يذكر الكاتب أوسم وصفي في كتابه "الألم" لقاءً صحفياً أجراه الكاتب فيليب يانسي مع الدكتور بول براند المتخصص في علاج الجذام، أن المشكلة المحورية في هذا المرض أنه يصيب الأعصاب المسؤولة عن نقل إحساس الألم، فلا يعود المريض يشعر به، وأغلب مضاعفات المرض تنتج من غيابه، وحينها لا يفكر المريض في نعمةٍ إلهية أعظم من الإحساس بالألم.
ويضيف الصحفي يانسي قائلاً: "لقد أجريت أحاديث صحفية مع عشرات من الناس يتوقون بكل شدة للتخلص من الآلام، وها أنا أتحدث إلى شخص يتكلم بشأن إجراء بحوث علمية تكلف عدة ملايين من الدولارات لمحاولة خلق نظام جديد يعيد الإحساس بالألم إلى أولئك الذين فقدوه".
لماذا نشعر بالألم؟
لقد توقفت كثيراً وأنا أقرأ عن الألم من هذا المنظور، لقد كنت أتساءل كثيراً لماذا نتألم؟ وكيف نستطيع أن نتجاوز مشاعر الألم للنهوض مرة أخرى ومواصلة الحياة.
وكانت معظم الكتب تؤكد أنه من الممكن أن نتحمل الآلام إذا كانت لهدف معين، بل على العكس، غياب الإحساس بتلك الآلام يشكل تهديداً لحياة الإنسان.
ومن أصعب أنواع الآلام أن يشعر الإنسان أنه يتألم بلا هدف ولا سبب ولا معنى. ومما قد يخفف وطأة الآلام على الإنسان أن يفهم أن الذي يمر به له سبب وأن يجد له معنى. والمعنى وراءه هو الذي يجعلنا نتحمله بشرف، وهذا ما استند إليه العالِم فيكتور فرانكل في نظريته "العلاج بالمعنى".
وكان للدكتور فرانكل عميل توفيت زوجته وكان ينوح عليها بمرارة، فسألة فرانكل: "كيف ترى حال زوجتك إذا توفيت أنت أولاً؟" فأجاب الطبيبَ بأن ذلك كان سيسبب لزوجته ألماً غير محتمل؛ عندئذ أشار فرانكل إلى أن زوجته عندما ماتت قبله قد تجنبت تلك الآلام الرهيبة، وهو الآن يدفع عنها ثمن أن يعيش ويحتمل هو ألم الفراق والنوح.
كانت هذه الفكرة بالنسبة لهذا العميل أن ألم الفراق هو الثمن الذي يدفعه من أجل من يحب، وكانت كفيلة بأن تخفف عنه ألمه، وأعطته معنى سامياً.
وهكذا فإن "المعنى" هو ما يجعلنا مستعدين أن نتحمل الألم بشرف، أما الألم الذي بلا معنى فهو حمل ثقيل من الصعب احتماله.
ويذكر الكاتب ستيفن أر كوفي في كتابه "العادات السبع للناس الأكثر فاعلية" أنه ذهب لزيارة صديق له في وقت تمرينه بالصالة الرياضية، وكان ينظر إلى وجهه الذي بدا الإجهاد واضحاً عليه، وأوعيته الدموية على وشك القفز من تحت جلده، وسأله متعجباً: لماذا تتحمل كل هذا طوال هذه المدة؟ فأجابه صديقه: "إني أحاول بناء قوة عضلية ولا يحدث هذا إلا إذا تمزقت ألياف العضلات وسجلت ألياف العصب هذه الآلام، والطبيعة تعوض هذا، وخلال 48 ساعة تصبح الألياف أقوى".
وهكذا تكون العضلات العاطفية أيضاً، عندما يتجاوز صبرك كل مرة حدوده الطبيعية التي كنت معتاداً عليها وسجلت الألياف العاطفية هذا الألم، ففى المرة التالية تصبح مهارة الصبر أقوى وتصير أنت أكثر تحملاً، وتكتشف أن مقولة "لا مكسب بدون ألم" مقولة حقيقية.
وفي كل مرة نستطيع أن نعبر الألم بنجاح نكتشف مناطق أكثر صلابة وإشراقاً في حياتنا ونخطو خطوات نحو ذواتنا الحقيقية، وأنه لا يكسر الإنسان وإنما يزيده قوة.
ويؤكد هذا المعنى الدكتور أوسم وصفي قائلاً: "إنما جاء الألم ليدرب الإنسان أن يخرج من ذاته، وأن يرى الصورة الأكبر للكون، وأن يستوعب حقيقة أن الألم وارد، والخسارة ليست مفأجأة في هذه الحياة، فإنه يكون أقدر على احتمال الآلام التي قد تصيبه في يوم من الأيام، وهذا لا يعفي الإنسان من شدة التألم، ولا يمنعه -خصوصاً في المراحل المبكرة من الفقد- من أن يرى أن مصيبته أهم من العالم وما فيه. غير أن النظرة الناضجة إلى النفس والكون ستجعل خروجه من هذه الحالة أسرع، كما ستجعله شخصاً أنضج".
في النهاية، أرى أن الألم يأتي ليجعلنا أقوى، ولنبني -مثل العضلات- أليافاً جديدة في كل مرة، من الصبر والأمان والقوة والثبات، فلا تعبر المواقف المؤلمة في الحياة عبوراً هيّناً، بل تحمل معها الكثير والكثير من التغيرات.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:opinions@arabicpost.net
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.