تحولات سعودية ومواءمات إماراتية.. قراءة للشرق الأوسط الذي يرسمه بايدن

عربي بوست
تم النشر: 2021/09/23 الساعة 12:52 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2021/09/23 الساعة 13:01 بتوقيت غرينتش
الشرق الأوسط/ عربي بوست

(لا مزيد من الدول الفاشلة) هكذا خطط الفريق المسؤول عن رسم خريطة سياسة الرئيس الأمريكي الديمقراطي جو بايدن في الشرق الأوسط، وهو ما يمكن تفسيره على أن أهداف الرئيس الأمريكي ستكون متواضعة لكنها في المقابل ستكون عملية. لذا يمكن استشراف سياسة بايدن الحذرة والمنكمشة تجاه الشرق الأوسط مقارنة بسلفه باراك أوباما.

سياسة بايدن تجاه الشرق الأوسط مبنية على الحد من التدخل الأمريكي المباشر في المنطقة، على عكس إدارة ترامب التي جازفت في سياساتها تجاه إيران وأرسلت إشارات متضاربة بالتأكيد حول الموقف العام لأمريكا من معضلات بلاد العرب والمسلمين.

أعطى بايدن، خلال الأشهر الثمانية الماضية، أولوية للداخل الأمريكي استجابة لواجب الوقت بالوقوف أمام تداعيات جائحة فيروس كورونا والأزمة الاقتصادية التي صاحبتها على المستويين الداخلي والعالمي، والذي أثر بالنتيجة على الداخل ليضاعف من الأزمة، ما يعني مزيداً من الالتفات لحل المشكلات الداخلية والتخفيف من الأعباء والتحديات الخارجية، لا سيما وأن الصين في السنوات الأربع من ولاية ترامب أخذت خطوات واسعة اقتصادياً وعسكرياً تنبئ بالخطر.

تلك التحديات كلها دللت على أن بايدن يعيد تشكيل الشرق الأوسط بما يناسب أولويات ومصالح أمريكا، وحتى الآن لا يرى ساكن البيت الأبيض في الشركاء التقليديين، سواء في الخليج أو شقيقتهم الكبيرة مصر، من يعتمد عليه في أن يوكل إليه المهمة، فالجميع موصومون بالدكتاتورية وانتهاك حقوق الإنسان؛ ما يعني إحراجه أمام ناخبيه، لكنهم في المقابل يمكن استخدامهم، لا سيما بعد أن قام سلفه بما يوفر أمناً طويل المدى لتل أبيب باتفاقات تطبيع لا يمكن إغفالها ويجب البناء عليها.

مواءمات أبو ظبي في ظل تحولات واشنطن

في ظل السياسة الأمريكية المنكفئة على الذات من جهة، والموجهة تجاه الحد من خروقات حقوق الإنسان في العالم وعلى رأسها الشرق الأوسط، بدأت الإمارات ترسم سياسة خارجية جديدة أكثر تحفظاً وانسحاباً من الصراعات التي انخرطت فيها أو ساهمت في إشعالها، أو دعمتها في الشرق الأوسط، فغيّرت مسارها الموجّه ضد تركيا وقطر والحكومة الشرعية في ليبيا، إلى سياسة الحوار والدعوة إلى تفاهمات قد تُفضي إلى تسويات في المستقبل. وإن كان الحديث ينسحب بالأساس على تركيا إلا أن الأحزاب الإسلامية قد تنال من كعكة الإمارات الطازجة، فيما لو تخطت حكومة طالبان خلال الأشهر القادمة العقبات التي بانتظارها، حتى خطابها الحاثّ على مواجهة إيران تبدّّل مع تبدُّل ساكن البيت الأبيض.

الرئيس التركي أردوغان في لقائه مع طحنون بن زايد

وتستفيد أبوظبي من صفقتها الإبراهيمية مع الاحتلال الإسرائيلي، والتي بموجبها استطاعت أن تسحب كلاً من البحرين والسودان للتطبيع مع تل أبيب في مقابل لم تقبضا ثمنه إلى الآن لكنه مؤجل، بعد وصول بايدن؛ إذ إن الضامن لم يعد موجوداً (ترامب)، وتبني أبوظبي على الاتفاق الإبراهيمي تعاوناً إقليمياً مع دولة الاحتلال، وهو ما يحسب لها "براجماتيا" حيث القراءة الأولى، كما أسلفنا، تقول إن بايدن لن يعوّل على أحد في الشرق الأوسط، سوى تل أبيب، وهو ما يعني أن الناتو الشرق أوسطي الذي حلم به ترامب، يمكن أن ينفذ مخططاته في ولاية بايدن، لذا فلا عجب من تصريحات المسؤولين الإماراتيين من أنهم يتوقعون أكثر من تريليون دولار في التجارة البينية مع دولة الاحتلال خلال السنوات العشر القادمة.

ولما كان راسمو السياسات الخارجية للإمارات قد قرأوا أن إدارة بايدن تسعى لوقف الحروب التي لا نهاية لها، كما أنها ترى أن دولاً فاشلة في الشرق الأوسط لم يعد لها مكان، لما يسببه ذلك من انخراط عالي التكلفة لواشنطن، فإن الأخيرة تسعى لتصفير مشاكل المنطقة المزمنة، وهو ما تحاول أبوظبي إظهار ريادة فيه، ليكون لها دور في الشرق الأوسط الداخل إلى طور التشكيل، فانسحبت من الصراعات باهظة التكاليف في اليمن وليبيا، بعد أن تركت السعودية وحيدة في الأولى وأدخلت شريكاً أقرب ليتابع مساره وتحصيل ما يمكن تحصيله من الأزمة، لا سيما وأن الورقة التي يلعبان بها أثبتت فشلاً ذريعاً رغم الدعم المستمر، فالقاهرة باتت وحيدة هي الأخرى في ليبيا من دون الدعم الإماراتي المادي والعسكري.

كل ذلك لا يعني أن أبوظبي خرجت خالية الوفاض، بل على العكس فقد جمعت ما يكفيها وزيادة من هذه المغامرات بالمقارنة مع نظرائها وشركائها.
ويكفي لفهم مستجدات السياسة الإماراتية الخارجية بعد وصول بايدن وظهور ملامح سياساته تجاه الشرق الأوسط أن تتمعّن في تصريحات وزير الدولة الإماراتي السابق للشؤون الخارجية، أنور قرقاش: "إن نهج التصعيد أو المواجهة من شأنه أن يورّطنا في صراعات طويلة الأمد"؛ لذلك قررت الإمارات تغيير مسارها، بالتركيز على التنمية الاقتصادية كمسار للأمن. كما أدرك قادة الإمارات أنهم يقتربون من "نهاية عصر النفط"، فإنه بات من المهم العمل على التنمية. 

تحولات السعودية واللعب على الحبال

السعودية التي تشهد منذ سنوات تحولاً يريد رسم صورة أكثر انفتاحاً للمملكة، وتغيير الصورة النمطية لها، لم يشفع لها، فلا يزال ملف حقوق الإنسان المسكوت عنه في ولاية ترامب نقطة ضعف كبيرة تقف حجر عثرة في طريق تمهيد الطريق لحضانة بايدن، فالرياض التي اكتسبت ولا تزال نسبياً مكانتها العربية والإسلامية باحتضانها الحرمين الشريفين، لم تستطع الدخول في الصفقة الإبراهيمية، على الأقل بشكل علني، وإن أريد لها ذلك، إلا أن المانع أكبر.

تجد السعودية نفسها وحيدة في حربها ضد جماعة صغيرة تؤرق مضجعها وتقوّض اقتصادها وتزعزع أمنها بطائراتها المسيرة المنطلقة من اليمن، وإن كانت تعرف أن المخرج الحقيقي لفيلم الرعب الذي تعيشه هو إيران، فإن مواجهة مباشرة لا تراها في مصلحتها، وعليها الالتزام بقواعد اللعبة ومناوشة الصغير، حتى لا تدخل نفسها في حسابات معقدة لا يمكن التنبؤ بنتائجها، فالحليف الإماراتي، أخذ ما يريد من اليمن وتركه، والحليف الأمريكي التاريخي سحب بطارياته ليترك سماء المملكة عارية أمام مسيرات الحوثي.

يرى البعض أن ذلك هو مبرر شراء منظومة الدفاع الجوي للاحتلال الصهيوني، ومن ثم يكون مبرراً لتعاون عسكري قد تصدر له فتوى دينية تبيحه، لحفظ ماء الوجه وإضفاء الشرعية عليه وإسكات الأصوات المحتملة التي يمكن أن تنطلق معترضة على تعاون عسكري بين خادم الحرمين الشريفين وأعداء المسلمين التاريخيين، وفي ظل الضغط الأمريكي في ملف حقوق الإنسان فإن سياسة القمع لإسكات المعارضين قد لا تفلح هذه المرة وعلى الرياض أن تواجه مصيرها في هذا الملف.  

تعديلات على قانون (NDAA) تجري الآن من قبل النائبة ألكساندريا كورتيز، لمنع بيع الأسلحة للسعودية، في وقت تصارع الإدارة الأمريكية الواقع لإعادة إيران إلى حظيرة الاتفاق النووي، وترويضها، وبل وإقناع السعودية بأنها قادرة على ذلك، وهو ما جعل الأخيرة ترضخ لمغامرات بايدن وإغراءات ماكرون وتحضر قمة بغداد بوزير الخارجية، كشكل من أشكال الامتعاض والإذعان في نفس الوقت، فالواقع يقول إن إيران باتت تحاصر السعودية بميليشيّاتها، وهو ما يجعلها إما تناور بورقة روسيا أو تقبل علناً بما تقبله سراً وتتعامل مع الاحتلال الإسرائيلي.               

بينيت المحظوظ وموسم جني الثمار

وصف رئيس الوزراء الإسرائيلي محادثاته مع السيسي في شرم الشيخ المصرية بأنها جيدة ومهمة للغاية، وأضاف: (لقد أنشأنا أساساً لعلاقة عميقة في المستقبل). في المقابل، أكد السيسي أن جيشه يعمل بالتعاون مع جيش الاحتلال في سيناء لمحاربة ما أسماها بالعناصر المتطرفة والإرهابية، وإن كان هذا الاعتراف العلني يصدر من السيسي لأول مرة إلا أنه كشف عنه بمعرفة القيادة في تل أبيب منذ سنوات.

لكن الشاهد من تصريحات رئيس وزراء الاحتلال ورأس النظام في مصر أن هناك ترتيبات على مستوى المنطقة، تريد القاهرة أن يكون لها دور فيها، منافسة في ذلك الدور الإماراتي، ومستفيدة من ورقة المقاومة والقضية الفلسطينية، والذي عززه اتصال بايدن بالسيسي إبان العدوان الإسرائيلي على غزة، وهو ما تراه القاهرة نجاحاً كبيراً، يضاف إلى دورها في شرق المتوسط وغازه المنتظر أن يتدفق شمالاً إلى أوروبا، وشرقاً إلى لبنان كقيمة مضافة أخرى للقاهرة في الشرق الأوسط المنتظر.

ويبقى في الشرق الأوسط  حجر عثرة أمام مشروع إعادة تشكيل المنطقة، هو: إيران "المارقة" والعصية على التطويع، وتركيا أردوغان التي تمنى ليئور هايات المتحدث باسم وزارة خارجية الاحتلال الإسرائيلي أن تنضم للاتفاقية الإبراهيمية، ففي مقابلة مع موقع كاثيميريني بمناسبة الذكرى الأولى لاتفاقيات بلاده الأولى مع الإمارات العربية المتحدة والبحرين والمغرب، سئل هايات: 

هل تعتقد أن الاتفاقات يمكن أن تكون نموذجاً لتطبيع العلاقات مع دول أخرى غير عربية في المنطقة مثل تركيا؟

فأجاب: "الاتفاقات نموذج بلا شك. الطريقة التي نحققها بها، الطريقة التي نبني بها العلاقات. دول أخرى تنظر إليهم ليس فقط من أجل العلاقات مع إسرائيل. إنه تغيير في النموذج في المنطقة وسيؤثر على العمليات الأخرى أيضاً".

ولأن تركيا دولة كبيرة ووازنة فإن ترضيتها أمر صعب، ومساوماتها بما يساوم به غيرها أصعب، ولعل الانفراجة التي تشهدها العلاقات التركية مع كل من الرياض وأبوظبي والقاهرة، محاولة لاستباق المنتظر، وإن كان ذلك الممكن يصعب تحقيقه في ظل أطماع الشركاء وتسابق كل منهم على زعامة المنطقة والتي ترى تركيا أنها أحق بها، ويبقى علينا أن ننتظر لقاء بايدن بأردوغان خلال أيام وما سيسفر عنه من نتائج على الأرض خلال الشهور التالية لقراءة خريطة الشرق الأوسط الجديد الذي يرسمه بايدن.

تحميل المزيد