"الاستثناء التونسي" و"الخصوصية التونسية" وغيرهما من المصطلحات التي صكها المحللون منذ اندلاع الربيع العربي صارت محل شك كبير بعد ما أقدم عليه الرئيس التونسي قيس سعيد من إجراءات يمكن وصفها بالانقلاب. إجراءات جعلت المحللين يعيدون التفكير في الحالة التونسية ويتساءلون عن مستقبل السياسة الداخلية للبلاد. قد يعتقد المرء أن السياسة التونسية شأن داخلي خاص للتونسيين، لكنها في الحقيقة ليست كذلك البتة.
انتخب رئيس تونس الحالي قيس سعيد في عام 2019. وبروح ثورة الياسمين، حصد سعيد نصراً مريحاً بدعم من الأحزاب السياسية التقليدية، ولا سيما حزب النهضة. ووصف فوزه الانتخابي بأنه ثورة جديدة.
قيس سعيد، أستاذ القانون الدستوري السابق، لم يكن لديه حزب سياسي يمكنه الاعتماد عليه في البرلمان. لذا كان وضع مؤسسة الرئاسة كالبطة العرجاء؛ لأن دستور البلاد لا يمنح الرئيس سلطة تنفيذية كبيرة، بينما تسمح القواعد الدستورية والقانونية للحكومة بإدارة الحياة اليومية للمواطنين. بعبارة أخرى، لم يكن بإمكان الرئيس التونسي سوى مراقبة الشؤون العسكرية والخارجية. وبعد ما يقرب من عامين على انتخابه، خلقت ولاية سعيد توترات وانقسامات سياسية حادة في الشارع التونسي. ومساء الأحد شبت النيران في برميل البارود الذي تقرفص فوقه البلاد، أقال سعيد الحكومة وجمّد البرلمان وعين نفسه نائباً عاماً.
الصراع على السلطة
تم تنظيم انقلاب من قِبل رئيس يقول إنه الأقدر على قراءة وتفسير سطور الدستور في ظل غياب محكمة دستورية تحتكر سلطة تفسير الدستور. استخدم الرئيس المادة 80 من دستور 2014 التي تخوّل للرئيس اتخاذ قرارات استثنائية في سياق ظروف تهدد أمن البلاد القومي.
لكن الإجراءات المتخذة تجاوزت حدود الدستور، وعززت ضمنياً من دور الجيش في الساحة السياسية، وهو أمر جديد في السياسة التونسية.
حتى الرئيس السابق الحبيب بورقيبة لم يفعل ذلك، بل على العكس من ذلك، قام بتهميش الجيش، مستخدماً الشرطة ومخابراته الداخلية بدلاً منه. في وقت لاحق، أطاح ببورقيبة الجنرال المخلوع زين العابدين بن علي عام 1987.
بعد عقد من الديمقراطية، أو على الأقل عملية تعلم الديمقراطية التشاركية في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، وصلت تونس إلى طريق مسدود. تصرف سعيد كزعيم استبدادي آخر في المنطقة، حيث جمد النواب الشرعيين وأقال الحكومة، على الرغم من كل الإشارات السلبية التي يرسلها كلا الفرعين للناخبين.
يُزعم أن إعلان سعيد الجريء لإقالة السلطتين التنفيذية والتشريعية يستند إلى الوضع الصحي المتدهور جراء جائحة كورونا وعلى مظاهرات يوم الأحد الفائت المطالبة باستقالة الحكومة ورددت شعارات مناهضة لحركة النهضة.
تلك الذريعة السياسية إعلان عن تحول جذري. حتى الآن، فعل التونسيون الكثير لتقليص التقاليد الديكتاتورية لكنهم لم يفعلوا ما يكفي لإفساح المجال لديمقراطية أقوى وحكم جيد وازدهار اقتصادي – والأخير تحديداً هو ما كانت تنتظره الجماهير منذ عقود.
يستخدم سعيد الكارت الأخير بيده الآن، معتقداً أنه قادر على تقويض المنظومة السياسية بأكملها وقيادة البلاد بلا رقابة أو مساءلة. ومع ذلك، ليس لدى التونسيين ما يخسرونه الآن في حال انعطف قيس سعيد بالبلاد إلى جادة الاستبداد. لذلك، من المحتمل أن نشهد احتجاجات واضطرابات حاشدة خلال الفترة المقبلة.
باختصار، أخطأ سعيد في قراءة المعنى الحقيقي لثورة الياسمين وأخطأ في تقديره لقوته بشكل كبير.
عقد على ثورة الياسمين
بعد عقد من الزمان، يشعر التونسيون أن حلمهم قد تبخر لكن الشباب ما زال يأمل في حياة أفضل. مرت سنوات، لكن تونس ما زالت تكافح من أجل إنشاء محكمة دستورية بشكل كامل لتكون بمثابة أداة قانونية قوية لمناخ متوازن في البلاد.
لقد حوصرت تونس بين طريقتين في التفكير: معضلة أحدثت انقسامات عميقة بين النخبة والجماهير من جهة والعلمانيين والمحافظين من جهة أخرى.
على عكس ما حدث في تركيا، التي أظهرت نضجاً سياسياً واحتراماً للديمقراطية واعتبارها خطاً أحمر في مواجهة محاولة الانقلاب عام 2016، تركت الحالة السياسية في تونس الدول العربية في حيرة من أمرها.
لدى التونسيين خياران: إما أن يسلكوا الطريق الذي سلكه ملايين الأتراك ليلة 15 يوليو/تموز أو الرضا مثل المصريين بانقلاب عبدالفتاح السيسي في عام 2013.
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.