تبعاً لتصريحاتك التي نقلتها جريدة لوموند الفرنسية التي تتساءل فيها إن كانت هناك أمة جزائرية قبل الاحتلال الفرنسي سنة 1830، وتستغرب كيف تمكنت تركيا من أن تُنسي الناس "تاريخها الاستعماري"، وتعتبر أن الضغينة والعداء ضد فرنسا لا يأتيان من الشعب الجزائري، بل من السلطة السياسية والعسكرية الجزائرية، يؤسفني أن أكتب إليك باسمي الخاص، دون أدنى احترام لشخصك ولا لمنصبك، ما دمت لا تحترم نفسك، ولا شعبنا وبلدنا الذي زرته مرشحاً للرئاسة سنة 2017 تتودّد أصوات الجزائريين المقدر عددهم بالملايين في فرنسا، لدرجة وصفك الاستعمار الفرنسي في الجزائر بأنه كان جريمة ضد الإنسانية، قبل أن تتراجع بعد انتخابك مقترحاً مبدأ "لا الإنكار ولا التوبة" بشأن تاريخ فرنسا الاستعماري وتتمنى ألا نبقى أسرى الماضي!
عندما تقول إن القيادة السياسية والعسكرية الحالية هي التي تكنّ العداء لفرنسا، فهذا شيء جميل يسعدنا، ويزيدنا فخراً، خاصة وأننا كنا نعتقد بأن النظام الجزائري هو تابع لكم يرعى مصالحكم وتتحكمون فيه كما تريدون، فتخرج وتقول لنا عكس ذلك ما يعني بالنسبة إلينا أننا نسير في الطريق السليم نحو التخلص من التبعية لورثة مستعمر قتل وشرّد ونهب وأفسد، خلف وراءه أجيالاً حاقدة تكنّ لنا كراهية مقيتة، تعادي كل من يقف إلى جانبنا، وتقف مع من يعادينا، وتتواطؤ حتى مع المسؤولين الذين نهبوا خيراتنا وهربوا أموالنا وخيراتنا إلى فرنسا التي تحتضنهم وتحميهم، لكنها تتشطر على البسطاء وتطالب الجزائر باستعادتهم تحت تهديد تخفيض عدد التأشيرات التي تمنح للجزائريين.
يجب أن تعلم يا سيادة الرئيس أن العداء الجزائري لفرنسا الاستدمارية ليس حكراً على السياسيين والعسكر كما تدعي، بل هو متجذر في نفوسنا وعقولنا، توارثناه أباً عن جد، ونورثه لأبنائنا إلى يوم الدين، ليس حقداً ولا كراهية في الشعب الفرنسي.
ولكن إدراكاً منا بأنكم لم تهضموا يوماً خروجكم صاغرين من أراضينا بعد 132 عاماً من الاحتلال، قتلتم فيه شعبنا ونهبتم خيراتنا وحاولتم طمس هويتنا العربية الأمازيغية الإسلامية ، ولازلتم تكنون لنا العداء في السر والعلن تتواطؤون مع عملائكم داخل الجزائر وخارجها، خاصة أولئك الذين كانوا يستمعون إليك من أبناء الحركي والعملاء وأنت تحرّف التاريخ وتتهكم على بلد عظيم وأمة ضاربة في جذور التاريخ الذي لم تحفظه، أو ربما تتعمد تحريفه مثلما حرّف أجدادك التاريخ من قبل.
تاريخنا أكبر وأعظم من أن أدافع عنه، لكن عندما تتساءل إن كانت هناك دولة وأمة جزائرية قبل الاستعمار فإننا ندعوك لكي تسأل أستاذتك أو تعود إلى مقاعد الدراسة لمراجعة كتب التاريخ التي تتحدث عن دولة كانت تبيعكم القمح وتقرضهم المال وتجبركم على دفع الجزية لتمر سفنكم عبر شواطئ البحر الأبيض المتوسط الذي لا يزال شاهداً على ذلك الأسطول البحري العظيم بقيادة خير الدين بربروس الذي كان يتسيّد المنطقة، وساهم في حماية الأمة الفرنسية من الإمبراطورية المجرية، مثلما ساعدكم الأتراك الذين تتهكم عليهم في وقف الغزو الإسباني والمجري والنمساوي، وساهم أبناء المستعمرات الفرنسية في تحريرها من ألمانيا النازية التي احتلت أراضيكم في ساعات دون مقاومة.
أما الأمة الجزائرية فقد كانت موجودة قبل أجدادك، وكانت في قمة الحضارة قبل احتلالكم لأراضيها، وتصبح قمة في التخلف أثناء تواجدكم في الجزائر لأكثر من 130 سنة، الأمة الجزائرية كانت تلقن أجدادك العلم في مدينة بجاية، وكانت تصفع وجه قنصلكم بالمروحة عندما طالبه بدفع الديون المترتبة عن أمتكم التي تكن الحقد لكل ما هو إسلامي وتريد أن تصنف تركيا كدولة استعمارية مثلها تمكنت من أن تُنسي الناس تاريخها الاستعماري على حد قول ماكرون، رغم أن تركيا بشكلها الحالي لم تكن موجودة قبل سنة 1924، والدولة العثمانية لم تزحف بجيشها وتقتل نساءنا وأطفالنا مثلما فعلت فرنسا، بل كانت مركز الخلافة الإسلامية التي بايعها حكامنا هرباً من الغزو الصليبي، فقامت بتشييد المساجد التي حولتها فرنسا إلى كنائس لأجل طمس الهوية الجزائرية الإسلامية العربية الأمازيغية.
نعلم أنك تسعى إلى ولاية رئاسية ثانية، وتريد إرضاء متطرفي فرنسا لاعتبارات انتخابية، لكنك أخطأت التقدير والتوقيت وخسرت شعباً ودولة وأمة أسأت إليها، وربما ستخسر رهانك في الرئاسيات القادمة بعدما خسرت نفسك لأنك تراجعت عن اعتبار الاستعمار جريمة ضد الإنسانية وتراجعت عن الاعتذار على جرائم دولتك التي لن نقبلها بعد اليوم لأنها لن تعيد إلينا شهداءنا وخيراتنا وحضارتنا التي حاولت طمسها وتهديمها ممارساتكم الاستعمارية ونرجسيتكم التي جعلتكم تعتقدون بأن الضغينة لا تأتيكم من الشعب بل من السلطة السياسية والعسكرية التي تعاديكم، حسب تصريحك.
لن أكلف نفسي رداً أطول ولا أعمق من هذا لأنني لست ناطقاً رسمياً باسم الشعب ولا الدولة، لكن تأكد بأن ما في قلوبنا وعقولنا من ناحيتكم يكفي لملء رفوف مكتبات العالم بقصص ووقائع وأحداث لا يمكن نسيانها مهما حاولتم اللعب على وتر الأكاذيب والتخاريف التي يبدو أنك كبرت عليها ولم تتخلص منها حتى عندما صرت رئيساً لبلد يدعي الدفاع عن قيم الحرية والعدالة والأخوة، لكنه قام على العنصرية والظلم والعداء الذي ورثتموه عن أجدادكم.
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.