من ماري أنطوانيت إلى ماو تسي تونغ.. كيف تأكل القطط السمان الملك؟

تم النشر: 2021/09/21 الساعة 09:26 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2021/09/21 الساعة 09:41 بتوقيت غرينتش

عندما أقرأ قول الفيلسوف والسياسي ماركس "إن التاريخ يعيد نفسه مرتين، مرة على شكل مأساة ومرة على شكل مهزلة"، أفكر في عظمة المقولة وكمّ الإلهام الذي كان يعايشه وقت قوله هذه المقولة، هذه المقولة نعايشها بالأمس واليوم وسنعايشها غداً، لأنه بالإمكان إسقاطها على أغلب الحالات الاجتماعية والتاريخية والسياسية، التي ستصبح مشهداً مكرراً بشكل دائم.

المأساة

حينما قالت ملكة فرنسا ماري أنطوانيت (1774-1792) لشبعها الذي يعاني من المجاعة ويطالب بأبسط حقوقه بتوفير الخبز: "إذا لم يكن هناك خبزٌ للفقراء، دعهم يأكلون كعكاً"، وحدث على إثرها الحدث العظيم، ألا وهو اندلاع الثورة الفرنسية، التي غيرت وجه البشرية قاطبة، بإسقاطها حكم الطبقة البرجوازية، ووصول الثوار لسدة الحكم وبداية عصر الجمهوريات، كانت في معزل تام عن الشعب، وكانت سلسلة العائلة الحاكمة لا تفقه ما هو معنى الجوع أساساً، ولا معنى صعوبة توفير الطحين وخبز الخبز أو الكعك.

مرة أخرى تكرر التاريخ بشكل مأساة حقيقية، حينما أعلن الزعيم الشيوعي الصيني ماو تسي تونغ (1893-1976) الثورة الزراعية والصناعية في الصين، عاشت بعدها الصين أكبر مأساة إنسانية على الإطلاق، تمثلت في حدوث مجاعة قضى على إثرها قرابة 45 مليون إنسان، في حين كانت تصل التقارير للزعيم الصيني أن الثورة الزراعية حققت أهدافها، وأن الشعب الصيني في غاية السعادة والهناء ورغد العيش من عوائد ثورة الزعيم القائد.

المهزلة

المهزلة حينما يتكرر الحدث للمرة الثانية، وقتما عانت وتعاني سوريا الأسد من تبعات دكتاتورية الأسد حينما سلّم الأرض السورية المقدسة وشعبها الكريم للأرمادا العسكرية الروسية، تُدمر وتقتل وتشرّد وتُهجّر كل من وقف أمامها وعارض وجودها، أو لميليشيات إيرانية تحمل حقداً دفيناً على سكان هذه الأرض الطاهرة، وبينما بدأت تظهر على الأرض تبِعات قانون قيصر للعقوبات الأمريكي، وبدأت الليرة تصبح مجرد أوراق فقط، ويصل التضخم في أسعار السلع الغذائية حتى 2000‎% ‎، مقارنة بأسعار عام 2011، خرج الأسد مع صحفيين قبل 6 أشهر، متحدثاً عن الأزمة الاقتصادية الخانقة للبلاد، وحينما سئل من أحد الصحفيين عن تدابير الدولة لمكافحة هذه الأزمة، ردّ الطاغية بأنه "يتوجب على القنوات المحلية التوقف عن بث برامج الطبخ حتى لا تصيب شيئاً من أنفس السوريين الجائعين"، في مقال نُشر على صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية عن هذا الاجتماع.

كنت أتساءل دائماً كيف للقادة والرؤساء الإدلاء بتصريحات كهذه تُبين مدى سطحيتهم وضحالة تفكيرهم، وتوضح بشكل لا شك فيه أنهم معزولون تماماً عن الشعب، وعن الواقع المرير، المجاعة التي تهدد سوريا لا يمكن وصفها وسط دمار البنية التحتية السكانية والزراعية والصناعية، وحتى ما ذكرته من مثالين قبل المثال السوري كانا في دول مستقرة في بنيتها التحتية على الأقل، بصرف النظر عن سوء الإدارة.

الرئيس أو الحاكم يصبح معزولاً بالفعل بواسطة هذه البطانة من القطط السمان، التي تضعه على بداية طريق الوهم فيتعمق فيها حتى يصبح الرجوع عن الوهم أمراً مستحيلاً، الإعلام والميديا ومواقع التواصل الاجتماعي والجيوش الإلكترونية، بإمكانها أن تجعل من الحاكم نمراً من ورق، يمر بالطرقات فتخضرّ وتُزهر، ويمر بالدمار فيُعَمَّر ويُخاطب الشعب عن الطعام فيشبع!

مستشارو الصدفة ومن يتتبعون الحاكم لا الهدف ولا القضية يتمترسون خلف مصالحهم، ويقرأون الواقع من منظارهم لإبقاء الحاكم على كرسي الحكم، بشرط أن يبقوا في دائرة الضوء ينتفعون بالصلاحيات، حتى يضيع الجمل بما حمل يوم لا ينفع الندم.

من لا يعيش معاناة الفقراء وآلام المساكين لا يستحق أن يتولى الحكم من الأساس، ومن لا يجد الحلول للمشكلات فما الفرق بينه وبين الكرسي الذي يجلس عليه من حيث الفعل، ومن يستمع لحديث التطبيل والتهليل والإطراء فسوف ينتهي به المطاف لمصير أنطوانيت أو غيرها، ممن خلدهم التاريخ في صفحات الطغاة التافهين.

إن تفاقم المجاعات والأمراض لا يقاس بمعادلة خطية ثابتة، ولكنها تأخذ تأثير المعادلة الأُسية لتجد أن الأرقام كل يوم تتضاعف ربما بمقدار عشرات المرات، في سوريا سيصبح الهرم والضعف والجوع مصاباً عاماً، أدى بالسوريين للتخلي عن بروتينات اللحوم، وحتى البيض، واستعاضتها بالفيتامينات حتى لا تنهار الأبدان، سيجعل من المجتمع ينهار ما بين السطو والابتزاز والاستغلال؛ بحثاً عن المأكل والمشرب، والأسد ينظر مِن عَليائه يستمع أغاني التمجيد وكلمات الإطراء، وأن هذه مجرد أزمة وستمُر، وأنه مع شعبه سيجتازون هذه المرحلة بصمودهم وتكاتفهم وتعاضدهم، وإن اختلفت بطون الشعب الفارغة عن بطون من هم في بلاط الرئاسة المليء بما لذّ وطاب.

الرئيس المحبوس

في كل البلدان، وفي بلدي ليبيا أيضاً توجد نفس الفكرة ونفس الثقافة، فصناعة الجمهور الوهمي تجعل الرئيس حبيس ما صنع، حينما لا تجوع فلا تعمل، وإذا كانت خزانتك مملوءة فلن تفكر في خزانة الآخرين، لكن مقابل هذا الارتفاع الشاهق هنا سقوط سريع بمعادلة أُسية أيضاً، لتصاب بمصاب العزلة، وتجد أن كل ما عملت أصبح في لحظةٍ هباءً منثوراً، فلا جيوش إلكترونية تدافع، ولا مقاولون على قنوات يؤازرون، ومن هو في السلطة قريب من القلب، فالأغلبية تريد تسلّق السُّلم الجاهز وإن كان غير متزن، ويفضلونه على إنشاء سلم جديد للوصول لسقف أحلامهم، "إنه النفاق يا هند"، مقولة تُنسب لعبد الله بن سلول، كبير المنافقين في المدينة، تكرّرت بالأمس وتتكرر اليوم وستتكرر غداً.

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

عبدالعزيز الغناي
محلل سياسي ومهتم بالشأن العربي والإقليمي
طالب دراسات عليا قسم إدارة مشروعات هندسية، مواليد 1987 مدينة مصراتة في ليبيا، حالياً أعمل كمهندس مدني، كاتب مهتم بالشأن العام، شاركتُ كمستشار لفريق صياغة الاتفاق السياسي الليبي الموقع في الصخيرات عن مدينة مصراتة.
تحميل المزيد