية لا أحاصر ولا أقبل بحصاري، سيوفد وزير خارجيته الشيخ محمد بن عبدالرحمن آل ثاني لبيروت للقاء المسؤولين في لبنان للتأكيد على دور الدوحة كطرف وسيط في الأزمة المستجدة.  

ميقاتي
رئيس الحكومة اللبنانية نجيب ميقاتي مع أمير قطر/ صفحة رئاسة الحكومة اللبنانية

ماذا بعد؟

واستناداً إلى ما ينقل عن أوساط المسؤولين في السعودية، فإنّ استقالة وزير باتت تفصيلاً، لكنها لم تكن كذلك عند بداية الأزمة، وأن رئاسة الحكومة لو حسمت أمرها وأقالت الوزير قرداحي منذ البداية لكانت ربما حلحلت الأزمة، وتكون قد أثبتت للمملكة أنّها لم تقف مكتوفة أمام تصريحات معادية لها، وأنّها قادرة أقله كلامياً وليس عملياً على اتخاذ موقف مشرف، غير أنّها أثبتت عجزها حتى عن ذلك.

وحتى الآن يبدو أن الأزمة ستكون مصيرية للبنان. وانفجارها في هذا التوقيت يوحي بأنّ نزاع السيطرة على المفاصل الأساسية قبيل الانتخابات النيابية قد بلغ ذروته، لا على المستوى المحلي فحسب، بل أيضاً على المستوى الإقليمي والدولي.

والكل ينتظر بداية العام المقبل باعتباره المفترق الحاسم لأخذ لبنان في هذا الاتجاه أو ذاك، وهذا ما يدفع القوى المعنية، وتحديداً إيران والمملكة العربية السعودية والولايات المتحدة وتركيا إلى رفع مستوى المواجهة إلى الحدّ الأقصى. وبذلك، يمكن القول إنّ المعارك التي ستشهدها الانتخابات تُخاض بين القوى الخارجية أيضاً.

ولكن، ما تخشاه الأوساط يُخشى أن تكون الأزمة الدبلوماسية معطوفة على أزمة انعقاد الحكومة بوابة لتصعيد مذهبي وطائفي لا أفق متخيل له وهذا سيقود الوضع إلى مواجهات طائفية ومذهبية. وليس صعباً حدوث ذلك في مناخات التوتر الأخيرة من خلدة إلى الطيونة. وبعد ذلك، لن يستطيع أحد وقف الارتطام والانزلاق إلا بكلفة عالية وغير محسوبة النتائج.

أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:opinions@arabicpost.net

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

صهيب جوهر
صحفي لبناني
صحفي لبناني ومراسل عربي بوست في لبنان
تحميل المزيد