لم أكن أنتبه كثيراً له، فقط أعلم أنه فنان يمتلك صوتاً جميلاً، وخلفية فنية هي الأقوى على الإطلاق، لكنني ببساطة لا أراه كما لا يراه الكثيرون، فلا ألبومات جديدة، ولا ظهور إلا نادراً، ولا أحداث تخصه تُذكر.
فجأة صار إيمان البحر درويش "ترند" عبر مواقع التواصل الاجتماعي، وقنوات التلفزيون، متهماً بالخرف واليأس والإحباط تارةً، وبالعمالة والخيانة تارةً أخرى، وبين هذا وذاك ظل هو يُكرر بمناسبة ومن دون مناسبة "ولكن أكثر الناس للحق كارهون".
الفنان الذي قدّم أعمالاً شهيرة تمثيلاً وغناء مثل مسلسل "حبيبي الذي لا أعرفه"، وأفلاماً منها "طير في السما"، و"لقاء في شهر العسل"، و "تزوير في أوراق رسمية"، و"زمن الممنوع"، فضلاً عن عدد من المسرحيات- صارت قواه العقلية محلاً للحكم من الناس هل هي كاملة أم لا.
كيف عارض رغبة والده؟
كثيراً ما واجه إيمان البحر درويش، المولود في 18 مارس/آذار 1955، سخرية من اسمه، الحقيقة أن الاسم من اختيار والده، الرجل الذي قرر أن يسمي مولوده إيمان، سواء كان ذكراً أم أنثى، نظراً لإيمانه الشديد في هذه الفترة بفكرة الإيمان، الذي يتحقق من بعده أي شيء مهما كان صعباً أو غريباً، المهم أن يؤمن المرء حقاً بما يريد.
الفنان الذي ينتمي إلى برج الحوت رفض والده أن يلتحق نجله بالفن، يقول: "أبويا عانى من الفن زي ما أنا عانيت منه، قالي خد شهادتك واعمل اللي أنت عايزه، بصراحة كنت عايز أثبت إن سيد درويش يقدر يواكب الزمن"، وبينما كان بقية أشقائه يفضلون النوم والراحة كان له شقيق يصر على المذاكرة حتى ساعة متأخرة، ما أثار شغف إيمان الذي راح بدوره يستذكر دروسه حتى التحق بكلية الهندسة، وهناك كان واحداً من بين عشر فتيات يحملن اسم إيمان، ما سبّب له حرجاً في أوقات عديدة.
لم يُصدر إيمان ألبومه الأول إلا عقب تخرجه، وقتها رفضه التجار، لكن والدته التي كانت في رحلة حج راحت تدعو له، فالتحق فجأة بفيلم "تزوير في أوراق رسمية"، ومن بعده نجح الألبوم الأول له، ليتهافت عليه من بعدها صناع الأفلام ومنظمو الحفلات، حيث بدا المستقبل واعداً جداً للشاب الوسيم هادئ الملامح عذب الصوت، لينقطع فجأة عام 1991، ويعيد الكثير من الحسابات بشأن نفسه وفنه ومستقبله.
كيف ركب الترند؟
بدأت رحلة إيمان البحر درويش مع الترند في شهر رمضان الماضي، حين ظهر في برنامج العرافة، تحديداً ذلك المقطع الذي انتقد فيه علي الحجار قائلاً "عرفت نيته لما قابلني مرة وقالي أهلاً بالفنان الجميل"، كان إيمان غاضباً حقاً من الكلمة التي اعتبرها إهانة، في الواقع تحولت حلقته إلى "ترند"، وحظي بقدر لا بأس به من السخرية العنيفة، لتظهر موجة انتقاد لمقدمة البرنامج وفريق الإعداد من بعض رواد مواقع التواصل، الذين اتهموهم باستضافة رجل مريض واستفزازه من أجل الحصول على حلقة قوية، لكن ما أثار استغرابي حقاً هو إيمان البحر درويش نفسه، الذي ظهر مع بسمة وهبة مرتين، في برنامجين مختلفين، وبدا أنه متقبل لأسلوبها السمج والمستفز جداً، بصدر رحب وابتسامة هادئة، الرجل الذي يقاضي الجميع ويغضب لأتفه الأسباب لم يغضب من فرط الاستهزاء به والهجوم المبرر وغير المبرر عليه طوال الحلقة، حيث لم تتوقف بسمة عن وصفه بالمغرور والنرجسي.
لكن البداية الحقيقية لركوب الترند تفجرت في شهر يونيو/حزيران الماضي، حين قام إيمان البحر درويش بتوجيه انتقادات لاذعة للحكومة في مصر، على خلفية أزمة سد النهضة، وعدة أزمات أخرى، حيث قام درويش بنشر مجموعة من المنشورات، وكذلك بث فيديو لايف عبر كل من صفحته الرسمية بموقع فيسبوك، ونشره لاحقاً عبر قناته عبر يوتيوب، حول سوء التعامل الرسمي مع الأزمة، معلناً عزمه الهجرة من مصر، قائلاً: "أترك لكم العيشة الكريمة التي لن تتحقق في ظل هذا الظلم والفساد الذي لن ينتهي أبداً"، لكنه قطع الطريق أيضاً على من يشكك في وطنيته، مؤكداً على اعتزازه ببلده وجيشه.
لم تمر تصريحات إيمان البحر درويش، فمن تحركات قانونية ضده من جانب محامين بتهمة التطاول على الدولة والتحريض على الفوضى، إلى بيانات إدانة وتوبيخ من جانب نقابة الموسيقيين، وكذلك النقابات الفنية في مصر (السينمائية والموسيقية والتمثيلية)، أدانه الجميع، معتبرين ما قاله خروجاً عن المنطق، منتقدين تفسيراته وألفاظه التي وصفوها بـ"غير المقبولة وغير المسؤولة"، بينما راحت نقابة المهندسين تبحث موقفه.
كان محامون مصريون قدّموا بلاغات ضد الفنان، تتهمه بـ"التطاول على الدولة والتحريض على الفوضى"، فيما أمطرته تهم الخيانة.
حالة الانقسام في استقبال آراء إيمان البحر دوريش تجلت في وجود فريقين، أحدهما يرفع شعار "رابطة محبي الفنان إيمان البحر درويش"، وأخرى بعنوان "معاً من أجل التأهيل النفسي للفنان إيمان البحر درويش".
رجل الحروب العتيد.. لماذا ظهر فجأة؟
في أي لقاء يخص إيمان البحر، قديماً كان أو حديثاً، ستجده يردد دون كلل أو ملل "لكن أكثر الناس للحق كارهون"، كما أنه ثابت على رأيه منذ سنوات طويلة بشأن غياب الحق عن الصورة العامة "ماشوفتش حد بيقول كلمة حق.. قول الحق أفضل الجهاد"، في الواقع لم يتوقف إيمان لحظة عن الدفاع عما يراه حقاً -حتى لو لم يكن كذلك- لهذا تجده طوال الوقت طرفاً في قضايا ومشاحنات وأزمات بلا نهاية، سواء كان ذلك مع أفراد أسرته أو أفراد نقابة الموسيقيين التي فاز بانتخاباتها أو مع زملائه.
النقيب السابق للموسيقيين في مصر وصف تاريخه بـ"المظلم"، أما هو فلم يتوقف لحظة عن الإشارة لما يسميه فساد الأجواء، سواء كان في العملية الإبداعية عموماً، حيث أكد: "إذا كان اللي بيُقدَّم فن فالخلفيات بعيدة كل البعد عن الفن وراه دبح وذُنب"، أو على مستوى نقابة الموسيقيين التي وصفها بأنها غارقة في الفساد، حتى إنه تقدم ببلاغ ضد فساد المجلس السابق للنقابة.
تم تعيين درويش نقيباً للموسيقيين في أعقاب ثورة يناير، إلا أنه لم يهنأ بالمنصب، حيث تم سحب الثقة منه بعد فترة، وتم انتخاب مصطفى كامل نقيباً للموسيقيين، ليشتد الصراع وحرب البلاغات المتبادلة، حتى تم انتخاب الفنان هاني شاكر لمنصب النقيب، بينما لم يتوقف درويش عن اللجوء إلى القضاء من أجل التشكيك في الإجراءات، حتى قال القاضي كلمته الأخيرة بأحقية شاكر في النقابة، فتسلمها درويش أخيراً، لكن الأمر لم يكن سهلاً بالنسبة له، خاصة أن الهجوم عليه لم يتوقف، وكذلك القضايا المرفوعة ضده تارة بتبديد أموال، وتارة أخرى بسوء الإدارة، لكن ما لم يستطع تجاهله تلك الأخبار التي نشرت بشأن شطبه من النقابة، الأمر الذي أصابه بنزيف في المخ عانى بعده من الشلل النصفي، يروي سبب إصابته بنزيف المخ قائلاً: "فوجئت بأخبار بأنني مهدد بالسجن إذا قمت بالغناء في نادي النصر، لم أفهم ما هنالك، لأنني حاصل على حكم من المحكمة الإدارية العليا أنني نقيب الموسيقيين، وأن عضويتي في نقابة المهندسين لا تمنعني من رئاسة نقابة الموسيقيين، دخلي بالكامل من خلال الموسيقى والغناء، قدمت إقراراً ضريبياً يثبت ذلك، وحصلت على حكم غير قابل للطعن، كيف أكون نقيباً سابقاً للنقابة ويقولوا مشطوب وغير قادر على الغناء!"
ينتقد الجميع.. بعنف
حين تعرض الفنان إيمان البحر درويش إلى الوعكة الصحية العنيفة عام 2018 لم يزره في المستشفى سوى ثلاثة أشخاص فقط من الوسط الفني، ذكرهم بنفسه قائلاً "الواحد ميعرفش قيمة الصحة غير لما تروح، في محنتي مجاليش غير عزت أبو عوف وكان منهار وحميد الشاعري ومحمد الحلو".
بينما على الجانب الآخر وصلت حدة خلافاته مع الآخرين إلى الدرجة التي دفعت الكثيرين للتشكيك في مرضه، حيث تم اتهامه بأنه يستجدي التعاطف، ما أثار حفيظة ابنته التي قامت بنشر صورتهما معاً من داخل العناية المركزة، لتتحدث بمرارة عن المشككين في والدها وشعورها نحو تلك الاتهامات.
في الوقت الذي يتحاشى فيه الكثيرون ذكر أسماء بعينها خلال البرامج التلفزيونية حين يتحدثون عن آرائهم لا يرى إيمان غضاضة في ذكر الأسماء بطريقة سلبية طوال الوقت، فلا يتحرج من التأكيد على أن صوت محمد رمضان كريه، وأن أنغام لا تعجبه، عقب موقفها من والدها، وتصريحاتها أن الفن ليس رسالة، وأن اختيارات هاني شاكر ليست موفقة، حيث يغني بلسان امرأة في بعض الأغنيات، منها "لو بتحب حقيقي صحيح"، ولا يتوقف عن ذكر نصيحته الشهيرة لشيرين عبدالوهاب "لسانك هيضيعك"، مؤكداً أنها الفنانة الأولى بين السيدات، انتقد حماقي قائلاً إنه لم يعد في الصورة بين تامر حسني وعمرو دياب، وإنه لا يحب أغنيات تامر حسني، ومع ذلك يراه ناجحاً في السينما والطرب، وأنه "الملك" بعد عبدالحليم حافظ.
إيمان الذي يكره المسميات مثل نجم الجيل وموسيقار الأجيال لم يدع اسماً على الساحة الفنية إلا انتقده بعنف شديد، بمناسبة ومن دون مناسبة، فهو يرى أن نور الشريف لم يكن صالحاً لأداء دور شحاتة أبو كف في فيلم "غريب في بيتي"، مقارناً نفسه به، وقال "جسمه لا يصلح إنه يطلع في دور لاعيب كورة في التوقيت ده".
حتى الفنانات اللائي شاركنه أعماله مثل آثار الحكيم وليلى علوي وإلهام شاهين لم تسلمن، حيث جاء على ذكرهن في أكثر من مناسبة، ليؤكد أنه تم تسليعهن بطريقة سيئة، وأن الفن بهذه الطريقة لا يناسب المرأة التي تم تكريهما لتقر في بيتها.
رفض العمل مع محمد رمضان ودمر الاحتفال بمئوية جده!
تأكدت أن إيمان البحر درويش ليس مدعياً حين رفض العمل مع محمد رمضان، هو يرى أن صوت رمضان كريه، وأن ما يقدمه غير لائق، لكن الفرصة جاءته على طبق من ذهب ليغني تتر مسلسل البرنس، كي يعود للمشهد ويحظى بمزيد من العمل والشهرة ومرات الاستماع، لكنه انتصر ككل مرة لما يؤمن به على حساب نفسه، وقال "أنا كلمت محمد رمضان وقولتله كنت عظيم في التمثيل، وخصوصاً أحد المشاهد اللي دموعك نزلت من عين واحدة، لكن أنت بتحفر قبرك بإيدك لما تقدم مشاهد وأعمال زي عبده موتة وغيرها.. كلمات التتر معجبتنيش، لذلك رفضت مباشرة".
لم تكن تلك هي المرة الأولى التي يرفض فيها إيمان البحر درويش العمل لأنه غير راضٍ، ففي احتفالية دار الأوبرا المصرية بمئوية جده سيد درويش، شارك إيمان في كافة التحضيرات، وصولاً إلى ما قبل العرض النهائي بـ10 أيام، ليعلن اعتذاره ليس فقط عن أداء دوره في العمل الفني، ولكن أيضاً عن حضور الاحتفالية التي تكرم جده بدار الأوبرا، ما يفسره بقوله: "أنا مقدرش أتحمل مسؤولية عمل لسيد درويش، أنا غير راضٍ عنه، لما سمعت الألحان قبل العرض اعتذرت، فقالوا إن صوتي مش قادر يواكب العمل، طلعت وأثبت إني أقدر أغني، وقولت لرئيس الأوبرا قبل العرض اللي يقولك العمل جاهز للعرض يبقى بيضحك عليك، وبالفعل فشل العرض لأقصى درجة، و لم يحضر وزير الثقافة إلى دار الأوبرا بمناسبة 100 عام على سيد درويش، وقاموا برفع قضية ضدي".
جرأة أم مرض
يرى البعض أن إصابة درويش بجلطة في المخ قبل ثلاث سنوات هي السبب في تصريحاته، صحيح أن الرجل تعافى ظاهرياً ولا يكاد أحد يرى أثراً للشلل أو صعوبة النطق عليه، لكن بالمقارنة بين ظهوره في برنامج "هي مش فوضى" عام 2015 مع بسمة وهبة وبين ظهوره الأخير معها في برنامجها "العرافة"، في رمضان الماضي، يمكنه ببساطة إدراك ما آل إليه إيمان البحر درويش، فمن اعتبار عمرو دياب أكثر نجاحاً منه إلى التأكيد على أنه بلا منافس، بمنتهى العنف والغضب أكد بكل المعاني على اقتناعه التام بأنه ناجح ومميز، حيث قال: "أنا لا أكذب ولا أتجمل بالكذب، أرى أول مطرب نجح بعد جيل ما بعد العمالقة، خلال أول فيلم لي "تزوير في أوراق رسمية"، ليستطرد لاحقاً "أنا مدبوح من المشتغلين بالفن والقريبين ولو ابني طلب يدخل المجال هادبحه.. بلا نقاش هحميه من الغيلان، وأكثر من غيلان الغيلان اللي هم أصلاً دخلاء على الفن ومعروفين لدى بعض الناس".
صحيح أن ظهوره عقب وعكته الصحية لم يرافقه أي مظاهر تعب جسدية، حيث لم يَبدُ أن هناك شيئاً غير طبيعي، سواء في مشيته أو طريقة كلامه، بل إنه أكد على صحته وسلامته قائلاً: "كل ما نشر مؤخراً ليس صحيحاً، خفيت من 2017 بفضل الدعاء"، إلا أن المقارنة بين اللقاءين تقول الكثير.
خان زوجته الأولى وقاضى الثانية!
لن ترى صوراً لإيمان البحر درويش بصحبة أي من زوجاته إلا نادراً، لكنه اعترف خلال أحد اللقاءات أنه قضى بصحبة زوجته الأولى والدة أطفاله 11 سنة، كما اعترفَ أنه خان زوجته الأولى حتى وصل عدد مرات الخيانة لأكثر من 10 مرات، مبرراً فعله بـ"طيش الشباب".
حين رأيته في برنامج "حوار صريح" بصحبة منى الحسيني، ومن خلفه صورته مع زوجته الثانية نيرفانا، شعرت من أسلوبه وطريقته أن تلك الزيجة قد تدوم للأبد، هو نفسه قال خلال اللقاء "لم أوفق في زواجي السابق وتزوجت نيرفانا بدر الدين بدراوي، وهي من خارج المجال الفني، أتمنى تكون لي طول العمر"، لكنه طلقها أيضاً بعد عشر سنوات، بل وقاضى السيدة التي تمنى لو ترافقه بقية حياته في قضية استمرت طوال 13 عاماً حول شقة قامت هي ببيعها، لتحكم المحكمة لصالحه في النهاية.
في العموم يؤمن إيمان البحر درويش، الذي لم يجبر ابنته أو أحداً من أقاربه على ارتداء الحجاب، أن خروج المرأة للتداخل مع الرجال يجب أن يكون للضرورة القصوى، وأن مكانها الطبيعي البيت لتربية الأولاد ورعاية الزوج، وأن المراة في السينما مستخدمة بطريقة لا تفيدها، مؤكداً أن المرأة لها حرمتها، وأنه لا يمكن للمرأة العاملة أن توفق بين العمل والبيت معترفاً: "أنا أناني".
بالرغم من القضايا لم تغب نيرفانا، الزوجة الثانية، عن خطبة نجله، التي بدا فيها غاية في الشباب والحيوية عام 2015، وهو نفس التوقيت الذي انتشرت فيه شائعة ارتباطه بهالة فاخر، التي أشير إليها عبر أكثر من موقع حتى قام هو بنفيها تماماً.
المطرب المفضل عند ذوي الاحتياجات الخاصة
حين طلبت المذيعة منى الشاذلي من أبطال الأوليمبياد الخاصة في مصر عام 2018 ترشيح فنان يحبونه ليصاحبهم الظهور خلال تسجيل الحلقة، اختاروا جميعاً إيمان البحر درويش، دون تردد، حيث تكشّف من هذا اللقاء علاقته القوية بهم، حيث راح يغني بصحبتهم "مخسوبكو انداس".
الفنان الذي ينتمي ابن شقيقه لذوي الهمم قال: "لما وصلني إن الولاد اتمرنوا في الهوكي بعصيان المقشات، قلت مقدرش أتأخر عنهم"؛ بدا أن الأطفال يعرفونه جيداً خلال الحلقة، أما المسؤولة عنهم فأكدت: "مفيش مرة خذلنا مفيش مرة مجاش، مرة جه إسكندرية وكان إيفنت لمدة أسبوع مانامش عشان يكون في المكتبة الساعة 12 الضهر، وجاي سايق بدون نوم" استوقفني تفاعله مع الأطفال حين بدأ يغني "في البحر سمكة"، ليردد معه أبطال مصر في الأوليمبياد الخاصة.
وفاة صديقه ورحلة تحوله
شجاعة إيمان البحر درويش ليست موجهة دائماً لانتقاد الآخرين، هو ينتقد نفسه ويراجعها باستمرار، ربما لهذا قرر أن يودع مكاسب طائلة بشكل مفاجئ عام 1991 لأجل قناعاته الشخصية، بعدما قرر أن يواجه نفسه، ليتحول من مطرب شاب محبوب يكسب الآلاف في كل ليلة بالفنادق، إلى الاختفاء التام وسؤال المشايخ، والبحث المضني في كتب الفقه حول ما إذا كان الفن حراماً أم حلالاً، وكيف يمكن له أن يقدم فناً لا يتعارض مع مبادئه، من بعدها صار يؤذن في المساجد، ويظهر ليغني الأغاني الدينية والوطنية، تارة عن الحرم الإبراهيمي، وتارة عن أمجاد الأمة وشهداء الجزائر وانتصار العرب في حطين، مبرراً ذلك بقوله: "لا يمكن أقدم فن يغضب الله"، لكنه في الوقت ذاته لا يقدر على هجر الغناء، في رحلة من القلق والمعاناة عاشها لسنوات طويلة، عقب فقده صديقاً مقرباً وشعوره بعدم التقدير.
لماذا لم ينجح إيمان سوقياً؟
لا تزال أغنيته الرومانسية "ضميني وانسي الدنيا" تحظى بمرات استماع مرتفعة، فعلى حساب واحد فقط غير رسمي، من بين حسابات عديدة تتيح الأغنية، حظي بمليون ونصف المليون مرة استماع تقريباً منذ العام 2008 وحتى الآن، الأمر الذي يثير استغرابي؛ إن كان مستعداً للغناء فلمَ لا يحسن الانتقاء ويشرع في العمل؟
وحين يسأل عن سر ابتعاده عن المشهد يقول: "مفيش داعي أوطي دماغي لحد، ده مش غرور، مفيش داعي أذل نفسي لشيء مش بتاعي، مش بذل نفسي لحد غير ربنا"، في إشارة منه إلى أن الأمور تسير بالذل، لكنني من جديد أقف منبهرة أمام شعبيته المستترة.
لا تزال أغنيته "ولا عمرك وحشتيني" تأسرني بنفس القدر، وتحظى أيضاً بملايين من مرات الاستماع، أحاول أن أعثر على إجابة فتقابلني تصريحاته لتجيبني: "أنا الجيل المظلوم بين جيل عمالقة وجيل تاني، معتز بشغلي، بقول كلمة لما أموت يعرفوا قيمتها، أنا مش نمرة واحد".
كان إيمان محقاً حين قال إن قرابته لسيد درويش لعنة أكثر منها منحة، حيث تسببت دائماً في رفع سقف التوقعات المنتظرة منه، وبينما لم ينجح هو في الخروج من عباءة جده وكبار المطربين مثل زكريا أحمد وسيد مكاوي والشيخ إمام، عزا السبب إلى أن الفن مرآة الشعب، وأن الفن الحالي مرآة لدرجة الانحدار التي وصلت لها الأوضاع في مصر، وبالتالي ليس له مكان في المشهد.
رغم صراحته واتساقه الشديد مع نفسه، وقدرته على قول كلمة تخالف الجميع في أكثر الأوقات حساسية وصعوبة، فإنه لم يوظف صراحته معظم الوقت إلا في المشاحنات بدلاً من الفن، وفي الانغماس بتاريخ جده لا مواكبة وضع الفن الحالي، لم يأتِ بجديد، ولم يدَع الماضي، ولم يتسامح مع الموجود، هو باختصار يحارب طواحين الهواء بشجاعة منقطعة النظير.. ومازال يفعل.
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.