وقعت الاشتباكات في بيروت اليوم، على بُعد أمتار من الحادثة التي كانت شرارة الحرب الأهلية في لبنان، فالمظاهرة التي كانت تتجه من منطقة الطيونة إلى قصر العدل، مرت على حدود خطوط التماس التي كانت ملتهبة في الحرب الأهلية "عين الرمانة" المسيحية التي تعتبر واحداً من أهم معاقل القوات اللبنانية المسيحية، مقابل الشياح التي تعتبر بدورها إحدى أهم مناطق نفوذ حركة أمل الشيعية.
بدا للجميع أن الشعارات الطائفية كانت حاضرة في المظاهرة، إذ يعتبر مناصرو الثنائي الشيعي حركة أمل وحزب الله أن "القاضي بيطار" يستهدف الشيعة من خلال تحقيقاته في انفجار مرفأ بيروت، وذلك بعد إصدار مذكرة توقيف غيابية بحق علي حسن خليل، الذي يعتبر في السياسة اللبنانية ظل رئيس مجلس النواب اللبناني وزعيم حركة أمل نبيه بري.
في الوقت ذاته يعتبر حزب الله على لسان الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله أن القاضي طارق بيطار "يوظّف دماء الشهداء في خدمة أهداف سياسية، وأنه مستمر في أخطاء القاضي السابق، بل ذهب إلى الأسوأ"، ويعتبر حزب الله أن المعلومات تقول إن البيطار قد يذهب لتوجيه تهمة لحزب الله بموضوع المرفأ وهو ما يعتبره جريمة لم يرتكبها، وإنما مجرد محاولة لاستجرار الحزب نحو مستنقع سياسي-قضائي.
وذلك علماً أن القاضي طارق بيطار كان قد أعلن سابقاً عن تلقيه رسالة تهديد نقلت إليه عبر رئيس وحدة الأمن والارتباط في حزب الله وفيق صفا، وكان المحقق العدلي السابق في انفجار مرفأ بيروت القاضي فادي صوان قد استقال عن مهمته، بعدما -حسبما يقول الصحفي سركيس نعوم- "عُثر في أحد الأيام أمام منزل صوان على قطة مذبوحة".
ما يحصل اليوم في لبنان، هو نتيجة رئيسية لأجواء جلسة مجلس الوزراء أمس، النبرة العالية للثنائي الشيعي والذي تكلم باسمه وزير الثقافة محمد مرتضى حيث طالب بإقالة فورية للقاضي بيطار إما عبر طريق الحكومة أو من خلال مجلس القضاء الأعلى، وهو الأمر الذي يرتطم في لبنان بمبدأ فصل السلطات، فلا رئيس الجمهورية ولا مجلس الوزراء ولا القضاء قادر على هذا الطرح.
وفي نفس الجلسة يقال إن الوزير مرتضى قام بتوجيه كلامه لوزير الداخلية محذراً من محاولة إلقاء القبض على الوزير علي حسن الخليل، معتبراً أي محاولة لذلك تعني "رح تشوفوا شي غريب عجيب بالبلد!".
وهناك مصادر مطلعة قريبة من مجلس الوزراء تعتبر أن تهديد الثنائي الشيعي وحزب المردة بتعليق مشاركتهما في الحكومة موجه بالدرجة الأولى للعهد بأن عدم إيجاد طريقة لإقالة القاضي بيطار يعني أن أول الضحايا سوف يكون إسقاط الحكومة، وأن ثاني الضحايا يمكن أن تكون ورقة التفاهم بين التيار الوطني الحر وحزب الله.
تقول بعض المصادر السياسية كذلك إنه وبعيداً عن موقف الثنائي الشيعي، هنالك بعض الأسئلة التي يجب أن تُطرح، حول لماذا حتى اليوم لم يستدعِ القاضي بيطار سوى رئيس الحكومة السابق حسان دياب وثلاثة وزراء هم علي حسن خليل وغازي زعيتر ونهاد المشنوق للتحقيق، فيما من المعلوم أن عدد المسؤولين المرتبطين بهذا الملف أكبر من ذلك؟
ولم تكد ترفع جلسة الأمس، إلا وكانت الدعوات عبر تطبيق الواتساب، لحشد عدد كبير من مناصري حزب الله وحركة أمل للنزول إلى الشارع بقوة، وشددت الرسالات الصوتية على أن المستهدف الأول بالقضاء اليوم هم الشيعة، وفي الوقت ذاته كان شباب العاصمة السياسية للمسيحيين في بيروت الأشرفية، يحتشدون في شوارعها، وقاموا برفع صلبان كبيرة على مداخل المنطقة، محذرين من أي محاولة للتعدي عليهم.
الخوف هو المسيطر على اللبنانيين اليوم، صورة اختباء الأطفال تحت مقاعد دراستهم، التي انتشرت على مواقع التواصل الاجتماعي كانت الأكثر انتشاراً، هذه الصورة التي ترتبط بذاكرة اللبنانيين الذين درسوا تحت الحرب الأهلية لم يتمنوا يوماً أن يعيشها أحفادهم وأبناؤهم ويكرروا تجربتهم، وكأنه لا ينقص الشعب اللبناني اليوم، الرازح تحت ضغط الأزمة الاقتصادي، إلا بوادر اشتباكات طائفية، فيما يتخوف الجزء الآخر من أن تكون هذه الاشتباكات الطائفية هي مقدمة لشد العصب الطائفي في لبنان قبل الانتخابات النيابية 2022، ولكن الثابت الأساسي بجميع وجهات النظر أن الشعب اللبناني ولبنان هو الخاسر الأكبر.
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.