بالنظر إلى التاريخ العربي في الأولمبياد فإن أول مشاركة للعرب كانت عام 1912 في دورة ستوكهولم، ومنذ ذلك الحين حتى أولمبياد طوكيو 2020 والمؤجل لعام 2021 فإن العرب لم يفوّتوا دورة أولمبية لم يشاركوا بها، بل ويشاركون دائما بأعداد كبيرة فعلى سبيل المثال في دورة طوكيو 2020 وصل عدد المشاركين العرب 452 مشاركاً، وهو ما يزيد على عدد المشاركين من الصين (406) أو حتى روسيا.
ولكن ما سيظل مثيراً للعجب على مر العصور هو داء النتائج. فحين ننظر لما حققه العرب طوال تاريخهم في كل الألعاب ستجدهم جمعوا 108 ميداليات منها 26 ذهبية فقط! في حين أن الصين حتى هذه اللحظة فقط وقبل انتهاء الألعاب الأولمبية أحرزت 32 ذهبية!
فما الذي يجعل العرب والذي يصل عددهم إلى ما يقارب 377 مليون نسمة أقل في عدد الميداليات من دولة كوبا على سبيل المثال التي حصلت على 220 ميدالية طوال تاريخها رغم عدد سكانها الذي لم يتجاوز 11 مليون نسمة؟
وبالنظر فعلياً إلى مباريات العرب في الأولمبياد نجد أن اللاعبين العرب لا ينقصهم فنياً أي شيء عن اللاعبين الأوروبيين أو العالميين في أغلب الألعاب، بل هنالك تقارب مهول بين أداء العرب وغيرهم في الفنيات. ولكن دائماً ما نشاهد مشهد الحزن في نهاية المباراة مع تصفيق حاد ووصف بـ"الأداء المشرف" وننتظر الأفضل في القادم.
كم مرة شاهدت هذا المشهد في حياتك؟ تكرر أكثر مما تكرر عزف نشيد الدول العربية مجتمعةً، في الأولمبياد، فما أسباب عقدة التمثيل المشرف في رياضتنا العربية؟
إذا تحدثنا عن الأسباب فبالتأكيد سيكون السبب الأول هو ضعف الدعم المادي. فبالمقارنة بحجم الدعم المادي التي تقدمه الدول لرياضييها في الدول المتفوقة في الألعاب الأولمبية إذا تمت مقارنته بما يتلقاه لاعبونا فسيكون ملائماً لحجم الفوارق في النتائج. حتى أنه تجد اللاعبين الأبطال يستغلون الأضواء عندما تسلط عليهم بعد الفوز، لا للفرح بالفوز، بل للاستغاثة كمن يحارب ليصل صوته إلى من صموا آذانهم، فيتحدث عن ضعف الإمكانيات وضعف المعسكرات والبرامج الإعدادية بالمقارنة بالمنافسين، ومشاكل دراسته وعمله لكي يستطيع أن يجد قوت يومه واستحالة فكرة التفرغ للرياضة.
وبعد كل هذا لا ينفرد اللاعب بالأضواء فيبدأ المسؤولون بسحب البساط حتى يصل الأمر إلى تحدث الجميع عن جهدهم هم، ونسيان صاحب المجهود الحقيقي. ولقاء بعد لقاء ينسى الجميع البطل ويعود هو لمشاكله مجدداً ويعود للنحت في الصخر، ومع أول سقوط له سيسخر الجميع منه، وعلى رأسهم من سرقوا منه الأضواء من قبل.
ولكن إذا حصرنا ضعف الدعم في الجانب المادي فقط سنكون ظالمين أيضاً، نعم هناك ضعف شديد في الإمكانيات المادية، ولكن كم من لاعبين استطاعوا الحصول على ميداليات رغم هذا الضعف المادي؟
وكثير من الدول الفقيرة على المستوى الاقتصادي التي حتى لا تمتلك نصف إمكانيات العرب حققت إنجازات تجاوزتهم بكثير في عديد من الرياضات. وهنا ننتقل لنقطة أخرى وهي فكرة صرف الأموال في الأماكن المناسبة.
بعد إخفاق عدد من الرياضيين المصريين في الآونة الأخيرة خرجت وثيقة من اللجنة الأولمبية فيها بيان بما تم صرفه من ملايين على اللاعبين في كافة الألعاب. ولكن هل مجرد صرف الأموال وأرقام الأموال دليل على الدعم فعلاً؟ فتلك الإمكانيات لم تسمح لإعداد رياضيين جيدين، والعرب لديهم من الكفاءات التي تستطيع أن تغير الشكل الذي نرى عليه الرياضة العربية جذرياً إذا استطعنا إعدادها بشكل جيد.
والدليل الأكبر على ذلك هو اللاعبون المجنّسون الذين شاركوا مع دول أخرى غير دولهم الأصلية واستطاعوا الحصول على الذهب ورفع أعلام تلك الدول مقابل الدعم والتأسيس والرعاية، والتي بالفعل أنتجت أبطالاً كانوا يحاربون من أجل قوت عيشهم في بلادهم.
فالمشاركة في الألعاب الأولمبية والمسابقات العالمية والفوز بها لم يصبح ترفاً أو ترفيهاً لا داعي له، بل يعد واحداً من أهم الدلائل على اهتمام الدول بالفرد وبالمواطنين ورعايتهم فيما يختارونه من مجالات. فهذا الفشل يعكس فشلاً على كافة الأصعدة؛ فالفاشل في الرياضة سيكون فاشلاً بطبيعة الحال سياسياً واقتصادياً، والذي لم يستطع التخطيط لبطل رياضي لن يستطيع التخطيط لرفع قيمة العملة أمام الدولار.
ومع كل هذا لدينا سبب آخر ولا يقل أهمية عما سبق وهو عقلية الفوز والجوع للانتصارات. هذا الأمر هو ما نفتقده كثيراً في وطننا العربي وحتى الرموز الرياضية العربية، فنادراً ما نشاهد فريقاً أو حتى لاعباً بعد فوزه بميدالية يكون لديه نفس الشغف للفوز بأخرى والتجهيز بنفس القوة لأربع سنوات جديدة للظفر بميدالية أخرى.
بل تجد وكأن أغلبهم يحسّ بالشبع، الأضواء، الجوائز، اللقاءات الصحفية، يبدأ بالتعب ويفكر في التركيز على حياته والاكتفاء بما حققه. وهنالك مبدأ مشهور في الرياضات الفردية أن الذي يتوقف عن التدريب لمدة يوم يتأخر عن زملائه 10 أيام.
ولكن من جانب آخر هنالك عدد من الرموز استطاعوا كسر هذا المبدأ، منها اللاعبة المصرية هداية ملاك لاعبة التايكوندو والتي فازت ببرونزية في ريو ثم أتبعتها ببرونزية في طوكيو في وزن أكبر من وزنها على الرغم أنه بعد فوزها في ريو تزوجت، وكامرأة عربية قد تكون أكثر تعرّضاً للضغوط لترك الرياضة من الرجل. ولكن رغم هذا قدمت هداية مثالاً يُحتذى به في الإصرار لثماني سنوات لتحقيق ميداليتين ستكتبان في التاريخ باسمها للأبد. ولدينا أيضاً الأسطورة العداء التونسي القمودي الذي حصل على أربع ميداليات منها ذهبية وفضيتان وبرونزية في ثلاث دورات متتالية.
واستكمالاً للنجاحات فهذه الدورة شهدت نجاحات قوية وأبطالاً لم يكن الحظ بجوارهم في النهاية ولم يستطيعوا الحصول على ميداليات، نتمنى لهم الاجتهاد وعدم الاستسلام ورؤيتهم في منصات التتويج القادمة. وسيظل النموذج الأقوى حتى هذه اللحظة هو منتخب كرة اليد المصري الذي وصل لموقع تاريخي في الرياضات الجماعية للعرب في الأولمبياد وبمواجهته للمنتخب الفرنسي في نصف النهائي، وحتى رغم الهزيمة سيكون على موعد مع هدف البرونزية، يقربه من الحصول على أول ميدالية للعرب في الرياضات الجماعية.
هذا المنتخب لم يكتفِ بمشاركات مشرفة في البطولات الماضية عكس ما تحدثنا عنه في البداية، بل بتخطيط قوي على مدار الفترة الماضية استطاع بالفعل تشكيل فريق لا يواجه فقط كبار اللعبة، بل لا يقل عنهم ويزيد، وهذا ما نرغب في رؤيته في كافة ألعابنا ويفرح قلوبنا بكافة الرياضات. وبجيل من الشباب ربما تكون بدايته بتحقيق ميدالية يستحقها عن جدارة.
ويبقى السؤال يبحث عن إجابة عملية: متى تنتهي عقدة الخروج المشرف؟ ومتى تنمو عقلية الانتصار لدينا والرغبة في الفوز؟ ومتى نأخذ النماذج الناجحة كمثال بدلاً من إفشالها؟
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: opinions@arabicpost.net
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.