قبل أن نذهب إلى الممثلين وإطلالاتهم في مهرجان الجونة، دعونا نعود للمعجم بحثاً عن تعريف لكلمة "ممثِّل" بتشديد وكسر الثاء لنجد أنها اسم فاعل من الفعل "مثَّل" بتشديد الثاء، وهو من يمثل غيره أو يعرض نيابة عنه شيئاً مشابهاً من أفعاله وأقواله، وبخاصة على شاشات التلفاز ومحطات الراديو والسينما أو خشبة المسرح.
وكان يطلق على الممثل لقب "المشخّص" أو "المشخصاتي" في بدايات السينما المصرية مطلع القرن العشرين، ولم تكن المحاكم المصرية تقبل شهادة المشخصين/المشخصاتية حينئذ، لأنها -ربما- كانت تعدهم بارعين، بحكم مهنتهم، في عرض ما لم يعيشوه بأنفسهم بطريقة تقنع غيرهم، مما يوحي بقدرتهم على تضليل هيئة المحكمة إن أرادوا.
ولهذا، كانت تنكر البيوت في بر مصر على أولادها أن يعملوا بالتمثيل مثلما حدث مع يوسف وهبي وجميل راتب وغيرهما.
ومع الوقت، تحسن الوضع المالي للممثلين في مصر، وزاد تأثيرهم في جماهيرهم العريضة، وزاد تقبل الجماهير لهم حتى باتوا يتقاتلون للحصول منهم على توقيع في أوتوغراف أو على ظهر صورة أو قبول أن يظهروا معهم في صورة تذكارية (وحديثاً سيلفي، يتفاخرون به على وسائل التواصل الاجتماعي).
وأدت كل هذه العوامل لأن يكون للممثلين في مصر صوت وشأن يعتبره أصحاب البيزنس (مثل نجيب ساويرس مؤسس مهرجان الجونة) والسياسة بل والجامعات. هذا التأثير وذلك التأثر ليس حكراً على ممثلي مصر وحدها أو المصريين دون غيرهم من شعوب الأرض، بل إن تأثر المصريين بممثليهم لا يتفوق على تأثر الأمريكيين بنجوم هوليوود أو تأثر الهنود والباكستانيين بنجوم بوليوود. لكن ما أبحث عنه كمصري هو إجابة عن السؤال: هل يمثل الممثلون المصريون المصريين بصدق؟
في سبعينات القرن العشرين، تصدرت أفلام مصرية امتلأت بـ"مشاهد عري" قائمة أفلام السينما في مصر وخارجها، وخاصة في دول الخليج العربي حتى ظن كثير من الأشقاء في الخليج أن هذه الأفلام تمثل كل المصريات فباتوا يتشككون في النساء المصريات المقيمات مع أزواجهن العاملين في هذه الدول.
بل وحدث أن تهجم بعضهم على بيوت المصريين هناك وطالبوهم بترحيل زوجاتهم وبناتهم إن أرادوا الحفاظ على وظائفهم. صرخ المصريون وقالوا: هؤلاء الممثلون لا يمثلون المصريين، وهذه المشاهد لا توجد إلا في خيال مبتدعيها من مؤلفين وممثلين ومخرجين.
ومَن اختلط مع العرب في دول أوروبية، ولو لفترة قصيرة، يستطيع أن يلاحظ استنتاجهم بأن "المصريين مختلفون عن الأفلام والمسلسلات"، فهم ليسوا بالشكل الذي يرونه في كثير من الأفلام المصرية على وجه التحديد أو في مهرجانات مثل مهرجان الجونة.
طالب ويطالب المصريون بـ"سينما نظيفة" تعكس واقع المصريين دون مبالغة، لكن أجندة القائمين على الإنتاج السينمائي بل والتليفزيوني لا تقيم وزناً للاعتبارات الأخلاقية لجموع المصريين، وتمضي كما هي تصور عنهم ما ليس فيهم أو تبالغ فيه بإضافة "بهارات" الصوت والصورة. وكأن الإثارة المختلقة هي التي تجعل للفيلم وزناً، هي أكذوبة، تُكذِّبها أفلام السينما الإيرانية التي حصدت وتحصد جوائز باتت أشبه بالدورية من كبريات معارض السينما العالمية بل وتكذبها أفلام مصرية كبيرة تخلو من أي إثارة مثل أفلام "البريء" و"إحنا بتوع الأتوبيس" و"الأرض" و"الكيف" وغيرها.
قد يقول قائل بأن كل ممثلي العالم يظهرون هكذا، وخاصة في الأفلام الأمريكية ومعارض السينما في أوروبا. وهذا صحيح، إلا أن من يعيش في دولة أوروبية أو في أمريكا يدرك أن حياة المواطنين هناك تشبه إلى حد كبير ما يظهر على الشاشات الكبيرة والصغيرة. ولذا، فإن ممثليهم يمثلونهم بصدق.
ماذا تعني إطلالات مهرجان الجونة؟
إن ما شاهده المصريون من "إطلالات جريئة" في مهرجان الجونة السينمائي الأسبوع الماضي ليس إلا تأكيداً على تواصل عدم احترام الممثلين وصناع السينما في مصر لمشاعر المصريين وتأكيد كذلك على أنهم خرجوا من دائرة "الممثلين" لدائرة "التماثيل" التي تقف تعرض، في ملابس تكشف أكثر مما تستر، أعضاءً كان يطلق عليها في الزمن الغابر "أعضاء خاصة".
ولمن تساءل عن فرح مصريين كثر بحريق القاعة التي كان مقرراً عقد مهرجان الجونة فيها قبل يوم واحد من بدء المعرض، أملاً في أن تلغيه لهذا العام، هل عرفتم الآن سبب فرحهم؟
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:opinions@arabicpost.net
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.