"كيليان أديسانمي مبابي"، هو الاسم الكامل الذي لا يعرفه كثيرون عن الغزال الفرنسي الجديد مبابي، كيليان المعجزة أو الصاروخ الذي تحوّل إلى مكوك وصل لفضاء كرة القدم بعدما قدم أداءً أقل ما يقال عنه إنه إعجاز في سن التاسعة عشرة، وحصد جائزة أفضل لاعب شاب في بطولة كأس العالم 2018 بعدما سجل هدفاً في المباراة النهائية أمام كرواتيا وهدفه الرابع في البطولة.
تلك كانت القشة التي أشعلت الحريق بصاروخ مبابي في الكرة العالمية، هذه البداية أثبتت موهبة الفرنسي في بطولة كانت عُقدة لأعظم لاعبي الكرة في العالم.
نشأة في حيٍّ مليء بالجريمة
ولكن ما لا يعرفه الجميع أيضاً هو أن هذا القصير ليس كما يظنه البعض نشأ في حياة مرفهة في فرنسا، بل نشأ في حي أؤكد أنك ستكره يوم ولادتك عندما تجد خروجك إلى الدنيا في هذا المكان.
نشأ في ضاحية باريس (بوندي)، وإن كنت متابعاً للأخبار العالمية ستتذكر أنه في عام 2005 وقع هناك عدد من أعمال الشغب واحتراق مبانٍ وسيارات، وهذا ما اعتاد عليه أهل هذا الحي الذي اشتهر بالعنف، فلم يحظَ بطفولة هادئة، وربما هذا ما سبب هذه السرعة الهائلة له في الملعب!
ولد كيليان لعائلة رياضية، لأب فرنسي كان مدرباً لكرة القدم، وأم جزائرية هي لاعبة كرة اليد فايزة العماري؛ لذلك خرج شخصاً يعشق الرياضة كما يعشق الحياة، ورغم هذا الحي الخطير خرج مبابي الصغير من غرفته المليئة بصور قدوته كريستيانو رونالدو، وهو يداعب كرة القدم في أزقة الحي حتى يأتي المساء فيعود ليستخدم كرته كوسادة، كي لا يضيع وقتاً للبحث عنها في صباح اليوم التالي.
حتى والده المدرب الرياضي الذي كان مؤمناً بموهبة ابنه وراهن على محاربة العالم لوصوله إلى أعلى منصات كرة القدم، قال في لقاء سابق: "كان كيليان أكثر من شغوف؛ أعتقد أنه مجنون، حبه لذلك جعلني أشعر بالانزعاج في الماضي حتى وأنا مدرب كرة قدم، كان يقضي يومه في مشاهدة حتى 4 مباريات متتالية".
انضم كيليان إلى نادي إي سي بوندي وساعدهم في حصاد جميع البطولات تقريباً! حتى إن مدربه عبر عن ذلك بأن "كيليان كان أفضل لاعب رآه في حياته طوال 15 عاماً كان يدرب فيها الأطفال".
طلبه زيدان وهو في عمر الـ14
عندما بلغ مبابي عمر الـ14 طلبه ريال مدريد وذهب للاختبارات وكان مدرب الناشئين في ذلك الوقت زيدان، حيث طلب من بيريز ضمه ولكن تم صرف النظر عن التعاقد معه في ذلك الوقت؛ نظراً لانشغال زيدان بالانضمام للجهاز الفني لمدريد كمساعد أول للفريق الأول.
وبعدها ظل كيليان في رحلة طويلة بين الأندية الأوربية ومنها تشيلسي الذي شارك في بعض المباريات وقدم أداءً مذهلاً، إلا أنه لم يتلقَّ أي مكالمة من نادي تشيلسي مما أصابه بخيبة الأمل.
بعد هذه الرحلة الطويلة استقر كيليان في موناكو بعقد احترافي جعل العائلة كلها تشعر بالفخر، لكنها كانت أشبه بالفرحة الخادعة حينما وجد كيليان وقتاً قليلاً جداً للعب في كل مباراة، مما أعاد له خيبة أمل كبيرة جعلت والده ينفجر ويعلن أن ابنه سيغادر الفريق إذا لم يأخذ فرصة جديدة.
وفجأةً شارك مبابي في مباراة ضد مونبيليه حيث تفجرت مهاراته في تلك المباراة، وأنهى هذا الدوري بستة وعشرين هدفاً في موسم 2016/17 مع الفوز بالدوري مع نادي موناكو متفوقاً على باريس المهيمن الأول على فرنسا.
ليعلن باريس انضمام مبابي كثاني أغلى صفقة في تاريخ كرة القدم بمبلغ 145 مليون يورو!
وهنا كانت ذروة مبابي الذي صال وجال بأهداف وصناعة جعلته يأكل جبال فرنسا الخضراء.
3 منتخبات تريده
قبل أن يصل إلى 17 عاماً حدث سباق بين منتخبات الجزائر والكاميرون وفرنسا للحصول على مبابي في منتخب اللاعبين أقل من 17 عاماً، قبل أن يحسم مبابي قراره بتمثيل المنتخب الفرنسي.
وأعلن المنتخب الفرنسي ضمه في التشكيل الذي سيذهب إلى روسيا في كأس العالم 2018. وذهب كيليان ليكون أصغر لاعب في تاريخ فرنسا يسجل في كأس العالم، وثاني أصغر لاعب بعد الأسطورة بيليه يحرز هدفاً في المباراة النهائية، ويرفع مبابي كأس الذهب، ويعيش الشعب الفرنسي فخوراً بابن ضواحي باريس الذي حمل المنتخب على كتفيه رغم صغر سنه.
وتُرسم لافتات الجرافيتي على حوائط باريس ويأخذ جائزة أفضل لاعب فرنسي ويدخل في تشكيلة الحلم لكأس العالم، ويأخذ أفضل لاعب شاب في البطولة حتى إنه حصل على المركز الرابع في جائزة أفضل لاعب في العالم والكرة الذهبية في ذلك العام.
نظرة نحو المستقبل
ولكن هل تلك المسيرة الضخمة هي كل ما يبحث عنه الولد الطموح؟ بقيت في القلب غُصّة لا تكاد تفارق ذهن الفرنسي وهي بطولة دوري أبطال أوروبا، التي فشل حتى الآن في تحقيقها مع الفريق الباريسي رغم وصوله للنهائي في آخر نسخة.
عطشه للمجد وطمعه في المزيد هو ما جعله يبدأ في طلب الرحيل حسب بعض التقارير، أملاً في الذهاب إلى ريال مدريد، النادي الذي لعب فيه زيدان وكريستيانو اللذان كانا في وقت من الأوقات ملهمين بالنسبة له.
ولكن ناصر الخليفي، مالك نادي باريس، ما زال يحاول التمسك به بكل ما يمكن؛ إذ يرى فيه مستقبلاً واعداً للنادي ولكرة القدم، حيث إنه بعد صفقة القرن بمجيء ميسي طمع في بقاء مبابي بعد الصفقات الجديدة وقوة التشكيلة الباريسية قائلا: "مبابي قال سابقاً إنه يريد فريقاً تنافسياً، والآن لن نجد فريقاً أكثر تنافسية من الفريق اليوم، لم تعد هنالك أعذار لفعل أي شيء سوى البقاء".
ولكن مع آخر الأخبار لم يعد مدريد يطيق الانتظار حتى الصيف للحصول على كيليان بشكل مجاني، وأشارت بعض التقارير الفرنسية إلى وجود مفاوضات رسمية بين باريس والريال بعدما حسم كيليان أمره بالذهاب.
وهذا قد يراه البعض غريباً، لكن هذه العقلية من اللاعبين أمثال مبابي لا يمكنك إغراؤهم بفريق الأحلام ولا حتى بوجود الليو.
هذا النوع يريد دائماً أن يكون الشخص البطل الأوحد لجماهير فريقه، أن يكون رقم واحد دائماً؛ لذلك لن يقبل بوجوده كرقم ثلاثة.
يبقى السؤال أنه في الوضع السيئ لريال مدريد في الوقت الحالي هل سيستطيع حمل الفريق وتحقيق حلمه بدوري الأبطال؟ فالوضع الحالي للفرق الإسبانية بشكل عام سيئ لم يسبق له مثيل. فإن كان كيليان يطمح في هذا للقريب العاجل فهذا مما لا يمكن التنبؤ به كثيراً.
ولكن دائماً الناحتون في الصخر من الصغر لا يشبعهم بعض المال والمجد الزائف ويعشقون التحديات مهما كانت النتائج؛ لذلك فمهما خبأ المستقبل لكيليان فالقادم من تلك القصة بالتأكيد سيكون تاريخياً.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: opinions@arabicpost.net
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.