أيام تفصلنا عن الذكرى السنوية لانتفاضة 17 أكتوبر/تشرين في لبنان التي يعتبرها البعض تاريخ ولادة جديدة للمعارضة اللبنانية التي قالت كلمتها في الشارع ضد السلطة الحاكمة منذ 30 سنة تحت شعار "كلّن يعني كلّن". ويقترب مع هذا التاريخ، موعد الانتخابات النيابية المقرّر حتى الآن في 8 مايو/أيّار من العام المقبل، أو مبكراً عن ذلك في مارس/آذار.
نبع من رحم الثورة العديد من التحرّكات المعارضة التي تتحضّر لتشكيل لوائح بهدف خوض المعركة الانتخابية، لكن حتى الآن ثمّة بعض الأخطاء التي ترتكبها المعارضة، أو المجتمع المدني، تفقدها مصداقيتها وبالتالي الخسارة في الانتخابات المقبلة، تماماً مثل ما حصل في آخر جولة انتخابية عام 2018.
توحيد الصفوف
قبل أيام، انطلقت الانتخابات في معظم الجامعات اللبنانية من أجل انتخاب المجلس الطلابي الجديد لتكون الجامعة اللبنانية أوّل من تفتح هذا الستار. ومن المعروف أن الانتخابات الجامعيّة تشكّل البنى التحتية للانتخابات النيابية ولو بطريقة مبطّنة.
في الجامعات، تشكّل الأحزاب لوائح لها تتكّئ عليها لتكون عصب السلطة، وتقابلها لائحة من المعارضة أو العلمانيين لكسر الطابع التقليدي للسلطة. فإذا نجحت الأحزاب، تطمئن بأن القاعدة الشبابية ما زالت بحوزتها، فإذاً لا خوف عليها.
هذه المرّة، ارتكبت المعارضة في الجامعة اللبنانية الأمريكية خطأ فادحاً تمثّل بهدم توحيد الصفوف، والحجة كانت أن القانون الانتخابي مبني على قاعدة "one man one vote" أي كل طالب(ة) ينتخب أو تنتخب مرشّح(ة) واحد(ة). فيما انسحبت الأحزاب من الانتخابات الطلّابية للسنة الثانية على التوالي ما عدا حركة أمل وحزب القوّات اللبنانية، لم تستغل هذا العام المعارضة الطبّق من ذهب، بل عمدت على عدم توحيد الصفوف فدعم النادي العلماني مرشّحيه منفرداً، والمستقلّون دعموا أنفسهم منفردين.
انصدمت المعارضة بالخسارة، والفوز الكاسح للقوّات اللبنانية في فرع جبيل، وضمان الـ6 مقاعد من أصل 6 لحركة أمل في فرع بيروت علماً بأن أغلبية الأصوات صبّت في مصلحة المعارضة. وبعدها، في محاولة للترقيع، جمع العلمانيون والمستقلّون الأصوات وبالتالي الانتصار.
ارتكبت المعارضة في الانتخابات النيابية الخطأ عينه عام 2018، عندما اختارت عدم توحيد اللوائح وحتى مواجهة بعضهم البعض، والمثل الأبرز في الجبل والمواجهة بين المرّشح المعارض مارك ضو حينها وتحالف "وطني" ما أدّى إلى انقسام الأصوات وخسارة جميع الأطراف.
تكرّر المعارضة الخطأ مرّة أخرى، فنشهد العديد من اللوائح المستقلّة المعارضة المنبعثة من رحم 17 أكتوبر/تشرين في حين أن الأحزاب قد توحّد صفوفها من أجل الاستيلاء على أكبر عدد من المقاعد خصوصاً وأن وضعهم غير مستقيم، أو أقلّه يختلف عن ما قبل 17 أكتوبر، فحتى الهيبة التي كان يتحصّن بها البعض، قد تبخّرت.
البرنامج السياسي – الانتخابي
تحالف "وطني" سيعود مجدّداً إلى الساحة وقد فقد شرعيته أساساً منذ آخر انتخابات، وقد تقابله حركة "منتشرين" المعارضة التي تبدو وكأنها جاهزة من حيث البرنامج وتعمل على الانخراط السياسي بطريقة منظّمة، فأوّل ثمارها كان انتخابات نقابة المهندسين حيث حقّقت فوزاً كاسحاً.
لكن ما زال يصعب على الشعب إبرام عقد ثقة بالمعارضة الجديدة، لأن بمعظمها تعتمد على الخطاب "الشعبوي" والذي يحلو سماعه، لكن دون أي خطّة مبرمة لمواجهة النظام خصوصاً وأنّ معظم المرشّحين لا يعرّفون عن أنفسهم إلا بعبارة "مِن أنجح رجال الأعمال في الخارج". حسناً، ماذا عن البرنامج؟ الإنجازات والسريّة المصرفية وتشريع القوانين؟ كلّ هذه المقوّمات يتجاهل بعض المرشّحين بتوضيحها للبنانيين وبالتّالي افتقاد جسر الثّقة بين الطرفيْن.
كما يمكن هنا مقارنة انتخابات نقابة المهندسين حيث اتّحدت المعارضة تحت حملة "النقابة تنتفض" مع أحزاب معارضة كانت تعدّ جزءاً من السّلطة، كالحزب الشيوعي وحزب الكتائب اللبنانية، وتمكّنت من الانتصار التاريخي أمام أحزاب السلطة التي تحالفت مع بعضها للتمسّك بالكرسي، لكنّهم فشلوا.
ماذا يحتاج اللبنانيون؟
اللبنانيون اليوم بحاجة إلى برنامج سياسيّ يشبع متطلّباتهم للخروج من الأزمة، مبنيّ على حلول منطقيّة لا شعبوية، إلى معارضة لا توجّه سهامها نحو طرف دون الآخر ويكون قعرها العمل السياسي، لأن فصل السياسة والعلاقات الداخلية والخارجية عن المعركة الانتخابية يعتبر ساذجاً.
العراق يتنفّس الصعداء: ماذا نتعلّم؟
السّاحتان، اللبنانية والعراقية، متقاربتان في السياسة، إذ ما يحصل في العراق دائماً يعتبر مرحلة تحضيرية للمشهد المقبل في لبنان. أجرى العراق في العاشر من أكتوبر/تشرين الأوّل انتخاباتها البرلمانية المبكرة، وحشدت الأحزاب والتيارات السياسية لوائحها أهمّها الحشد الشعبي، لكن الشّعب كان في المرصاد.
سعى العراقيون جاهدين على الانتخابات المبكرة، وحصلوا على مرادهم بتوافق دولي وإقليمي طبعاً، لكن أثبتوا من خلالها أن الشعب قادر على التغيير وهو مصدر السلطات، حتى لو هناك سيطرة دولية وإقليمية على البلد، وحتى لو القرار السياسي خارجي.
سقطت لوائح الأحزاب وأهمها الحشد الشعبي المدعوم من إيران والمسيطر على العراق، فأصابتهم بهيستيريا من الغضب وتوجّههم للطعن بالنتائج بحجّة تزويرها.
أمّا لائحة مقتدى الصّدر الذي يعتبر معارضاً شرساً للهيمنة الإيرانية، فقد حقّق فوزاً ساحقاً بوجه الأحزاب التي كانت مسيطرة.
ما يمكن إدراكه من قبل اللبنانيين هو أن التحالفات وإرادة الشعب مفتاحان مهمّان جدّاً في الانتخابات المقبلة، والمقاربة والتعلّم من السّاحة العراقية أمر لا بدّ منه لأنّهما متوازيان كما أن المشاكل الاقتصادية والاجتماعية السياسيّة متشابهة الى حدّ كبير.
خلاصة الموضوع، لا يمكننا خداع أنفسنا بأن أحزاب السلطة ضعيفة، بل هذه المرّة ستغذّي نفسها وتجري تحالفات غير مسبوقة من أجل الاستمرار، وقد تنجح لأنّها، شئنا أم أبينا، منظّمة بطريقة حرفية. والمعارضة، إذا كانت ستستمر في التأخر على إعلان مرشّحيها ووضع خطتها والدخول رسمياً في الحياة السياسية، وإذا بقيت مقتصرة على منافسة بعضها وفي الوقت عينه تنافس الأحزاب، ستكون تجربتها فاشلة ونعود إلى نقطة الصّفر، تماماً مثلما حدث في الجامعة اللبنانية الأمريكية.
أما عن التجربة العراقية، فلا بدّ أن تكون درساً أو خارطة طريق يجب التعلّم والانطلاق منها، وهنا أقتبس من الصحفي الرّاحل سمير قصير، وبتصرّف، قوله: "ربيع العرب حين يزهر في بغداد إنما يعلن أوان الورد في بيروت".
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.