ها نحن شارفنا على تخوم عمر جيل من أوراق مشروع لم تكتب له أقدار القرارات السياسية وجوداً حقيقياً بإرادة فعلية حقيقية على أرض الواقع المغاربي في أجندات الأنظمة المغاربية لتحويله واقعاً ملموساً؛ الاتحاد المغاربي.
اتفاقية "مراكش" 17 فبراير 1989، وما تضمنته من بنود ونصوص، في أفق بناء وحدة مغاربية بأبعاد استراتيجية حضارية، سعت إلى تدوير الدورة الدموية في عروق جسم الإنسان المغاربي بشكل حيوي دائم، وتنشيطاً للطاقات الإيجابية المكتنزة بفضاء جغرافيته الممتدة، بناء على كنوز المشترك المغاربي مادياً ورمزياً، إنسياً وحضاريا.
مشروع الاتحاد المغاربي حلم كان لروّاده في بدايته نزعة نحو تحقيقه منذ أن كان الاستعمار الفرنسي والإسباني جاثماً على صدور الشعوب المغاربية.
الاتحاد المغاربي ضرورة مُلحة
وقد أصبح ضرورة مُلحة بعد إجلائه أملاً في توحيد الصفوف والإرادات بقوة المعطى المشترك لكل الشعوب، قبله كان رصُّ صفوف الحركات التحررية المغاربية يمر عبر انشغالات رجالاتها في مواجهتها للقوات الاستعمارية الغاشمة على أساس ما يربطها من هموم مشتركة وتصورات.
آخذة في الحسبان ما يمكن إنجازه فيما بعد مرحلة الانعتاق المطلق من مخالبها الفتاكة، على الرغم من المؤاخذات المعرفية في العلاقة مع الدروس المعطاة التي لم يتم الوعي بها بشكل جيد في كثير من جوانبها.
هكذا كان حلم الجيل المؤسس والمبشر بتصورات البناء المغاربي، إلا أن مكر التاريخ والسياسة والأيديولوجية لم يترك مجالاً للتعقّل والتأمل والنظر بشكل هادئ تجاه القضايا الحساسة في غياب وعي شامل لدى النخب السياسية للأنظمة السياسية المغاربية.
فغدا كابوساً يقضُّ مضاجع المغاربيين على طول الخط في كل حركاتهم وسكناتهم، محطات تاريخية توقف عندها الرعيل الأول من جيل الحركات التحررية الوطنية المغاربية، منها مؤتمر طنجة سنة 1958، قبله كان قد تم تأسيس "مكتب المغرب العربي" بالقاهرة سنة 1947.
ناهينا عن تجارب أخرى مثل "جمعية طلبة شمال إفريقيا المسلمين" التي تأسست سنة 1927 من طرف طلبة تونسيين وجزائريين ومغاربة بفرنسا، و"نجم شمال إفريقيا" سنة 1926.
إلا أن السؤال المطروح في مسارات إمكانيات تفعيل مشروع الاتحاد المغاربي على أرض الواقع لا يزال قائماً لحد الآن بين ظهرانينا، ألا وهو: لماذا يتم تعطيل إمكانيات تفعيل المشترك المغاربي على ضوء مشروع سياسي شامل يدخل الشعوب المغاربية من بابه الواسع لتحقيق المفقود في تجاربها التاريخية بشكل يليق بطموحاتها وبآمالها العريضة في الوحدة والمصير المشترك؟
قد تعود بنا بعض التحاليل والمناقشات حول مفهوم الدولة والنظام السياسي والنخب السياسية ومفهوم الحركات الاجتماعية والثقافية والسياسية المدنية في المجال المغاربي إلى المعطيات الواقعية التي تعيش عليها الشعوب المغاربية في علاقاتها بالمجال السياسي والمدني معاً.
لقد برهنت التجارب الخاصة بالمجال السياسي في علاقاته بمفهوم الدولة والنظام السياسي المغاربيين على أن هناك أزمة بناء الدولة الوطنية.
وأن آليات شخصنة الدولة ما زالت قائمة، حيث لم تجسد الدولة إرادة الشعوب في كل مؤسساتها. بل الدولة في معطاها المغاربي لا تسمح بالامتداد الطبيعي والموضوعي لمشاريع وتصورات الفرد والمواطن والجماعة والمؤسسة المجتمعية بكافة تشكلاتها في الوجود الفعلي في عمليات تدبير الشأن العام الوطني، وفي علاقاتها بما يمكن العمل عليه مغاربياً، وبهذا التصور نكون أمام دولة أشخاص وأفراد لا دولة المؤسسات والقواعد السياسية والقانونية المؤسساتية.
النخب السياسية المغاربية
إن أزمة الأنظمة تقوم على مدى القواعد التي تعتمل في عمليات تدبير الشأن العام الوطني، في ارتباطاتها بقواعد موازين قوة "الغلبة السياسية" للقوى المتحكمة في اللعبة السياسية ومدى ارتباطاتها بمصالحها الخاصة والعضوية لا على قواعد الإرادة الشعبية/الجماهيرية؛ بذلك قد ابتلعت الأنظمة السياسية كلاً من الإرادة الشعبية والمؤسسات الدولتية معاً.
في كل من الدول المغاربية، سواء الحكومية منها أو التي خارج دوائر المؤسسات النظامية الرسمية، فقد تمت فبركة نخب ذات منافع ومصالح خاصة، لا يهمها من أمر الشعوب شيئاً، كما أنها ارتبطت في غالبيتها بتوجهات الأنظمة السياسية، وأجنداتها الخاصة، خادمة لمشاريعها ذات الأبعاد الضيقة على المستوى الوطني الداخلي وعجزها عن الضغط بإمكانيات جادة لتفعيل المقاربات التشاركية المغاربية؛ لذلك يفرض بالضرورة إنتاج نخب سياسية من جديد همها الوحيد هو الاشتغال على كل المقاربات والتصورات الاستراتيجية والحضارية لكل الشعوب المغاربية في مستوياتها الداخلية والتشاركية الخاصة بتفعيل الاتحاد المغاربي على ضوء مشروع سياسي هادف وفعال حتى نتمكن من تجسيد المشترك المغاربي بكل حيثياته ومجالاته وآفاقه المختلفة.
المشروع السياسي الغائب
إن حاجة الاتحاد المغاربي المُلحَّة إلى مشروع سياسي لأجل تفعيله بنفس جديد ضرورة تاريخية وحضارية حتمية، ما دام المعطى جاهزاً ومكتملاً في لُحمته على اختلاف مكوناتها؛ إنسياً، ثقافياً، اجتماعياً، اقتصادياً، إضافة إلى المشترك الزمني التاريخي والأبعاد الحضارية القائمة في ثنايا الروح المغاربية، علاوة على علو كعب المصير المشترك الذي يجمع الشعوب المغاربية على طول الخط إلى ما لا نهاية، ناهينا عن المخاطر والتهديدات والتحديات، إن في معطياتها الآنية أو مستقبلاً.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: opinions@arabicpost.net
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.