"إحنا نتغلب من أوروغواي، ونتعادل مع روسيا وماتش السعودية كده كده مضمون"؛ كانت تلك استراتيجية جمهور الكرة المصرية، في نهائيات كأس العالم 2018، خلال المشاركة التي انتظرتها مصر لمدة 28 عاماً، بعدما استطاع جيل صلاح وتريزيغيه تحطيم عقدة الغياب عن كأس العالم.
الأزمة كانت في الاستراتيجية المتبعة من قبل الجمهور ومن أمامه مستر كوبر ورجاله بالتأكيد، فخسر منتخب مصر من أوروغواي كما توقعنا، ولكن المفاجأة كانت في الخسارة من روسيا والسعودية أيضاً، لتخرج مصر من الدور الأول بلا نقاط، خالية الوفاض وليس معها سوى هدفين لفخر العرب، ورقم قياسي للحضري من بوابة الأكبر سناً.
كسر منتخب مصر حينها عقدة الابتعاد عن كأس العالم، ولكن ظلت اللعنة الكبرى وهي خدعة التمثيل المشرف، والخسارة بشرف، والتعادل بطعم الفوز، وعالم موازٍ لا يدري العالم الحقيقي عنه شيئاً، ولا يوجد إلا في عقول المنهزمين قبل إطلاق صافرة البداية
التعليم في الصغر كالنقش على الحجر
قواعد ربما تعلمناها من نعومة أظفارنا في المرحلة الابتدائية، فبينما يوجد "مدرستي جميلة نظيفة متطورة"، و"النظافة من الإيمان"، تجد أوهاماً مثل "يكفينا التمثيل المشرف" أمام المنافس القوي في المحافل الدولية، ويكفي أن ننهزم فقط بالثلاثة، لا أن تكون سبعة أو "دستة مقفولة"، والمهم المشاركة لا المغالبة، وكأنها شعار لحزب الأغلبية إبداءً لحسن النية، تعلمنا كل ذلك وأكثر على أسوار مدارسنا، ولكن غفلنا عن أن من جَدَّ وجد ومن زرع حصد.
الألعاب الأولمبية كل 4 أعوام خير مثال على خدعة التمثيل المشرف، فيكفي أن نشارك في هذا المحفل العالمي، ولا يهم حصد الميداليات، يكفي مصر أن تشارك ببعثة أولمبية كبيرة العدد، ويرفع أحد أبطال مصر العلم في حفل الافتتاح، وصورة جماعية في النهاية يتوسطها رئيس البعثة الذي لا نعلم عنه أي شيء، ولكن قبل الافتتاح بـ4 أعوام، أين كان الإعداد لحصد الميداليات والمنافسة الحقيقية، لا التمثيل المشرف؟
التمثيل المشرف له ناسه.. وإحنا أساسه
في كل دورة أولمبية تكتفي مصر بعدد ميداليات يعد على أصابع اليد الواحدة، بينما هناك دول أقل في عدد السكان وعدد اللاعبين المشاركين تحصد ميداليات أكثر وأهم. فبينما حصدت دولة مثل سان مارينو ميدالية برونزية، رغم أن تعداد سكانها لا يتعدى 35 ألف نسمة، وهي تشارك في منافسات طوكيو 2020 الحالية بخمسة رياضين فقط تجد مصرَ التي يتجاوز عدد سكانها 100 مليون نسمة، والحاضرة في الدورة الحالية بالبعثة الأكبر في تاريخها الأولمبي بعدد 137 لاعباً ولاعبة بواقع 89 رياضياً و48 رياضية في 27 لعبة أولمبية- نتابع على مدار اليوم أخباراً عن خروج وهزيمة ممثليها في مختلف الألعاب الفردية، ما أثار حالة من الغضب والسخرية على مواقع التواصل الاجتماعي بسبب الظهور الباهت للبعثة المصرية، حيث اكتفت مصر حتى الآن بانتزاع ميداليتين برونزيتين فقط، لهداية ملاك، وسيف عيسى بطلي رياضة التايكوندو.
رئيس البعثة هشام حطب برر ذلك الظهور الباهت قائلاً: "نتائج البعثة المصرية حتى الآن ليست غريبة، البعثة المصرية تقدم كافة ما لديها من أجل تحقيق مراكز تليق باسم الدولة المصرية في أولمبياد طوكيو، نحن ننافس على 5 ميداليات أولمبية في الدورة الحالية".
أكرم توفيق.. أنت أكيد من عالم تاني
العام الماضي شارك النادي الأهلي للمرة السادسة في تاريخه ببطولة كأس العالم للأندية، واستطاع الحصول على الميدالية البرونزية للمرة الثانية، بعد فوزه على نادي بالميراس البرازيلي بركلات الترجيح، في مباراة تحديد المركز الثالث والمركز الرابع.
قبل ذلك بأيام كانت الكرة المصرية والعربية على موعد مع مباراة هامة للغاية بين الأهلي بطل إفريقيا وبايرن ميونخ بطل أوروبا، في نصف نهائي البطولة، مباراة محسومة كما يتوقع الجميع، بل وصلت التوقعات للحديث عن هزيمة للأهلي بأرقام فلكية؛ نظراً لما يقدمه بايرين ميونخ من أداء عالٍ، وبسبب حجم الفجوة الهائلة بين الكرة المصرية والأوروبية.
خسر الأهلي بهدفين فقط، لكنها خسارة في النهاية، وتحدث الجمهور الأهلاوي عن الأداء الدفاعي الجيد لفريقهم أمام الماكينات الألمانية، وعن شكر الله عن عدم الخروج بفضيحة كروية يخلدها التاريخ، وجمهور الزمالك أبد الدهر.
"لو كنا لاعبنا بايرن بجرأة أكبر كان ممكن نعمل نتيجة أحسن"؛ بعيداً عن كل ما سبق كانت تلك الكلمات لأكرم توفيق لاعب وسط الأهلي في مقابلة تلفزيونية، بعد انتهاء البطولة، في صورة مغايرة تماماً لما يدور في الأوساط الرياضية ومواقع التواصل الاجتماعي، بينما أتخيل الفنان خالد سليم يغني في الخلفية "أنت أكيد من عالم تاني".
في كتابه "علم نفس النجاح" يقول برايان تريسي: "إن ما نعتقده اعتقاداً يمتزج مع شعورنا ويصبح حقيقتنا نحن سواء أكان الشعور إيجابياً أو سلبياً، أي سواء كان لمصلحتنا أم ضد مصلحتنا، وسواء أكان اعتقادنا مبنياً على الحقائق أم أغلاط".
في كل مباراة يشارك فيها أكرم توفيق- أو كرملّة كما يناديه زملاؤه- تشعر أن الأمر أكبر من مباراة كرة قدم يمكن أن تلعبها بهدوء وتكسب أو تخسر بلا صياح، يقول أحدهم يكفيك التمثيل المشرف، فيرد أكرم: "مشرف ده يبقا خالك"؛ فدائماً يلعب بأفضل ما لديه وعينه على الانتصار فقط، تجده ينطلق بطول الملعب وعرضه، وكأنه يبحث عن المستقبل الضائع في شوارع مصر.
ففي حضرة أكرم توفيق يمكنك فعل أشياء كثيرة، لكن إياك أن" تتأرجز".
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: opinions@arabicpost.net
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.