أثار مشهد القطيعة الدبلوماسية بين الجزائر وجارتها الغربية عاصفة من القراءات والتساؤلات العديدة تمحوّر جلها حول الأسباب الحقيقية وراء إصدار الخارجية الجزائرية قرار قطع العلاقات الدبلوماسية مع المغرب، وانقسمت آراء المراقبين بين مؤيد لقطع العلاقات بين البلدين ويعده عين الصواب، وبين ممانع له ويراه خطيراً نظراً لحساسية التوقيت والظرف.
وصف بيان الخارجية الجزائرية ممارسات المغرب تجاه الجزائر بـ"الأعمال العدائية" التي دفعت العلاقات إلى طريق مسدود، ورافق البيان ذكر وزير الخارجية الجزائري السيد رمطان لعمامرة الدوافع الحقيقية المؤدية للقطيعة بين البلدين. جاء رد الرباط في هذا الشأن باعتبار الخطوة غير مقنعة ومبرراتها واهية.
لذلك خصصنا هذا المقال للإشارة إلى بعض الجزئيات المهمة التي نراها تستدعي تسليط الضوء عليها بكل موضوعية لما لها من دور في رفع اللبس عن الضمير المستتر وراء حقيقة التجاذبات بين البلدين.
خلافات قائمة منذ عقود
في نظرة فاحصة لتاريخ العلاقات الجزائرية – المغربية نستخلص أن حالة التوتر بين المغرب والجزائر لم تكن وليدة اليوم وإنما لها امتداد تاريخي، حرب الرمال في أكتوبر/تشرين الأول من عام 1963 أهم فصولها، وخلفية النزاع حول قضية الصحراء الغربية في مارس/آذار 1976 أبرز محطاتها، كما جاء قرار المغرب بغلق الحدود في عام 1994 بعد اتهام الجزائر بضلوعها في "أحداث مراكش" بمثابة آخر منعطف في مسار العلاقات الأخوية بين البلدين.
لتستقر العلاقات بعد ذلك على نوع من البرود ما لبث أن تحول إلى صراع محتدم بين الجارتين في عام 2020، عقب إعلان ترامب خطته للسلام في الشرق الأوسط أو ما يعرف بصفقة القرن، والذي اقترن بهرولة العديد من الأنظمة العربية الحاكمة إلى التطبيع مع الكيان الصهيوني وكان من ضمن الدول المطبعة آنذاك المغرب بعدما حصل على اعتراف أمريكي بسيادته على الصحراء الغربية.
هجمة إعلامية ضد الجزائر
بعد أن رفع الملك محمد السادس السرية عن مشروع تطبيع والده الملك الحسن الثاني غير المعلن، أطلق النظام المغربي حملة إعلامية شعواء ضد الجزائر وباشر في توظيف الآلة الإعلامية المغربية لتشويه رموز الدولة الجزائرية، وبث الادعاءات المغرضة، ورمي الدولة الجارة بتهم جزافية، في صورة من صور التحامل على الجزائر متحججاً في ذلك بدعمها للقضية الصحراوية ومساندتها للشعب الصحراوي في حق تقرير مصيره.
اعتمد النظام المغربي بشكل كبير على الهجوم على الجزائر لتوجيه أنظار الرأي العام المغربي عن قضية "التطبيع" المحورية.
اللوبي الصهيوني يؤثر على سياسات المغرب مع الجزائر
حاول النظام المغربي بشتى الأساليب والطرق تغييب حقيقة علاقته مع الكيان الصهيوني. ففضيحة التجسس على شخصيات مدنية وعسكرية جزائرية باستخدام برنامج "بيغاسوس" الإسرائيلي لم تخفت بعد، وهذا كفيل بخلق حالة من انعدام الثقة والتأزم بين البلدين ومن شأنه أن يعكر صفو علاقتهما.
كما أن تصريح وزير الخارجية الصهيوني يائير لابيد المعادي للجزائر من داخل الديار المغربية والذي رافقه عدم رفض النظام المغربي انضمام الكيان الصهيوني للاتحاد الافريقي كمراقب ما هو إلا دليل على تحالف سياسي بين النظام المغربي والكيان الصهيوني. كما أن دعوة ممثل المغرب الدائم لدى الأمم المتحدة للمرة الثانية بانفصال منطقة القبائل عن الجزائر كنوع من التعامل بطريقة الكيل بمكيالين، ورد على دعم الجزائر لاستقلال الصحراء الغربية ما هو إلا تأكيد لما تضمنه بيان وزارة الخارجية الجزائرية بخصوص استهداف المغرب لوحدة الجزائر وأمنها القومي.
بالمقارنة بين موقف الجزائر من القضية الصحراوية وموقف المغرب من دعم انفصال منطقة القبائل، يتراءى لنا أن الموقف الجزائري يتوافق تماماً مع ما أقرته هيئة الأمم المتحدة والتي اعتبرت القضية الصحراوية تصفية للاستعمار وتعتبر الصحراء الغربية آخر مستعمرة إفريقية خاضت أطول النزاعات.
على عكس الموقف المغربي الذي يدعم حركات انفصالية في الجزائر بالرغم من أن استقلال القبائل ليست بالقضية المدرجة على طاولة الأمم المتحدة ولا تخضع للقوانين الدولية بالإضافة إلى أننا لو قمنا بوضعها في كل السياقات وعلى كل المسارات، جغرافية، أو تاريخية أو سياسية كانت، يتأكد لنا بشكل دقيق جزائرية منطقة القبائل.
دور الكيان الصهيوني في هندسة واقع الشعوب المغاربية
لا يخفى على الجميع أن القوى المتحكمة بقواعد اللعبة السياسية العالمية قد وجهت أنظارها إلى منطقة شمال إفريقيا بغرض تغيير الخارطة الجيوسياسية العالمية، وتصبو إلى فرض هيمنتها في المنطقة وبسط نفوذها على الشعوب المغاربية لتجسيد مشاريعها الكبرى.
تندرج مساعي هذه القوى السياسية في إطار التأسيس لنظام عالمي جديد يكون فيه البقاء للقوي وبسط السلطة للأقوى.
وتواجد الكيان الصهيوني في المغرب والذي رافقه تصريح وزير خارجيته المعادي للجزائر ما هو إلا بداية سلسلة الاستفزازات لخلق البلبلة والتشويش على جهود الجزائر الحثيثة في سبيل تحقيق اتحاد الدول المغاربية وخلق موازين القوى في المنطقة.
بالعودة إلى جملة تصريحات مسؤولين مغاربة ووزير الخارجية الصهيوني لابيد يلاحظ من يستقرئ المتغيرات والمجريات السياسية بعمق أن سياسة النظام المغربي تجاه الجزائر عدائية تستهدف استقرار البلد وتشكل تهديداً حقيقياً على أمنه القومي.
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.