بعد تراجع أسعار النفط في منتصف عام 2014 أثَّر ذلك سلبياً على المعونات التي كانت تقدمها دول الخليج، السعودية والإمارات والكويت للنظام العسكري بمصر، حتى أن مجموع المعونات من دول الخليج وباقي دول العالم معاً بلغ في مجموعها خلال الربع الأول من عام 2015 نحو 6 ملايين دولار أمريكي فقط، زادت إلى 58 مليون دولار بالربع الثاني من العام.
ومن هنا فقد لجأ النظام المصري إلى الإقتراض من الخارج، في صورة طرح سندات دولارية بقيمة 1.5 مليار دولار في يونيو/حزيران 2015، إلى جانب القروض التي يحصل عليها من مؤسسات دولية وإقليمية كالبنك الدولي وبنك التنمية الإفريقي وصناديق عربية وغيرها من بعض دول العالم، وذلك بعد انقطاع مصر عن طرح تلك السندات الخارجية لمدة 5 سنوات، حيث كان آخر طرح لها أواخر أبريل/نيسان 2010.
ورغم اتفاق مصر مع صندوق النقد الدولي في نوفمبر/تشرين 2016 والذي أتاح لها الحصول على قروض سخية من الصندوق، إلى جانب الاستمرار في الاقتراض من الجهات الأخرى، فإنها استمرت في طرح سندات بالخارج خلال السنوات التالية، بآجال متعددة تراوحت ما بين أربع وخمس وست وعشر سنوات، إلى جانب إصدارات بآجال 12 و30 و40 سنة، معظمها بالدولار وبعضها باليورو.
وكانت جميعها ثابتة العائد وبأسعار فائدة مرتفعة كثيراً عن أسعار السندات الحكومية السائدة بالأسواق الدولية، حتى بلغ عدد الإصدارات 13 إصداراً كان آخرها في نهاية سبتمبر/أيلول من العام الحالي بقيمة 3 مليارات دولار أمريكي، وسبقه طرح بقيمة 3.750 مليار دولار في شهر فبراير/شباط من العام الحالي.
الدين الخارجي تخطى 140 مليار دولار
وهكذا بلغت قيمة إصدارات السندات الخارجية حتى الطرح الأخير 31.684 مليار دولار من مجموع دين خارجي بلغ حتى نهاية يونيو/حزيران من العام الحالي 137.860 مليار دولار حسب الأرقام الرسمية، التي توقفت عند بيانات يونيو بفاصل ثلاثة أشهر حالياً.
استمر فيها الاقتراض الخارجي سواء من قِبَل الوزارات المختلفة أو المصارف كان منها قرض لبنك مصر بقيمة 1 مليار دولار، أو الحكومة في شكل سندات كان آخرها الطرح الأخير بالشهر الماضي، مما يعني تخطّي رقم الدين الخارجي حالياً الـ140 مليار دولار، وذلك بخلاف 33 مليار دولار قيمة مشتريات الأجانب من أدوات الدين المصري المحلي، من أذون وسندات خزانة حتى أوائل أغسطس/آب الماضي.
إلا أن الخطر الأكبر في تلك السندات الخارجية أن قيمة سدادها عند حلول مواعيد استحقاقها تصل إلى 67.332 مليار دولار، أي أن قيمة الفوائد المتراكمة عليها ستبلغ 35.648 مليار دولار، وهو ما يعادل نسبة 112.5% كفائدة على مبلغ السندات الأصلي.
فعلى سبيل المثال تضمن الطرح الأخير البالغ قيمته 3 مليارات دولار، ثلاث شرائح أولاها بقيمة 1.250 مليار دولار مدتها 6 سنوات بعائد 5.8%، وشريحة ثانية بقيمة 1.250 مليار جنيه مصري مدتها 12 عاماً بفائدة 7.3%، وشريحة ثالثة بقيمة 750 مليون دولار مدتها ثلاثون عاماً بفائدة 8.75% .
أي قيمة الفائدة على الشريحة الأولى ستصل إلى 391.5 مليون دولار خلال مدتها، وقيمة الفائدة على الشريحة الثانية خلال مدتها 985.5 مليون دولار، وقيمة الفائدة على الشريحة الثالثة خلال مدتها 1.969 مليار دولار، ليصل إجمالي قيمة الفوائد 3.346 مليار، مقارنة بقيمة أصل السندات البالغ 3 مليارات دولار، أي أن قيمة الفائدة تصل نسبتها إلى أصل قيمة السندات 111.5%.
تمييز للسندات الخارجية بسعر الفائدة
وتشير المقارنة بأسعار الفائدة على السندات الحكومية ببعض دول العالم، البالغ مدتها عشر سنوات بالوقت الحالي إلى بلوغ العائد سالب واحد بالألف في هولندا، وسالب 0.227% بألمانيا، ونسبة 0.06% موجبة باليابان ونسبة واحد بالألف موجبة بفرنسا، و0.3% بالبرتغال و0.43% بأسبانيا و0.8% بإيطاليا، و1.01 ببريطانيا و1.47% بكندا و1.48% بالولايات المتحدة الأمريكية و1.49% بأستراليا و2.04% بنيوزيلندا.
وهو ما يشير إلى الفارق الكبير مع فوائد السندات المصرية، كما بلغت فوائد سندات الخزانة الأمريكية لمدة ثلاثين عاماً 2.04%، ولهذا استندت قطر خلال إصدارها لسندات في أبريل/نيسان 2020 إلى فائدة سندات الخزانة ليكون معدل الفائدة على السندات متغيراً، وليس ثابتاً كما هو حال السندات المصرية، ويزيد بنسبة 3% عن عائد سندات الخزانة الأمريكية لمدة خمس سنوات.
وإذا كانت الحكومة المصرية قد منحت الأجانب فائدة 5.75% على السندات البالغ مدتها أربع سنوات المصدرة في مايو/أيار 2020، فإن الفائدة التي تمنحها المصارف المصرية على شهادات الإيداع الدولارية البالغ مدتها خمس سنوات حالياً تصل إلى 2.25%، وعلى شهادات الإدخار باليورو لمدة ثلاث سنوات نحو 0.75% أي أقل من 1%.
أما الفائدة على الودائع بالعملات الأجنبية بالمصارف المصرية حتى يوليو/تموز الماضي، فتصل صفرا بالمئة على الودائع باليورو، ومن 0.06% إلى 0.08% على الودائع بالدولار الأمريكي، و0.07% على الودائع بالجنيه الإسترليني، أي أن هناك تمييزاً بالفائدة للمشترين للسندات الخارجية، أضيف إليه مؤخراً إعفاء عوائد تلك السندات الخارجية والأرباح الرأسمالية الناتجة عن التعامل فيها، والمضمونة من الخزانة العامة من جميع الضرائب والرسوم خلال مدتها.
الاقتراض لسداد القروض القديمة
والخطير أيضاً أن السندات الخارجية المصرية تتجه حصيلتها لسد العجز بالموازنة، وليس إلى أمور استثمارية تحقق عائداً بالدولار يمكن من خلاله سداد قيمة الفوائد الدولارية خلال مدة القرض، ومن هنا فإنه على الحكومة المصرية تدبير قيمة تلك الفوائد وقيمة أصل السندات بالدولار عند استحقاقها.
كما تتجه حصيلة السندات الخارجية وغيرها من القروض الخارجية الجديدة، لسداد فوائد وأقساط الدين الخارجي التي حل موعد سدادها، حيث بلغت قيمة تلك الأقساط والفوائد المسددة خلال عام 2020 أكثر من 18 مليار دولار، وهي قيمة تمثل ثلاثة أضعاف دخل قناة السويس السنوي، ويتوقع زيادة قيمة تكلفة الدين بالفترة القادمة نتيجة زيادة أرصدة الدين الخارجي، وتجديد بعضه مثلما يحدث مع دين دول الخليج الثلاث (السعودية والإمارات والكويت).
ونظراً لطول مدة السندات، فإن مخاطر سعر الصرف يمكن أن تزيد من قيمة السندات الخارجية بشكل كبير، فإذا كان سعر صرف الدولار حالياً 15.65 جنيه، فإنه من المتوقع أن تزيد القيمة خلال السنوات الـ12 القادمة، حيث يمكن أن يصل سعر الصرف إلى 25 جنيهاً مثلاً.
وهذا يعني تكلفة فادحة لتلك السندات على الحكومة سواء لتدبير الفائدة أو أصل الدين، خاصة وأن هناك سندات مدتها 30 و40 سنة ومن الطبيعي أن يتغير سعر الصرف خلال تلك السنوات، نتيجة العجز التجاري المزمن والمتوقع استمراره لسنوات قادمة.
وهناك تجارب أليمة حدثت لشركات مصرية عديدة كانت مقترضة بالدولار مع تغير سعر الصرف في يناير/كانون الثاني 2003، وتكرر ذلك مع تغير سعر الصرف في نوفمبر/تشرين الثاني 2016، حيث تضاعفت التكلفة عليها لتدبير الدولار للسداد للأقساط بخلاف سعر الفائدة.
وإذا كانت تكلفة فوائد وأقساط الدين الداخلي والخارجي المتوقعة بالعام المالي الحالي 2021/2022، تمثل نسبة 47.8% من الإنفاق بالموازنة، فلنا أن نتصور زيادة النسبة بالسنوات القادمة وهو ما يأتي على حساب باقي مصروفات الموازنة، وأهمها الاستثمارات الحكومية التي تساهم في تحسين الخدمات الحكومية للمواطنين في مختلف المحافظات.
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.