العقل السياسي الأمريكي يعاني.. لماذا لا يمكن قراءة مستقبل الشرق الأوسط بعيون الولايات المتحدة؟

عربي بوست
تم النشر: 2021/09/30 الساعة 09:57 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2021/09/30 الساعة 11:43 بتوقيت غرينتش
الرئيس الأمريكي جو بايدن عندما كان نائباً للرئيس أوباما مع الرئيس التركي رجب طيب أردوعان/رويترز

إن 20 عاماً من الوجود الأمريكي في أفغانستان، والهزيمة التي كانت تنتظر الولايات المتحدة وقتاً مناسباً لإعلانها أمام العالم لا تتعلق بفشل الولايات المتحدة في أفغانستان فحسب، فلقد قلنا سابقاً إن ما جرت إليه أمور الولايات المتحدة يتعلق بالفشل العام للنهج المعروف الذي تسلكه السياسة الأمريكية، فكما هو معروف وحتمي مصيرُ من بنى منزله فوق النهر، كذلك حال أمريكا؛ إذ تنصب حكومات ورؤساء فوق إرادة البلاد والشعوب؛ لذا لم تخرج الولايات المتحدة من احتلالها لأفغانستان بشيء سوى الخسارة.

لقد عانى النهج ذاته للسياسة الأمريكية من هزيمة مماثلة في العراق، وإن لم تكن بنفس المستوى، خرجت من العراق بعد 10 سنوات من الاحتلال الفعلي، دون أن تحقق أي هدف يُذكر، وربما يخرج البعض فجأة ليقول إن خروجها بهذا الشكل هو هدف بحد ذاته، لكنني لا أملك من الأمر شيئاً لإقناع هؤلاء.

لقد قلنا إن هزيمة مماثلة أيضاً تنتظر الولايات المتحدة في سوريا أيضاً، ولا تزال توجد فرصة حتى اليوم أمامها كي لا تعيش هذه الهزيمة القادمة، لو توقفت عن التعاون مع تنظيم إرهابي ضد تنظيم إرهابي آخر.

حينما نقول ذلك يُفسر البعض ذلك على أننا نطلب مساعدة أو إحساناً من الولايات المتحدة، ورغم أنه لا يجدر التوقف بنا أصلاً للرد على تلك الادعاءات، فإن ذلك يشير إلى وجود مشكلة حقيقية في فهم ما العالم ومجريات الأمور على الساحة العالمية.

الشيء الوحيد الذي يمكن أن تطلبه تركيا من الولايات المتحدة في العراق وسوريا هو ألّا تترك وراءها أي ظل، لا نريد أي إحسان منها غير ذلك، لأن الولايات المتحدة لا تمتلك اليوم أي دور إيجابي في الشرق الأوسط، ولا يوجد في رصيدها أي دور لدعم السلام وحقوق الإنسان وكرامته في هذه المنطقة، بل إن أولويتها الوحيدة هي أمن إسرائيل أو تحقيق مصالح مادية، وفي سبيل ذلك تعتمد على الأنظمة المستبدة والقمعية.

آخر جندي أمريكي أفغانستان
آخر جندي أمريكي ينسحب من أفغانستان بعد حرب دامت 20 عاما/رويترز

ولهذا السبب فإن الخطوة الأمريكية الوحيدة التي يمكن أن ندعمها ونشيد بها في الشرق الأوسط هي الانسحاب والمغادرة، وأن تتخلى عن هذا النهج من السياسة. وفي الحقيقة يبدو أن على الولايات المتحدة اتخاذ هذه الخطوات لأنها تصب في مصلحتها الخاصة أيضاً، لأنها من خلال دعم الأنظمة المستبدة والقمعية فإنها في المقابل لن تكسب سوى كراهية الناس وبُغضهم لها في أي تدخل عسكري أو سياسي ستقوم به في تلك البلدان، وستفقد وجودها المستقبلي لأجل ذلك، ففي نهاية المطاف شاءت أم أبت ستكون كلمة الشعب هي العليا، وفي ذلك الوقت لن تعثر الولايات المتحدة على أي حليف حقيقي.

إن الهزائم التي تعرّضت لها الولايات المتحدة بسبب مغامراتها وسياستها الفاشلة في العراق وأفغانستان، تشير إلى أن مطبخ السياسة الخارجية ليس على ما يرام.

الدليل على ذلك هو السياسة التي تسلكها الولايات المتحدة في سوريا، فهي تعارض الأسد، حيث تراه المسؤول عن الانتهاكات الصريحة لحقوق الإنسان، والجرائم ضد الإنسانية، لكنها تفضّل القتال ضد عدو ناشئ هو "تنظيم داعش"، ومن أجل ذلك تتوسل لتنظيم إرهابي آخر هو "PYD"، من أجل مساعدتها في القتال ضد داعش، إلا أن ذلك يجعلها في مواجهة مباشرة مع حليف لها في حلف الناتو، هو تركيا.

لتجد في نهاية المطاف مشهداً مختلطاً لا يشير إلا إلى خلل في العقل السياسي الأمريكي، وأن النهاية لن تكون حميدة، وبالتأكيد لن تحظى الولايات المتحدة بفرصة تصميم الشرق الأوسط الجديد بهذه العقلية التي تعاني من عطب واضح.

على صعيد آخر، هناك من يتحدث ببهجة عارمة بأن تركيا ليس لها مكان ضمن مساعي السياسة الأمريكية الجديدة التي فرضها قدوم بايدن، وفي الواقع حينما يقولون تركيا فإنما يقصدون أردوغان، ويشترون البشائر التي تعد بأنه لن يكون له مكان في المستقبل.

من المستحيل بالطبع أن يعرف هؤلاء ما الذي يعنيه أردوغان بالنسبة للولايات المتحدة أو تركيا بشكل عام، فعلاوة على كل سياسات الولايات المتحدة الخاطئة وغير الحكيمة لا تزال تتوقع من أردوغان أن يضع تركيا في هذه السفينة الغارقة، ولذا فمن الطبيعي أن يتخيلوا تركيا من دون أردوغان، لأنهم يرون أردوغان عائقاً أمام ركوب تركيا لهذه السفينة الغارقة التي يحلمون بها في الشرق الأوسط الجديد.

ولذلك نقول إن قراءة مستقبل الشرق الأوسط من منظور الولايات المتحدة ونواياها وخططها على الرغم من كل الهزائم التي لحقتها، تعتبر وصمة عار بحد ذاتها، فضلاً عن كونها تفتقر للبصيرة.

لا شك أن نوايا وخطط الولايات المتحدة سيكون لها تأثير في نهاية المطاف، إلا أن الاعتقاد بأن ذلك من شأنه أن يحيّد تركيا، ولذا بالتالي يجدر الاصطفاف والحشد ضد تركيا؛ يعتبر عاراً ليس إلا.

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

ياسين أقطاي
مستشار الرئيس التركي رجب طيب أردوغان
مستشار الرئيس التركي رجب طيب أردوغان
تحميل المزيد