في الآونة الأخيرة أكد الخبراء والمحللون من مختلف الاتجاهات الفكرية والسياسية أن الصين وأمريكا تعيشان مناخات الحرب الباردة، أو بالأحرى أن هذه الحرب بدأت لكن هناك وجهة نظر أخرى تعتبر هذا التقييم غير منطقي، إذ ترى أن بوادر الانهيار والتفكك تظهر جلياً في أمريكا وفي الصين على حد سواء، أي أن هناك سباقاً بينهما نحو الانهيار وبالتالي هما عاجزتان عن تحمُّل أعباء وتكاليف أية حرب باردة رغم كل التناقضات والخلافات والنزاعات بينهما في مختلف الميادين والساحات.
ولا شك أن أمريكا تسعى إلى فرض إقامة جبرية على الصين من خلال ابتزازها في بحر الصين الجنوبي بتحريض الدول المشاطئة على افتعال صراعات وحروب صغيرة مع الصين من تايوان وحتى إندونسيا مروراً بفيتنام والفلبين لمنع الصين من التنعم بثروات ذلك البحر في الآجال القريبة.
بالمقابل لدى الصين ورقة ضغط قوية وهي سحب استثماراتها المالية، خصوصاً تلك التوظيفات المالية في سندات الدين الحكومية، ناهيك عن أنها أثبتت قدرتها على مواجهة أية حرب تجارية أمريكية لكن لأسباب أخرى من المتوقع أيضاً أن تحذو الصين حذو أمريكا باعتماد شعار: "الصين أولاً" الذي رفعته الإدارة الأمريكية السابقة "أمريكا أولاً".
وفي سياق التوضيح هناك مقولة تفيد بأن الرأسمالية تمر بأزمات دورية لكنها تتعافى منها وتجدد نفسها (بما يشبه السحر)، هذه المقولة أغرت الصينيين في الماضي القريب فوضعوا كتاب رأس المال لكارل ماركس على الرف وتوأموا بين نظام الحكم الشيوعي والرأسمالية، لكن في الحاضر من الأيام تشهد الصين أزمات عدة، أولها بدء انهيار القطاع العقاري، وثانيها الشح في الكهرباء وليس آخرها أزمة الوقود من فحم ونفط وغاز.
لذلك بات بإمكاننا أن نتساءل: هل الرأسمالية سوف تقضي على الحكم الشيوعي، أم أن هذا الحكم يرجع إلى كتب كارل ماركس مرة أخرى؟
وعلى الضفة الأخرى ينمو في كنف الحزب الديمقراطي الأمريكي تيار يساري ذو ميول اشتراكية، ترى هل سنشهد في السنوات القريبة القادمة ولادة اشتراكية على الطريقة الأمريكية، أسوة بالتجربة الصينية بصورتها المقلوبة أي أن الإمبريالية سوف تبني الاشتراكية كردة فعل إنقاذية ضد اليمين الشعبوي الذي شهد نهضة غير مسبوقة في عهد الرئيس ترامب؟ علماً بأن هذا التيار ما زال يسعى إلى تكرار تلك التجربة مرة جديدة، وإذا ما تكررت لا شك أن شروخاً عميقة ستمزق جسد المجتمع الأمريكي وستصبح وحدة الدولة على كفّ عفريت، خصوصاً أن دوائر البنتاغون الموالية تقليدياً للحزب الجمهوري تروج لهزيمة أمريكا في أفغانستان ولتراجع نفوذها في العالم بتحميل المسؤولية للإدارة الأمريكية الحالية، والكل يعلم أن قرار الانكفاء والانسحاب كان في عهد الإدارة الجمهورية.
وبالمناسبة لم تهزم أمريكا في أفغانستان كما يروجون لأنها خرجت طوعاً وإنفاذاً لقرارات سابقة معلن عنها، وليس تحت ضربات طالبان، ومن يشبه هذا الانسحاب بهزيمة أمريكا في فيتنام يريد تشويه وتزوير التاريخ بشكل متعمد لغايات أخرى.
وإن ذكر اليمين الأمريكي لا بد أن يذكر أيضاً اليمين الروسي وما سيحمله من مخاطر على الأمن والسلم العالميين في السنوات العشر القادمة بما لا يقاس مع مخاطر الصراع الصيني – الأمريكي.
حيث يقود الرئيس الروسي قاطرة الخراب العالمي بكل سلاسة وهدوء، والصور التي تنشرها عنه جوقة الدعاية التابعة له عن صيده الأسماك في المناطق النائية وقضاء عطلة في الغابات والتي تهدف إلى إظهاره عاشقاً للطبيعة نصيراً للبيئة تدحضها خلفية الصورة التي تثبت أنه يعشق المكان الخالي من الناس ويسعى في سياسته إلى عالم بلا بشر.
ومن خلال خطبه يبدو أنه ما زال أسير القوالب النمطية التي ورثها من خدمته الطويلة في استخبارات العهد السوفييتي، وهو ما زال يظن أننا نعيش في عالم متعدد الأقطاب رغم أن العالم تجاوز هذا التوصيف إلى عالم متعدد المصائب ومنها جائحة كورونا واختلال التوازن المناخي ومشاركة مخلوقات "فاغنر" الفضائية في معظم الصراعات بغية تدمير الاستقرار في تلك الدول.
والجدير ذكره أن هذه المنظمة الإرهابية الروسية تتماهى مع منظمات الشبيبة النازية السيئة الصيت. وبالعودة إلى بداياته نذكر أن الرئيس الروسي كان قد بدأ بناء أيديولوجيته اليمنية المحافظة على منوال القومية الروسية المتعاونة مع الكنيسة الأرثوذكسية، حيث حقق نجاحاً باهراً في هذا المضمار، واستفاد من ثغرة في طبيعة الشعب الروسي استطاع من خلالها تثبيت أركان حكمه في فترة وجيزة، والجدير ذكره في هذا السياق أن الروس هم شعب طيب ومثقف محب للحياة ومضياف لكنه سهل الانقياد.
وقد نجد عذراً للرئيس الروسي في دعمه وتأييده لحكام يعذبون شعوبهم، وقد نجد له أيضاً مبرراً لتحالفه مع أنظمة تدير عقارب ساعات دولها إلى الوراء لبلوغ عصر ذهبي كان في زمن مضى حسبما يظنون، لكن لا يمكن للعالم أن يقف متفرجاً على تحالف الرئيس بوتين مع الحركات اليمنية المتطرفة في العالم عموماً وأوروبا خصوصاً، حيث بات خطر عودة الفاشية إلى الحكم في أوروبا قريباً، إذ من المرجح أن تنحصر المنافسة على قصر الإليزيه في الانتخابات الرئاسية الفرنسية القادمة في الجولة الثانية بين ماري لوبن واريك زمور، حيث يسقط خيار الناخب الفرنسي ما بين السيئ والأسوأ لصالح خيار بين الأسوأ والأسوأ، إضافة إلى ذلك لا نجد تفسيراً لعلاقاته المشبوهة مع حزب جوبيك النازي في المجر وحزب الحرية في النمسا والحزب الوطني في ألمانيا بزعامة أودو فواغيت.
ناهيك عن علاقته بحزب الاستقلال البريطاني بزعامة نايجل فاراج، وكلها أحزاب يمينية متطرفة، ومؤخراً اجتاز بنجاح امتحان الكيمياء مع رئيس وزراء إسرائيل اليميني المتطرف بينيت، وبالطبع لا ننسى العلاقة المريبة التي كانت تجمعه بالرئيس ترامب الشعبوي والتي كان يحكمها قول الشاعر العربي: إذا جئت فامنح طرف عينيك غيرنا … لكي يحسبوا أن الهوى حيث تنظر
وكاستنتاج نجد أنه لن يترتب عن الصراع الأمريكي الصيني إلا مخاطر اقتصادية، أما إذا لم تواجه مخططات الرئيس بوتين قبل فوات الأوان فيستيقظ العالم بعد سنوات معدودات على أجراس الفاشية تقرع في أوروبا وبعض أنحاء المعمورة.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:opinions@arabicpost.net
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.