موقع "تويتر" أو تطبيق "تويتر" -أياً كان الاسم التقنيُّ الذي تفضل استخدامه للإشارة من خلاله إلى تلك المنصة- موقع مهم.
تعود أهميته إلى عدة أسباب، على رأسها أقدميَّته كمنصَّة تواصل اجتماعي معتبرة، وعدد مستخدميه الضخم، إذ يعدُّ المنافس الأبرز لفيسبوك من حيث عدد المستخدمين عالمياً، بالإضافة إلى دوره المهمّ في الموجة الأولى من الربيع العربي، تونس ومصر وليبيا وسوريا، وصولاً إلى كونه مصدراً رئيسياً لبعض الأخبار، خاصة تلك التي تتعلق بالتطورات على أرض الواقع في أيِّ الأماكن الساخنة.
ولكنَّ قيمة المواقع، في نظري ونظر الكثيرين من الخبراء والمستخدمين بدأت تقلُّ منذ مدة، لعدد من الأسباب أيضاً، أهمها ضعف قدرة القائمين على الموقع، أو ضعف رغبتهم في تطويره تقنياً بشكل دوريّ، كما تقوم المواقع الأخرى.
ولمن لا يعلم؛ فإنّ "التحديث" المستمرَّ لهذا النوع من المواقع يؤدي عدة أغراض متضافرة، أبرزها كسر الملل لدى المستخدم، والتجديد بصرياً بما لا يخلّ بهُوية الموقع، وإضافة التحديثات المقتبسة من المطورين المنافسين بما يتلاءم مع فلسفة المنصة، وسدّ الثغرات الأمنية بشكل دائم. تويتر شحيح في ذلك، وكأنه مكتفٍ بما لديه، بعض التحديثات التقنية التي أدخلها المنافسون منذ أعوام يبدأ تويتر في اكتشافها لتوه.
بالإضافة إلى ذلك، فإنَّ موقع التغريدات ذا الهوية البصرية اللبنية يعاني أيضاً من مشكلات بنيوية رئيسية، من الغريب أنّ القائمين على الموقع لا ينتبهون لها منذ سنوات، ولا يبدو أنّ هناك خُطةً جادة لإصلاحها.
تداول المحتوى الإباحي
ربما يكون هذا الموضوع حساساً بالنسبة لفئات كثيرة، ولكنه مهم، إذا أحسنَّا عرضه ومناقشته. ففي كلِّ المواقع التي تسمح بالنشر وتداول المواد المرفوعة يكون هناك محتوى خارج عن السياسات، التي يسمح بها الموقع ويسمح بها الذوق العام من جمهور الموقع.
أبرز تلك المخالفات تكون متعلقة عادة بالمحتوى الذي يحمل مضامين عنيفة، أو مضامين عدائية وعنصرية، أو انتهاكات لحقوق الملكية الفكرية، وصولاً إلى المحتوى الخارج عن حدود الأخلاق والذوق العام العالمي، كالمحتوى الجنسي الصريح، إذ إنَّ الموقع في الأساس يخدم أغراض التواصل الاجتماعي، كالتعارف وتوطيد العلاقات والتسلية والتجارة المشروعة، وليس أكثر من ذلك.
والمعروف أنَّ هذه الأنشطة والممارسات الخارجية في معظم المواقع تكون في "الظلّ"، دوائر شخصية مغلقة بعيداً عن "العامّ"، حتى يسهل تداولها بعيداً عن أعين الرقابة القائمة على الذكاء الاصطناعي أو بلاغات المستخدمين ممن يتأذونَ من تلك الممارسات.
ولكنَّ الأمر في تويتر مختلف تماماً، إذ من الوارد أن تتعثر خلال تصفحك الموقع في حسابات مليونية ضخمة، من جنسيات مختلفة، تتداول المحتوى الجنسي الصريح، دون مشكلة. لا نتحدث عن حسابات هامشية في دوائر مغلقة، بل من الوارد أن تجد هاشتاغات ووسوما في قائمة "الترند" في بعض الدول عن موضوعات من هذا النمط.
في المقابل، من هذه السياسة المتساهلة مع هذا النوع من المحتوى في تويتر، نجد أنَّ فيسبوك، رغم كل عيوبه، يفرض قيوداً تقنية مشددة على هذا النمط من المحتوى، كما بدأ "تليغرام" يفرض نفس النمط من التشديدات على المحتوى المخالف بأنواعه، وهو ما يجعلها بيئاتٍ افتراضية أكثر أماناً على الشباب والمراهقين من تويتر. وفي حال لم تنجح تقنيات الذكاء الاصطناعي في "فلترة" هذا المحتوى تلقائياً، فإنَّ "البلاغات" الشخصية الموجهة إلى الموقع بشكل صحيح في فيسبوك وتليغرام ويوتيوب، كثيراً ما تؤتي أكلها في تحجيم تلك المواد الضارة.
القيود على المحتوى السياسي
في الفترة الأخيرة، باتت معظم مواقع التواصل الاجتماعي، بما في ذلك فيسبوك وتويتر، تفرض قيوداً مشددة على المحتوى الداعم للقضية الفلسطينية والمناهض للاحتلال الإسرائيلي، وذلك بفضل الجهود الإسرائيلية لتسويق سردية المظلومية عالمياً مقابل العنصرية العربية التي ينبغي اجتثاثها وفقاً لجهودهم، ما استدعى أن يلتفّ المستخدمون على تلك القيود بإعادة صياغة العبارات والكلمات بشكل يوصل المعنى المطلوب، دون الوقوع في فخّ سياسات الحظر.
ولكنَّ الأمر يمتد في تويتر إلى ما هو أسوأ من ذلك بكثير؛ فقد نجحت الدول العربية المناهضة للحقوق والحريات العامة في التأثير على السياسات الداخلية للموقع في المنطقة، حتى يؤثر سلباً على النفاذ والوصول إلى الحسابات والمنصات التي تقدم محتوى لا ترضى عنه تلك الأنظمة.
ففي سبتمبر/أيلول من 2019، ثم 2020، اشتكت فئات كثيرة من المستخدمين المصريين، مشاهير وعاديين، من "المجزرة الافتراضية" التي مارسها تويتر ضدهم عبر حذف وتعطيل الحسابات، ومنع الوصول إلى المحتوى، وتصعيد المحتوى المضادّ، خلال ثورة المقاول محمد علي، التي دعا خلالها إلى موجات من التغريد المليوني ضد نظام السيسي على الموقع.
تُفسر جهات تقنية أنَّ السبب فيما حصل خلال تلك الحوادث، وصولاً إلى النشاط الملحوظ للحسابات المزيفة المدعومة مما بات يعرف بـ"الذباب الإلكتروني"، وهي شركات تقنية تشرف عليها جهات عربية تابعة لتلك الأنظمة من أجل ترويج المحتوى الاستبدادي، ومحاربة أي محتوى ذي نفس تحرريّ، بأنَّ المقر الحالي لشركة تويتر في دبي، عاصمة الأنشطة غير المشروعة في المنطقة.
في المقابل من تلك السياسة البغيضة من تويتر، فإنَّ فيسبوك، رغم كل مثالبه، يبذل جهوداً لا بأس بها من أجل تخفيف حدة شعور المستخدم بالغضب من تلك السياسات، إذ سنجد أنه أقلُّ تحيزاً ضد المحتوى السياسي التحرري، وأنه يمارس سياسات استرضائيّة للفئات المتضررة، كـغلقه بعض الصفحات الرسمية التابعة للاحتلال، مثل صفحة نتنياهو إبان رئاسته للوزراء، وإنشاء مجلس حكماء يضم شخصيات عربية ناشطة في مجال حقوق الإنسان بصلاحياتٍ استشارية، والتسامح مع طلبات مراجعة القيود المفروضة على المحتوى الفلسطيني، وهو ما لا نجده في تويتر، حتى الآن.
نخبوية تويتر
النخبوية والتمايزُ الملحوظ هي أقدار وحتميَّات العيش في عالم رأسماليٍّ معولم، على غرار عالمنا الذي نعيش فيه اليوم. ومعظم صناع القرار والباحثين المرموقين، يفضلون موقع تويتر، منذ زمن، على فيسبوك. فـ"تويتر"، كما يقول خبراء تحليل الخطاب، هو صوت الإنسان الغربي المعاصر، والإنسان المعولم، بشكل أوضح، ربما من أي منصة أخرى.
ولكنَّ الأمر اختلف في السنوات الأخيرة؛ إذ بات الموقع مغلقاً (مجازاً) على من يظنون في أنفسهم التمايز الطبقيَّ والثقافيَّ عن باقي الفئات. يجتذب تويتر، وفقاً للدراسات، المراهقين عمرياً، وأصحاب الميول الليبرالية فكرياً، إلى جانب كلّ التصنيفات الفرعية التي يمكن أن تندرج أسفل تلك التصنيفات الرئيسية، بشكل ملحوظ عن فيسبوك والمواقع الأخرى، مثل النباتية والنسوية.
ساهمت بداية تويتر تاريخياً كموقع ظلّ، وكموقعٍ مفضل من نخبة المجتمع في ترسيخ تلك الصورة الذهنية، ومع مرور الوقت صار هناك حاجز نفسي بين العاديين، لاسيما في بعض البلدان مثل مصر، وبين الموقع، الذي يعجّ، وفقاً للكثيرين، بكلّ ما هو شاذّ ومختلف وطبقيّ، وهو ما يفسر حبَّ كثير من الطبقات المرفهة لهذا الموقع ذي التفضيلات الليبرالية والطبقيّة، مقارنةً بفيسبوك كموقع للعامة والمحافظين والعائلة، وفقاً لتلك الفئات.
ولعلك كثيراً ما تلاحظ تلك النبرة الاستعلائية الموجودة لدى بعض الفئات عن أفضلية تويتر كمنصةٍ "للفضفضة الجريئة" غير الخاضعة للأحكام، بالإضافة إلى الشعور بالتفوق النسبي نتيجة الحصول على حساب نشط في تويتر مقابل فيسبوك، ومن ثم اختلاف وجهات النظر، بشكل واضح، بين المنصتين، في حال مناقشة نفس القضية، بين المحافظة في فيسبوك والنفَس الليبرالي في تويتر، وهو ما بات يسهل على الباحثين في علم الاجتماع الرقمي "التنبؤ" بانحيازات المستخدمين، استناداً إلى هوية المنصة. ففيسبوك يمتلك تنوعاً إيجابياً ملحوظاً عن تويتر.
في النهاية، ليس ذلك بكل تأكيد، مقالاً مدفوعاً للنيل من تويتر أو تلميع فيسبوك، ولكنه دعوة، إن جاز القول، إلى كلتا المنصتين، لتحسين خدماتهما الرقمية، لا سيما تلك الموجهة إلى المستخدم العربي، بحيث تكون أكثر تسامحاً مع المحتوى السياسي الحرّ بكلّ أطيافه، وأكثر تقييداً لما اجتمع البشر على أضراره كالمحتوى الجنسي الصريح.
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.