في الليالي الباردة لا شيء يدفع الناس خارج بيوتهم لساعاتٍ طويلة إلا العمل أو مشاهدة مباراة كرة قدم ممتعة. وفي هذه الأيام لا يوجد في العالم من هو أفضل من محمد صلاح لتضع عليه رهانك في الحصول على المتعة الكروية من خلال اللقطات الفنية المبهرة ومن خلال الأهداف.
منذ بداية الموسم الكروي الحالي ومحمد صلاح على رأس قوائم الإحصائيات الكروية في البريميرليغ، أكثر من يسدد ويسجل ويصنع الفرص، وأكثر من ينتزع صيحات وآهات الجماهير في المدرجات.
توهُّج وانفجار
حتی الآن سجل محمد صلاح 10 أهداف في 10 مباريات متتالية، محطماً أرقاماً خالدة في ذاكرة ليفربول العريق الذي يتجاوز عمره 100 عام.
في كل مرة تقطع فيها الميدان، وترى عيناك المقاهي ممتلئة عن آخرها مهما كان التوقيت، فاعلم أن صلاح يلعب الآن.
لا يهتم المصريون، حقاً، بترتيب فريق ليفربول في البريميرليغ أو منافسات دوري أبطال أوروبا، كما لا يعبأون كثيراً للإجراءات الاحترازية لمواجهة انتشار فيروس كورونا، كل الرجال العجائز والأشبال، الأصحاء والضعفاء، يقتطعون من رواتبهم وأوقاتهم لمشاهدة الملك المصري ينثر سحره في مسارح الدوري الإنجليزي.
حينما حرق صلاح مسرح الأحلام
في ليلة أمس، الأحد 24 أكتوبر/تشرين الأول، كانت مواجهة ليفربول ومانشستر يونايتد محط أنظار العالم، ليس فقط لما تمثله المباراة من أهمية لوضعية الفريقين في جدول الترتيب، ولكن لأنها أول مرة يلتقي فيها محمد صلاح مع صاروخ ماديرا البرتغالي كريستيانو رونالدو في إطار منافسات الدوري الإنجليزي الممتاز. ورغم تقاطع كلاسيكو إسبانيا مع قمة إنجلترا، راجت قمة الدوري الإنجليزي أكثر من نظيرتها الإسبانية، خاصة بعد خلو الأخير من نجومه الكبار.
في المباراة التي سجل فيها صلاح ثلاثية لن تُمحی من تاريخ لقاءات الفريقين، كان توهج وانفجار الملك المصري، أبرز مِن فشلِ وحسرة البرتغالي.
هذه ليست كلمات عن النواحي الفنية المبهرة للقاء، ولكنها شهادة علی مباراة عظيمة من "فخر العرب".
بهدوء وانسيابية صنع صلاح الهدف الأول، ثم سجل فريقه الهدف الثاني بعد عمل جماعي، ثم تكفَّل صلاح بتسجيل البقية، بهدوء كأنه في مباراة ودية، على مرأى ومسمع من المدرب الأفضل في تاريخ "الشياطين الحمر"، أليكس فيرغسون.
حطم صلاح عدة أرقام في مباراة أمس، أبرزها وصوله للهدف رقم 107 في الدوري الإنجليزي الممتاز ليصبح أول لاعب إفريقي يسجل هذا الكم من الأهداف.
لماذا محمد صلاح؟
يتعجب البعض من المطالبات المتزايدة في الآونة الأخيرة بمنح محمد صلاح جائزة أفضل لاعب في العالم "The Best" وجائزة الكرة الذهبية المقدمة من "فرانس فوتبول".
من يشاهد الدوري المصري ومن لا يشاهده، من يستمتع بميسي ومن يحب رونالدو، يدركون أن محمد صلاح أفضل لاعب في العالم حالياً.
من داعبوا الكرة في الساحات الشعبية وفي الشوارع يعرفون أن اللقطات الفنية التي تسبق أي هدف لصلاح لقطات شديدة الصعوبة، مكثفة الجمال، مليئة بالحنين إلی الماضي، حيث كانوا يفعلون ما يفعله صلاح قبل أن يمنعهم ضيق الحياة من اللعب.
هؤلاء، وغيرهم من مختلف دول العالم، يجتمعون لمشاهدة صلاح الذي يشبههم، صلاح الذي سافر قبل 10 سنوات إلی سويسرا بحثاً عن تحقيق الحلم واحتراف كرة القدم.
صلاح الذي سعی في كل مكان ليكسب قوت يومه بموهبته الكبيرة. كل المصريين يعرفون هذه الحكاية، حكاية المصري الذي يسافر فيبهر الأجانب في "بلاد برا".
أي رحلة سفر إلی الخارج يتابعها المصريون بترقب؛ أملاً في تحقيق الحلم، حلم رجل واحد في مصر يساوي حلم أسرة أو قرية أو بلدة بأكملها، وصلاح ابن نجريج نجح في تحقيق الخطوات اللازمة ليصير حلمه حلم بلد كبير يتجاوز عدد سكانه 100 مليون مواطن.
قد تتقارب أرقام محمد صلاح مع غيره من نخبة لاعبي كرة القدم في العالم على جائزة الكرة الذهبية.
قد يسجل أي لاعب في العالم هدفاً رائعاً يشبه هدفاً سجَّله صلاح، قد يصوّت الصحفيون المتخصصون والمدربون وقادة منتخبات العالم لميسي أو رونالدو، ولكن بالنسبة لي حينما يسألني أحد: لماذا يجب أن يحصل محمد صلاح على الكرة الذهبية؟ سأخبرهم: لأنه يشبهنا، يشبه أخي الصغير حينما يخطف ساعتين في الأسبوع للعب كرة القدم قبل عمله باكراً.
يشبه صلاح صديقاً آخر كان "حرّيفاً" ولكن الدراسة منعته من الاستمرار في لعب الكرة، يشبه صلاح ملايين الأطفال الذين صاروا يؤمنون بتحقُّق الأحلام والوصول للمراد بالتعب والشقاء، لأنه تخطی كل المقارنات وصار متفرداً بحق.
لم يعد أحد يضعه في مقارنة ميسي أو رونالدو، لم يعد أحد يقول إن صلاح يشبه نيمار أو مبابي، صار وحده محمد صلاح الأيقونة والمثل، لذلك يجب أن يمنحوه الكرة الذهبية.
هل يرحل صلاح عن الريدز؟
في الوقت الحالي لا صوت يعلو في نادي ليفربول فوق صوت الجماهير التي تطالب بتجديد عقد صلاح بلا أي شروط أو مشاكل.
في أحدث تصريحاته قال محمد صلاح في حديث لـ"سكاي سبورتس": "الأمر لا يعتمد عليَّ، لكن إن سألتني، أودّ البقاء إلى آخر يوم في مسيرتي الكروية. الأمر ليس في يدي، إنه يعتمد على ما يريده النادي".
ينتهي عقد صلاح مع ليفربول بنهاية هذا الموسم؛ فإما أن يرحل أكثر لاعب إفريقي سجَّل في الدوري الإنجليزي الممتاز، وأما أن يبقی بعد تحسين عقده وحصوله علی التقدير الكافي.
يريد صلاح البقاء ولكن من الناحية العملية كان قد صرح سابقاً بأنه لا يشعر بالتقدير الكافي له. صلاح علی مشارف تتويجات عالمية عديدة. فإما أن تنتهي القصة ويطوي كاتب التاريخ صفحة صلاح مع ليفربول ليبدأ في كتابة غيرها بأحد الدوريات الخمسة الكبری، وإما أن تستمر الحكاية التي سيداوم كل معاصريها حَكْيَها وتدوينها عن المعجزة المصرية التي احتلت ملاعب إنجلترا.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: opinions@arabicpost.net
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.