أهلاً بكم في عالم متعدد الأقطاب

تم النشر: 2021/09/27 الساعة 13:17 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2021/09/27 الساعة 13:35 بتوقيت غرينتش
ماكرون وبايدن في قمة مجموعة السبع/ رويترز

سيولد من رحم وباء كورونا والصعود الصيني والانكفاء الأمريكي على الداخل وتحقيق مصالحه الاتجاه الذي تجلّى في أزمة صفقة الغواصات الفرنسية مع الإليزيه، سيولد عالم جديد "متعدد الأقطاب". وسوف تتعلم أوروبا من هذه الأزمات أن تعتمد على نفسها؛ أن تصبح قوة ذات شأن دولي، لا مجرد تابع للهيمنة الأمريكية.
إن لغة المصالح في الساحة الدولية حالياً تتجاوز حدود ما يُعرف بالأنانية الأمريكية في التدخل في صفقة الغواصات الفرنسية لأستراليا وحرمت فرنسا من 90 مليار دولار أمريكي قيمة الصفقة. ولقد كان تصريح إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن عن الوجود الفرنسي بغرب إفريقيا ومصالحها الضخمة هنالك تلميحاً واضحاً من الولايات المتحدة عن مراقبتها للوجود الفرنسي الاستعماري في الغرب الإفريقي. في الفترة الأخيرة ظهر صراع بين الولايات المتحدة وفرنسا في ملفات شائكة منها مصالح الأخيرة في مستعمراتها القديمة في مناطق متفرقة على الكرة الأرضية. كذلك ملف الاحتباس الحراري ورفض أمريكا التوقيع على اتفاقية "باريس" للمناخ وصراعات جيو استراتيجية متفرقة، ومنها مستجدات الوضع في أفغانستان والانسحاب الأحادي المفاجئ وبدون الرجوع إلى حلفائها الأوروبيين.
بعيداً عن باريس، ما زالت أمريكا تتطلع إلى بناء جسور بين أذرعها الطويلة في  منطقة أرخبيل جزر المحيط الهادئ وجنوب شرق آسيا مع منافسة الصين وروسيا لها، عن طريق الوجود "الجيوبوليتيكي" من الصراع حتى ولو كان على حساب مصالح حلفائها الأوروبيين.

قبل وباء كورونا، كانت تبحُّ أصوات البعض منادية بضرورة تغيير نظام العولمة باعتباره نظاماً يفتقر لعلاقات اقتصادية عادلة، وأنه لا يعبّر عن مصالح السواد الأعظم من سكان الأرض، بقدر ما يعبّر عن مصالح الشركات العملاقة متعددة الجنسيات التي كرّست الفقر في دول الجنوب، وألحقت الضرر بالبيئة والمناخ، مما يفسر تصاعد الحركات الاحتجاجية ومناهضي العولمة من مثقفين ومنظمات حقوقية ونقابات مناضلة وتجمعات أخرى من قبيل منظمة "العالم ليس سلعة" و"الطريق الفلاحي" و"أتاك"، وما في سلالتها من التنظيمات التي تصدّت للعولمة وفلسفتها البراغماتية. 

لكن بعد استشراء وباء كورونا، وعجز الترسانة الصحية للنظام الرأسمالي الذي ترعاه العولمة، وتسارع ارتفاع أرقام عدّاد الموت، بدأت البشرية- جمهوراً ونخباً- تطرح سؤالين، سيكونان بمثابة القوة الدافعة لإعادة النظر في نظام العولمة بوصفها نظاماً أحادياً، ومدى مشروعية القيادة الأمريكية.

لماذا أخفقت الدول المنضوية في فضاء العولمة في التنبؤ بوباء كورونا، ثم تخبطت بعد ذلك في أساليب تدبير الأزمة، وعجزت عن الاحتواء السريع للجائحة؟

لماذا غاب التضامن الدولي؟ والأخير سؤال مستأنف لسلسلة الأسئلة التي طرحها العقل البشري عبر التاريخ حول معنى الإنسانية، ومعنى الوجود الإنساني، وعن جدوى العلاقات بين البشر في ظل انعدام الروح الجماعية وانفلات دائرة التآزر. كما أعاد مراجعة ثنائية مفهوم الخير والشرّ، وأسباب تخلِّي الغرب عن القيّم التي بشّرت بها الأديان، وأفرزها عصر الأنوار، وكيف السبيل للرجوع للرشد وتصحيح المسارات الخاطئة للبشرية؟

ليس من المعروف بعد كيف وإلى أي مدى، ولكن قد يكون من المنطقي أن نفترض أن العالم والعولمة لن تعود كما كانت عليه في السابق بعد انتهاء هذه الجائحة. ومن السابق لأوانه الجزم بأن هذه العاصفة الكارثية سوف تستهل حقبة جديدة، كما حدث قبل ستة قرون مع عصر النهضة بعد أن فتك وباء الموت الأسود سكان أوروبا. ومع ذلك، فإن "كوفيد-19″، بات يدفعنا بالفعل إلى مراجعة بعض السيناريوهات السیاسیة والاقتصادية التي عشناها لعقود. سوف تفرز تبعات كورونا عالماً مغايراً، عالماً مختلفاً عن نظام "بريتون وودز"، الذي ساد البشرية بعد الحرب العالمية الثانية، وفيه مثّلت الولايات المتحدة الأمريكية بنوع خاص الهيمنة والسيطرة من خلال الدولار من جهة، واعتبار صندوق النقد الدولي والبنك الدولي أدوات وآليات تخصها دون غيرها من جهة ثانية.

بعد ما يقرب من 3 سنوات من ظهور الحالات الأولى لفيروس کورونا في الصين، يواجه العالم أزمةً عالميةً هزت كل الركائز الاقتصادية والاجتماعية والسياسية. فأهلاً بكم في عالم متعدد الأقطاب.

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

محمد سعد عبداللطيف
متخصص فی علم الجغرافیا السیاسیة
تحميل المزيد