في ليلة من ليالي الوحدة المتعددة بعد قضاء عطلة نهاية الأسبوع في مشاهدة فيلم ومسلسل أمريكيين، لم تسمح الأفكار التي تستعر بعقلي لي بالنوم.
وهكذا آثرت ارتداء ثيابي على عَجَل وخرجت إلى شوارع القاهرة شبه الخالية بعد منتصف الليل أسير على غير هُدى وأفكر.
المسلسل الذي شاهدته كان الجزء الثاني لـ"رامي"، وهو مسلسل أمريكي من إنتاج منصة هولو الإلكترونية. تدور أحداث المسلسل حول عائلة أمريكية من أصل مصري، والتحديات التي تواجهها تلك العائلة في الولايات المتحدة.
لا يقدم المسلسل تصوراً أميناً تماماً عن العرب أو المسلمين، بل يعج بالمغالطات فيما يتعلق بعادات العرب أو ربما بالشعائر الإسلامية، لكنه يروق للمشاهد الغربي كثيراً.
لكن ما يهمني هنا هو بطل المسلسل، رامي، وهو شاب في مثل عمري، في أواخر العشرينات، وهو يشبهني أيضاً يعج بالتناقضات ويسحقه التردد وافتقار الهوية.
يقضي أيامه في التنقل من عملٍ لآخر ومن علاقة لأخرى، وهو لا يدري ما هي الخُطى المثلى لحياته، يتيه في دوامة المعتقدات ولا يعلم ما هو الطريق الصحيح إلى الله.
ومن جانبٍ آخر، يأتي فيلم "سائق التاكسي" لوبرت دينيرو، وهو فيلم أنتج عام 1975، ليصور جانباً آخر من حياة شاب في أواخر العشرينات يدعى ترافيس.
ترافيس يعيش وحيداً بعدما أنهى خدمته في قوات المارينز في الجيش الأمريكي، ولا يجد رفيقاً له في حياة الوحدة تلك.
يجبره الأرق على التسكع ليلاً في شوارع نيويورك، فيحاول الاستفادة من ذلك السهر الدائم ويقرر العمل كسائق تاكسي ليلاً.
يتابع بتقزز مظاهر الفساد التي تغزو المدينة الأمريكية الكبرى، من بائعات الهوى لتجار المخدرات، للصوص.
يتابع كل هذا بتقزز، لكنه -ذاته- يحب زيارة السينمات التي تعرض الأفلام الإباحية.
إن وجه الشبه بين ترافيس ورامي والعبد الفقير إلى الله، بل وأقول وجه الشبه بين ثلاثتنا وجيل من الشباب المصري والعربي، هو افتقاد الهوية.
حالة من الخواء الداخلي يجعل كلاً منا يتحرك كريشة في مهب الريح، تقذفه الأهواء والتيارات يميناً ويساراً.
حالة من الخواء دفعت رامي لأن يعتنق الصوفية قبل أن يخذل أستاذه وزوجته التي دفعه التيار للزواج منها، ثم أصابه التردد في ليلة زفافه بصدد قراره هذا!
حالة من الخواء جعلت من ترافيس موتور يتدرب على السلاح ويخطط لاغتيال مرشح رئاسي لا تربطه به أي علاقة ولا يعارضه في أي سياسة، إن كان يعي حقاً ما هي السياسة، وهو مجرد رجل بسيط لم ينَل حظاً من التعليم.
حالة من الخواء جعلتني أقطع شوارع القاهرة ليلاً وأنا أراجع تاريخ حياتي، بينما تتراكم الأفكار في رأسي وتختلط فيصيبني الصداع ويهرب النوم من جفني.
جيلٌ تحطمت أمامه أغلب المُسلَّمات والأحلام والشعارات. جيلٌ لا يسمعه أحد ولا يسمع أحداً ولا يدري حتى ماذا عليه قوله.
جيلٌ شاهد الأقدام الغليظة تطأ أحلام الجيل الذي سبقه، فلم يعد يجرؤ حتى على الحلم، وصارت أحلامه العظمى تتلخص في التناسل وأن يقتات على الفتات الذي يقذفه له السادة في نهاية كل شهر حتى ينفقها على المقاهي والوجبات السريعة.
هل نحن في حاجة لقائدٍ روحي أم فيلسوف، إلى نبي أم إلى ديكتاتور فاشي؟
هل أزمتنا بلا حل؟ هل سفننا تبحر في بحرٍ لا مرسَى له؟
سؤال أخشى أن يصيبني الكبَر قبل أن أجيب عنه.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:opinions@arabicpost.net
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.