الإعلان عن رحيل ميسي من البرسا صنع الحدث لأيام في الأوساط الجماهيرية ووسائل الإعلام العالمية؛ لأنه ميسي الذي لم يكن يتوقع أحد أن يرحل بذلك الشكل وتلك الكيفية، أما انتقاله إلى البياسجي بعد ذلك فقد شكل حدثاً آخر تناقلته المواقع وشاشات التلفزيون، واهتزت له فرنسا كلها التي راحت تتهافت على قميصه الذي نفد من محلات النادي في بضع ساعات، إلى غاية بداية ظهور تسريبات عن رغبة رونالدو في مغادرة اليوفي، ربطته بالسيتي في البداية قبل أن يدخل فريقه السابق مانشستر يونايتد على الخط ويستعيد أحد أساطيره، لتتحول قِبلة الجماهير والإعلاميين من ميسي إلى رونالدو، ومن باريس إلى مدينة مانشستر، التي اهتزت بدورها على وقع صفقة أخرى لم تكن متوقعة، وصفت بأنها الأفضل في تاريخ المان يونايتد منذ صفقة انتقال رونالدو إلى المان قادماً من سبورتينغ لشبونة، ليصبح القميص الجديد لرونالدو نادراً بعدما نفد في المحلات في ظرف ساعات.
البعض تحدث عن إزاحة رونالدو لميسي عن الواجهة في ظرف وجيز، بعد أن خطف منه الأضواء، وتفاعلت معه الجماهير بشكل جنوني، وحطم الرقم القياسي في مبيعات القميص رقم سبعة بألوان المان يونايتد؛ لدرجة نفدت كل الأقمصة ولم تعد متوفرة في السوق لأن شركات الإنتاج في آسيا لم تكن مهيأة، بل كانت شبه مغلقة في الفترة الأخيرة بسبب الإجراءات الاحترازية المفروضة على المصانع نتيجة تفشي وباء كورونا، كما أن شعبية الفريق الإنجليزي عبر العالم، مقارنة بالبياسجي صنعت الفارق من حيث التجاوب الجماهيري وتسويق القميصين في العالم، لدرجة مكَّنت إدارة المان من استعادة الأموال التي أنفقتها من أجل استقدام رونالدو في ظرف ساعات، بينما يتطلب الأمر وقتاً أطول لتعويض تكاليف استقدام ميسي من طرف الفريق الباريسي.
الصراع الثنائي بين النجمين الذي دام سنوات في بطولة الليغا، واستمر بعد رحيل رونالدو إلى اليوفي، يبدو أنه لن يتوقف حتى ولو كان عن بعد برحيل ميسي عن البارسا والتحاق رونالدو بالمان يونايتد، بحكم شعبيتهما الجارفة ومهارتهما الكبيرة التي لا تزال تصنع الفارق وتخلف تداعيات مالية وتجارية، وفنية على فريقيهما السابقين والحاليين، حتى إن اليوفي خسر مباراته الثانية في الدوري أمام إمبولي على ميدانه واضطر مدربه ماسيميليانو أليغري إلى الإعلان عن إعادة النظر في منظومة اللعب من دون رونالدو، دون الحديث عن الخسائر المالية الناجمة عن رحيل صاحب القميص الأكثر مبيعاً في إيطاليا طيلة المواسم الثلاثة الماضية، ودون إغفال المبلغ المالي الذي رحل مقابله، والذي لم يتعدَّ 30 مليون جنيه إسترليني بعدما استقدمه من الريال بمبلغ 100 مليون يورو..
أما البرسا فإن أموره لم تعُد تسر الكاتالونيين الذين ما زالوا تحت وطأة الصدمة لرحيل أسطورتهم في غمضة عين، ليجد الفريق نفسه يشبه أي فريق في إسبانيا، دون نجم يقوده ويكون مصدر دخل له في ظل الأزمة المالية الخانقة التي فرضت عليه تخفيض رواتب الكوادر والاستغناء عن غريزمان للتخلص من راتبه المرتفع ومردوده المتواضع مقارنة بالمبلغ المالي الذي أنفقه من أجل استقدامه، في انتظار الانعكاسات الفنية على أداء ونتائج النادي الذي يحتاج إلى الوقت والجهد والمال لإعادة بناء فريق البطولات والألقاب حول نجم آخر أو نجوم جدد لا يتوفر عليهم البرسا اليوم، ولا يقدر على استقدامهم في سوق انتقالات لم يعد يقدر على دخوله سوى تشيلسي، والمان سيتي والبياسجي، وبدرجة أقل المان يونايتد والبايرن وربما الريال والأتلتيكو.
بالمقابل صنع انتقال ميسي إلى فرنسا الحدث الأكبر في تاريخ الكرة الفرنسية بعدما استقدم نجماً لم يكن يتصوره أحد في الدوري الفرنسي، الذي تحول بدوره إلى قبلة الكثير من عشاق الكرة في أوروبا وإفريقيا وآسيا، وتحول قميص البياسجي إلى ماركة عالمية يقتنيها الصغار والكبار في كل مكان، دون الحديث عن التأثيرات الاقتصادية والعوائد المالية التي سيجنيها الفريق جراء عقود الإشهار مع المعلنين والمستثمرين الجدد في نادٍ صار المرشح رقم واحد للفوز بدوري الأبطال؛ خاصة بعدما تمكن من الاحتفاظ بنجمه الآخر كيليان إمبابي على الأقل لموسم آخر، رغم تضييعه لمبلغ 200 مليون يورو التي عرضها الريال من أجل الاستفادة من خدماته.
أما في إنجلترا فقد خطفت عودة رونالدو إلى المان الأضواء من انتقال ميسي إلى البياسجي رغم تقدمه في السن، ورغم عدم حاجة الفريق له من الناحية الفنية؛ حيث احتل المركز الثاني الموسم الماضي، وعزز صفوفه بجيد سانشو مهاجم دورتموند، ومدافع الريال رافائيل فاران، ويضم في صفوفه راشفورد، غرينوود وبرونو فرنانديز وبوغبا، ودفاع متين يقوده هاري ماغواير، لكنه لم يتردد في انتداب رونالدو اللاعب والعلامة التجارية والأسطورة وإعادته إلى بيته الذي اشتهر فيه وصنع فيه اسماً صار على كل لسان ولا يزال، ما دام يسجل الأهداف ويحقق الألقاب ويحطم الأرقام القياسية التاريخية أينما حل وارتحل، ويضفي على الدوري الإنجليزي قوة وإثارة إضافية.
لقد أخطأ من كان يعتقد أن رحيل رونالدو عن الليغا أنهى الصراع بين الأسطورتين، ومخطئ اليوم من يعتقد أن الثنائي انتهى برحيل الأول عن البارسا والتحاق الثاني بالمان، لأننا سنعيش حلقة جديدة من مسلسل قد يتواصل بعد سنتين بالتحاقهما بالدوري الأمريكي، أو ربما بإنهاء مشوارهما في نفس النادي؛ وهو الحلم الذي يتمناه كل عاشق لميسي ورونالدو والمتعة الكروية، حتى لا يقال بأن أحدهما أزاح الثاني عن الواجهة..
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.