قبل سبعة أشهر أعلن وزير الاتصال الناطق الرسمي باسم الحكومة في الجزائر عن إطلاق قناة تلفزيونية دولية في مستوى القنوات الإخبارية العالمية بهدف تحسين صورة الجزائر، على حد قوله، لكن بمجرد الإعلان عن شعار القناة اكتشف الجزائريون أنه يشبه شعار القناة الاسرائيلية الناطقة بالعربية، وقناة فرانس 24 مما أثار جدلاً في الأوساط المهنية وحتى الشعبية التي راحت تتساءل بالمناسبة عن طبيعة هذه القناة وشكلها ومحتواها والجدوى من إطلاقها في وقت تعاني القنوات العمومية الثماني من صعوبات ومتاعب كبيرة، ويتجه العالم نحو الاستثمار في الصحافة الإلكترونية التي صارت أكثر فاعلية وأقل كلفة من قناة تلفزيونية إخبارية وسط فضاء إعلامي محلي يوصف بالتعيس، وآخر إقليمي ودولي تصعب منافسته .
صحيح أن بلداً بحجم الجزائر الذي يواجه اليوم تحديات كبيرة بحاجة إلى مرافق إعلامية عمومية وخاصة، محلية ودولية، تنقل وتنشر صوت وصورة الجزائر المغيبتين منذ زمن بعيد، لكن مشروع القناة الدولية لم تتضح معالمه وتفاصيله وأهدافه وإمكانياته، وهل سيكون بالعربية فقط أم بلغات أجنبية؟ هل سيكون منبراً للساسة والأكاديميين الجزائريين، أم مجرد قناة عمومية تاسعة لا تختلف عن سابقاتها؟ هل ستوظف إعلاميين ومراسلين أجانب مثل القنوات العربية حتى نعتبرها دولية، أم ستكون دولية بكوادر محلية فقط؟ هل سيكون خطها السياسي والإعلامي دولياً فعلاً يعبر عن مواقف الجزائر من القضايا الدولية، أم نسخة طبق الأصل للقنوات العمومية والخاصة الحالية؟ وهل ستكون موجهة للداخل أم الخارج، أو لكليهما في نفس الوقت؟ وهل ستكون قناة تعطي الأولوية للخبر الدولي أم قناة تعطي الأولوية للخبر سواء كان محلياً أو دولياً؟
أسئلة كثيرة تطرح لا نجد لها جواباً حالياً علماً أن القناة التلفزيونية هي مشروع إعلامي له أهداف، تحتاج إلى توفير إمكانيات بشرية ومادية، في مستوى الاستراتيجية المرسومة لتحقيق الغاية المرجوة، كما أنها مزيج بين شكل ومحتوى يجب أن يكون متميزاً يتم التحضير له من كل الجوانب دون تسرع لأجل إرضاء صاحب القرار مثلما حدث مع الشعار، وحدث من قبل مع القناة الإذاعية الدولية التي تم إطلاقها منذ ما يقارب العقدين من الزمن، تبث بأربع لغات ولا يسمع بها سوى القليل لأنها ركزت على الخبر المحلي وصارت نسخة من القناة الإذاعية الوطنية الرسمية رغم أنها لا تستدعي موارد مالية كتلك التي تتطلبها قناة تلفزيونية دولية، خاصة إذا كانت مستقلة إدارياً ومالياً عن المؤسسة العمومية للتلفزيون التي تحتاج بدورها إلى إعادة هيكلة عميقة وموارد مالية كبيرة لمواجهة التحديات.
إطلاق قناة تلفزيونية إخبارية يتطلب توفير كوادر وموارد بشرية ومادية وتقنية كبيرة، يحتاج إلى ميزانية أولية لا تقل عن 200 مليون دولار، وميزانية سنوية تفوق السبعين مليوناً لتغطية تكاليف التسيير في ظرف اقتصادي صعب ومناخ سياسي واجتماعي غير مستقر، يحتاج إلى وقت لإعداد تصور وهوية يصنعها مختصون في المجال السمعي بصرياً وليس بقايا صحافيين لا يفقهون شيئاً في مجال التسيير والإبداع الفني والتقني الحديث، ولا في خصوصيات المناخ الإعلامي في الجزائر والعالم، ولا يملكون الخلفية السياسية التي تؤهّلهم لتجسيد مشروع من هذا الحجم سيكون معرضاً للفشل الذريع إذا لم يجمع حوله خيرة المهنيين الذين تزخر بهم الجزائر في الداخل والخارج.
الغموض الذي يكتنف المشروع وطبيعة الجهة المكلفة بإطلاقه وتسييره يبقى أيضاً عاملاً من عوامل الفشل، خاصة إذا كانت هذه الجهة هي التلفزيون العمومي الجزائري الذي يعاني قلة الموارد وانعدام فضاءات تسع أكثر من 4000 موظف، ويعاني عدم الاستقرار وتشابه محتوى القنوات العديدة التي أطلقها تباعاً دون أدنى تحضير ودون إمكانيات مادية وتقنية إضافية، حتى إن الكثير من الجزائريين لا يعرفون أن لديهم قنوات المعرفة والذاكرة والشباب والرياضية التي تأسست دون هيكلة جديدة ولا تصور يسمح للجزائريين بمعرفة رصيدهم الفكري والثقافي والحضاري والديني، ويسمح باستقطاب السياح والاستثمارات الأجنبية، ولا حتى استقطاب الجالية الجزائرية المقدرة بالملايين فى المهجر.
أما السؤال الكبير الذي يستحق الطرح فهو: هل نحن بحاجة إلى قناة إخبارية دولية، أم إلى تحسين شكل ومضمون القنوات العمومية والخاصة، وتهيئة الظروف لإعادة رسم الخريطة الإعلامية في الجزائر لاستقطاب المشاهد الجزائري أولاً قبل الأجنبي الذي لم يعد بحاجة إلى مزيد من القنوات الإخبارية العربية التي صارت نسخة طبق الأصل من بعضها البعض، غالبيتها فاقدة للمصداقية بعدما تحولت إلى منابر لتمجيد الحكام وتبرير التطبيع، عوض أن تكون إخبارية فعلاً، تكرس الحرية والديمقراطية وتفسح المجال للساسة والأكاديميين لمناقشة الأفكار وشؤون الحياة في أوساط شعوبنا التي لجأت إلى وسائط التواصل الاجتماعي للتعبير عن آرائها ومواقفها وممارسة حريتها.
قد تكون القناة الإخبارية الجزائرية الدولية ضرورية في الوقت الراهن لتحقيق أهداف استراتيجية لبلد بحاجة إلى مرافقة إعلامية محترفة، لكن بشرط أن تكون قناة عالمية مستقلة إدارياً ومالياً عن إدارة التلفزيون العمومي، تتوفر على كل الإمكانيات المادية الضرورية، تشرف عليها كفاءات جزائرية بمساهمة كفاءات أخرى أجنبية تضفي عليها الطابع المهني الدولي؛ حتى تكون ذات فاعلية ومصداقية وليس مجرد قناة تلفزيونية تسيء للجزائر أكثر مما تخدمها..
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.