هِز الرمح بعود الزين … وانتو يا نشامى منين
واحنا شبابك فلسطين … والنعم والنعمتين
في كتابه "ثورة 36-39 في فلسطين" يتحدث الكاتب الفلسطيني الكبير غسان كنفاني عن تحول الأغنية الفلسطينية من الأغنية الشعبية إلى أغنية تناسب الوضع السياسي، مع احتفاظها بشكلها الفلكلوري، فأصبحت أغانٍ كثيرة تتناول قصص بطولات مختلفة مع احتفاظها بالقلب الشعبي، مثل "ظريف الطول" و"يابو العريس" و"جفرا"، وأغنية "هِز الرمح" التي كانت أغنية شعبية للأعراس فأضيف إليها بعض الكلمات بعد معركة بيت أمرين.
هِز الرمح ومعركة بيت أمرين
بيت أمرين هي إحدى القرى التابعة لمدينة نابلس، وتعتبر هي ووادي التفاح من ضمن قرى وادي الشعير قضاء نابلس، لكن تغيرت المسميات وأصبحت الآن تسمى قرى شمال نابلس.
في بلعا ووادي التفاح … ريح الثورة يا عالم فاح
واستشهد فيها الفلاح … حط السنجة في المرتين
معركة بيت أمرين هي واحدة من أهم معارك الثورة الفلسطينية الكبرى "1936-1939″، وقد خاضها الثوار الفلسطينيون عندما طوّق الإنجليز نابلس بمئات الجنود المسلحين مدعومين بالسيارات المصفحة والطائرات الحربية، فرابط الثوار على امتداد 13 كلم بين جبال برقا وبيت أمرين، ودارت معركة حامية استمرت لما يقرب من 10 ساعات، علا فيها صوت الرصاص والمدافع، وقد انتصر الثوار في هذه المعركة، بل وأسقطوا طائرتين في يوم لا يزال يشيرون إليه بأن نابلس لم تشهد معركة مثلها من قبل.
في أثناء المعركة كان الثوار الفلسطينيون يرددون أغنية "هِز الرمح"، وأدخلوا عليها كلمات خاصة بالمقاومة والسلاح.
وقد سبقت معركة بيت أمرين معركتان في مثلث نابلس، معركة "بلعا الثانية" والتي اشترك فيها أكثر من ألف مقاوم وانتهت بهزيمة القوات البريطانية، ثم معركة "جبع" والتي اشترك فيها المقاوم السوري محمد الأشمر مع المقاومين وتمركزوا على سفح جبل "ياصيد".
يوم وقعة بيت مرين … تسمع شلع البراكين
ومشيناها من جنين … لنوصل وادي التفاح
فلطالما كانت الأغنية الفلسطينية تعمل على توثيق أحداث كثيرة مر بها الشعب الفلسطيني، وقد كتب الباحثون مراراً عن تحول تلك الأغنية واستخداماتها، فهي ليست تراثاً فنياً فحسب، وإنما هي مرآة تعكس الوضع السياسي والتاريخي والاجتماعي لدى هذا الشعب.
ثورة 1936
ثورة 1936-1939 هي الثورة الفلسطينية الكبرى، وتمثل محطة مهمة جداً في حركة النضال الفلسطيني ضد الاستعمار في أواخر القرن التاسع عشر.
بدأت تلك الثورة بشكل عفوي، ولكنها استقطبت عدداً كبيراً من الشعب الفلسطيني والشعوب المجاورة بشكل غير مسبوق، كان هدف تلك الثورة هو التصدي لمشروع التقسيم الذي كانت تمهد بريطانيا لتنفيذه والحفاظ على الأراضي الفلسطينية من السماسرة والجواسيس ومنع تهويدها، واتخذت تلك الثورة الكفاح المسلح عنواناً وحيداً لها ولم تهدأ حتى اندلاع الحرب العالمية الثانية 1939.
شرارة الثورة
في منتصف أبريل/نيسان من عام 1936 بالقرب من مدينة طولكم ونابلس قامت مجموعة مسلحة من الفدائيين باغتيال صهاينة يهود كانوا في طريقهم إلى تل أبيب، ورداً على تلك العملية قامت عصابة الهاغاناه بقتل عربيّين بالقرب من يافا، من هنا اشتد التوتر بين العرب واليهود في الأحياء المختلطة واستمرت العمليات لثلاثة أيام حتى قامت الحكومة البريطانية بفرض حظر تجول على تلك المدن للسيطرة عليها وإعلان حالة الطوارئ، فما كان من زعماء تلك المدن والقرى إلا تأسيس لجان قومية وطنية وإعلان الإضراب العام في البلاد.
ثم قررت اللجان القومية عقد مؤتمر عام لها في القدس، على إثره قرر المؤتمر تشكيل قيادة مركزية للحركة الوطنية في القدس بقيادة أمين الحسيني، وكان قرار اللجنة الأول هو مواصلة الإضراب العام حتى تذعن الحكومة البريطانية لمطالبها وهو تغيير سياستها في قمع الفلسطينيين، ووقف هجرة اليهود المستمرة إلى فلسطين، وكان الاتفاق أن يكون ذلك الإضراب سلمياً بدون تدخل مسلح.
لكن بريطانيا قامت بتحديهم وأصدرت شهادة هجرة جديدة قام عدد كبير من المهاجرين اليهود على أساسها بالقدوم إلى فلسطين، وكانت هذه الخطوة هي الشرارة التي قرر على إثرها القادة الفلسطينيون إعلان الثورة المسلحة، وشرع المجاهدون في مهاجمة قوافل المستعمرين وتجمعاتهم وانتشرت العمليات في يافا ونابلس وحيفا وصفد وطبريا.
فحشدت قوات الاحتلال قوات كبيرة من الجيش للتصدي لتلك الهجمات، وقاموا بالقبض على بعض القياديين وإعدامهم مثل فرحان السعدي من حركة القسام، لكن الثورة لم تهدأ وتدفق المتطوعون من البلاد المجاورة وانضموا إلى الفدائيين وتحولت الثورة في شهرها الثالث إلى معارك ضخمة في جميع أنحاء فلسطين واستهدفت حركة النقل وسدت الطرق ونسفت الجسور والسكك الحديد، وقاموا باغتيال ضباط الجيش والشرطة البريطانيين.
بعد أن أثبتت الثورة أنها عصيّة على القمع قامت حكومة الانتداب البريطاني بفرض غرامات مادية ضخمة وعقوبات الإعدام في الميادين العامة وتخريب بيوت أهالي الثوار، ولكن مع كل ذلك لم يتمكنوا من إخماد نيران الثورة.
وقف الإضراب بدون هدنة
استحضرت بريطانيا قوات إضافية للسيطرة على المقاومة وصل عددها إلى 70 ألف جندي، بالإضافة إلى 40 ألف جندي من القوات النظامية الداخلية، وبالرغم من هذا العدد الضخم لم يتمكنوا من السيطرة على الثورة وظلت الثورة مشتعلة حتى قامت بريطانيا بالاتصال بالرؤساء العرب وحثهم على التدخل لإيقاف الأزمة، واستجاب الفلسطينيون لطلب الرؤساء العرب حينها في إيقاف الثورة والإضراب في الثالث عشر من أكتوبر/تشرين الأول عام 1936.
أمين الحسيني يشعل نيران الثورة من جديد
بعد صدور أمر باعتقال أمين الحسيني باعتباره المسؤول عن الثورة، قام بالذهاب إلى القدس ومنها فر متخفياً إلى لبنان، وقام هناك بنشر بيان في الصحف العربية يرفض فيه مشروع التقسيم ويتمسك بمطالب الشعب، ودعا الشعب إلى مقاومة سياسة بريطانيا ومشروع التقسيم.
اعتبر الفلسطينيون هذا البيان دعوة لاستكمال الثورة من جديد، وبذلك تم استئناف الثورة وقامت معارك حربية ضخمة، واتسعت تلك الهجمات لتصل إلى المستعمرات الصهيونية المؤمَّنة.
1939
بعد عجز بريطانيا في القضاء على الثورة قررت العدول عن قرار التقسيم، وعقد مؤتمر للوصول إلى حل لقضية فلسطين، وانعقد المؤتمر ولكن لم ينجح البريطانيون في جمع العرب والصهاينة حتى مع القيام بالاتصال مع كل طرف على حدة.
وفي عام 1939 قامت المنظمات الصهيونية باستلام تدعيمات عسكرية وقاموا بعدة عمليات ضد الثوار، وبعد استشهاد القائد العام عبدالرحيم الحاج في مارس/آذار 1939 وسفر عبد القادر الحسيني بعد إصابته في 1939، لم يكن للثوار قائد عسكري، ومع غياب الاستراتيجية العسكرية وعدم وجود إمكانيات عسكرية توائم تلك التي مع العدو، قامت القوات البريطانية مع المنظمات الصهيونية بنزع سلاح الثوار.
ولكن تبقى من نتائج تلك الثورة المهمة أنها كشفت القيادات المحلية والعربية التي تدخلت في قضية فلسطين سواءً بشكل إيجابي أو تلك التي قامت بالمشاركة في إجهاض الثورة.
هِز الرمح بعود الزين … وانتو يا نشامى منين
واحنا شبابك فلسطين … والنعم والنعمتين
المصادر:
موسوعة المصطلحات والمفاهيم الفلسطينية – المركز الفلسطيني للدراسات الإقليمية
الثورة العربية الكبرى في فلسطين – صبحي ياسين
ثورة 36-39 في فلسطين – غسان كنفاني
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.