لعلّ وزير الإعلام جورج قرداحي هو من الوزراء القلائل في حكومة الرئيس نجيب ميقاتي الجديدة، الذين جاءت حقائبهم الوزارية مرتبطة بخبرتهم العمليّة في حياتهم المهنيّة.. وهذا ما ترك ارتياحاً في الوسط الإعلامي. ورغم الأزمتين الماليّة والاقتصاديّة التي يواجهها لبنان، الأمر الذي يعيق كثيراً من مشاريع التطوير، لكن ما يعانيه القطاع الإعلامي في لبنان ليس مالياً فقط، بل ثمة ملفات إعلاميّة بنيويّة تتطلب دراسات متخصصة وقرارات حاسمة.. وهذا ما نأمل من معالي وزير الإعلام الجديد أن يوفق في إنجازه -وهو الخبير بملفه- في هذه الفترة القصيرة من عمر الحكومة العتيدة.
وسأورد هنا بعض هذه الملفات التي أرى معالجتها ضرورة أساسيّة في القطاع الإعلامي:
1- يعاني لبنان انقساماً سياسيّاً وطائفيّاً حادّاً يضرب بعمقه مؤسسات المجتمع، وفي مقدّمها وسائل الإعلام. ورغم التجربة الإعلاميّة الرائدة في لبنان، لا زال الإعلام اللبناني حتى اليوم أسير الانقسامات السياسيّة والطائفيّة، بسبب ملكيّة معظم تلك الوسائل للأحزاب والقوى السياسية.. فهي تعمل على تحقيق المصالح السياسيّة الخاصة بتلك الأحزاب، بدل أن تلعب دوراً محورياً في تعزيز المواطنة وتوعية الجمهور لتغليب مصلحة الوطن على الولاء للزعيم أو الحزب أو الطائفة. ورغم أنّ المشرّع لحظ عند صياغة القوانين إجراءات تبعد المؤسسة الإعلاميّة عن الخطاب الآحادي الطائفي أو السياسي، لكن مشكلتنا في لبنان ليست في القوانين بل في الممارسة.. وبالتالي نجد أنّ وسائل الإعلام تساهم في زيادة الانقسام اللبناني.
2- أيضاً في الرسالة الإعلاميّة، نصّت جميع القوانين والمواثيق المتعلقة بالإعلام في لبنان على تجنّب كل ما يثير النعرات الطائفيّة، تحصيناً للمجتمع اللبناني المتنوّع طائفياً ومذهبياً.. لكنّ العديد من وسائل الإعلام يقع في هذا المحظور. هذه النقطة والتي قبلها تتطلبان تفعيل دور "المجلس الوطني للإعلام" المكلّف بمراقبة أداء الإعلام المرئي والمسموع. وهذا المجلس حالياً شكليّ لا دور له.
3- يواجه الإعلام التقليدي في لبنان (المكتوب والمسموع والمرئي) تحدّياً كبيراً بسبب تراجع السوق الإعلاني، بفعل الأزمة الاقتصاديّة ومنافسة الإعلام الإلكتروني ومواقع التواصل الاجتماعي.. وهذا ما يدفع الإعلام التقليدي أكثر باتجاه الارتهان السياسي لجهات محليّة أو خارجيّة. ولعل تحصين المؤسسات الإعلاميّة عبر الإعفاء من الرسوم وتنظيم السوق الإعلاني، يساعد في استقلاليّة المؤسسة الإعلاميّة وإغنائها عن الحاجة للتمويل السياسيّ.. وتالياً تبنّي الخطاب الوطني الجامع.
4- شهد الجسم الإعلامي في لبنان في السنة الأخيرة حالة هجرة لافتة إلى الخارج بسبب الأزمة المالية التي تأثرت بها المؤسسات الإعلاميّة بشكل كبير. وما نأمله من معالي وزير الإعلام حماية الجسم الإعلامي وتحصينه، لعدم اضطراره للفرار من بلده والسفر للخارج.
5- يفتقد العاملون في مؤسسات الإعلام المرئي والمسموع في لبنان إطاراً نقابيّاً رسمياً يحميهم من الملاحقات القضائيّة أو الاعتداءات، ويحفظ لهم حقوقهم الوظيفيّة مع مؤسساتهم.
6- لعلّ لبنان هو البلد الوحيد الذي يضمّ نقابتين للإعلام المكتوب بدل النقابة الواحدة، وهما: نقابة المحرّرين (للعاملين في المؤسسات الإعلاميّة المكتوبة)، ونقابة الصحافة (لمالكي الصحف). لكنّ هاتين النقابتين تفتقدان الحيويّة والميزانيّة لأداء الدور المطلوب منهما.
7- لا زال القطاع الإعلامي الإلكتروني في لبنان حتى اليوم يفتقد القوانين التي تنظم عمله، والمرجعيّة التي تشرف على أدائه وتحمي مصالحه.
8- في أول تصريح له، طلب وزير الإعلام المكلّف جورج قرداحي من المؤسسات الإعلاميّة "عدم استضافة السياسييّن والمحلّلين الذين يبشروننا دائماً بالجحيم". وأحسب أنّ أزمتنا الأساسيّة هي في السياسيّين أنفسهم الذين تقاسموا هذه الحكومة، قبل أن تكون أزمة إعلام. نأمل ألا يكون هذا التصريح مؤشراً لخطة معاليه الإعلاميّة. فالحرّيات (المنضبطة) أهمّ ما يميّز لبنان. نريد أن نحافظ على الحريات، مع التزام المؤسسات الإعلاميّة بالمسؤوليّة الاجتماعيّة.
نستبشر بوزير الإعلام الجديد خيراً وهو البارع الضليع، ونأمل أن يوفق في معالجة هذه الملفات.
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.