قليلة هي التحليلات والمقالات التي تناولت دور المجتمعات الافتراضية في هبة الأقصى الأخيرة وتجسيد الوحدة الوطنية الفلسطينية داخل فلسطين التاريخية ومساعي مهاجر الفلسطينيين القريبة والبعيدة في إيصال رسالة فلسطين إلى العالم وصورة دولة الاحتلال الصهيوني وسياساتها العنصرية. تم ذلك من خلال شريحة الشباب الفلسطيني، في وقت ارتفعت فيه معدلات التحصيل العلمي وإتقان اللغات الأجنبية، فضلاً عن مواكبة تطور ثورة المعلومات والمجتمعات الافتراضية، مثل فيسبوك وتويتر وإنستغرام واليوتيوب.
وفي هذا السياق لابد من الإشارة إلى أن نسبة فئة الشباب، أي الفئة العمرية ما بين (15-29) تصل إلى 30% من إجمالي الشعب الفلسطيني في أماكن تواجده داخل فلسطين التاريخية والمهاجر، والبالغ خلال العام الحالي 2021 نحو 13 مليون و700 ألف فلسطيني، 50% منهم في الداخل فلسطين.
شباب فلسطين
أتاحت المجتمعات الافتراضية، من خلال الوسم "الهاشتاغ"، ارتفاع وتيرة التفاعل والتواصل بين الشباب الفلسطيني والمناصرين من مستخدمي مواقع التواصل بشكل كبير وشاسع خلال هبة الأقصى ومفاعيلها المستمرة، من خلال وضع علامة الهاشتاغ قبل جملة محددة، مثل (أنقذوا حي الشيخ جراح)، لتصبح موضع نقاش مفتوح في فضاءات مفتوحة، وقد نجح الشباب الفلسطيني ومناصروهم إلى حد كبير في نشر المعلومات، والصور، ومقاطع الفيديو، ورسوم كاريكاتيرية وتمثيل مقاطع ساخرة من المحتل الصهيوني، الكفيلة بإظهار الجرائم الإسرائيلية المرتكبة بحق الشعب الفلسطيني، من تهجير واعتقال وتطهير عرقي في الداخل الفلسطيني والضفة الغربية بما فيها القدس وأحياؤها المختلفة. إضافة إلى قتل الأطفال الفلسطينيين، وتدمير الطيران والمدفعية الإسرائيلية لعدد كبير من المباني السكنية فوق رؤوس ساكنيها في قطاع غزة. تم ذلك في وقت اتبعت فيه شبكات التواصل معايير مزدوجة وغير منصفة لنشر المحتوى الفلسطيني وتعميمه، لكنها لم تفلح في ذلك، نظراً لاتساع نطاق المناصرين العرب والأجانب للقضية الفلسطينية، عبر استخدام تطبيقات جديدة لنشر المحتوى الفلسطيني ووصوله إلى الملايين من مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي، ولترتفع وتيرة الانحياز الشعبي نسبياً إلى جانب الحق الفلسطيني في عدد كبير من دول العالم، ولتتضح صورة إسرائيل شيئاً فشيئاً كدولة أبارتهايد وعنصرية.
انقلبت الصورة والرواية الصهيونية التي كانت سائدة قبل هبة الأقصى لصالح الضحية وصاحب الحق الفلسطيني، وقد تمّ التعبير عن ذلك في غالبية دول العالم، حيث شهدت مدن عديدة في الولايات المتحدة الأمريكية والدول الأوروبية وكندا وأستراليا، ودول أمريكا اللاتينية مسيرات مناصرة للشعب الفلسطيني، في وقت رفعت فيه لافتات ضد الاحتلال الصهيوني وسياساته العنصرية التهويدية إزاء الشعب الفلسطيني. فضلاً عن ارتفاع أصوات كثيرة في البرلمانات الغربية، الأوروبية والأمريكية، تدين السياسات الإسرائيلية، وفي المقدمة منها، "إلهان عمر" من أصل صومالي، و"رشيدة طليب" من أصل فلسطيني، العضوتان في الكونغرس الأمريكي.
سبل استمرار الحراك الشبابي
يلحظ المتابع أن جذوة هبة الأقصى الرمضانية والتي كان روادها الشباب الفلسطيني قد تراجعت لصالح التجاذبات السياسية الفلسطينية، الأمر الذي يؤكد ضرورة العمل لاستمرار الحراكات الشبابية الفلسطينية وتنشيطها في داخل فلسطين والمهاجر القريبة والبعيدة عبر إنهاء الانقسام الفلسطيني بداية، خاصة أن دور المجتمعات الافتراضية كان جوهرياً في إيصال حقيقة سياسات إسرائيل العنصرية إلى شعوب العالم ليتغير مزاجها بشكل نسبي لصالح القضية الفلسطينية، وقد يؤسس ذلك لعامل ضغط في المستقبل على دول غربية داعمة لدولة الاحتلال لجهة تغيير مواقفها إيجابياً من القضية الفلسطينية.
انتفاضة منى الكرد
ثمة رموز شبابية رسمت الطريق لامتلاك سلاح مواجهة علمي وغير مكلف لمقاومة المحتل الصهيوني، إذ ربما تكون "منى الكرد" من حي الشيخ جراح التي يتابعها 1.6 مليون مستخدم لإنستغرام وأخوها محمد الكرد الذي يتابعه أكثر من 800 ألف مستخدم، بنقلهما فيديو المستوطن "يعقوب الشهير" بمثابة شرارة الحراك الشبابي الفلسطيني. لكن كل الشعب الفلسطيني ساهم بذلك لاحقاً، كما انتشرت أغنية "إن أن" لشابين مقدسيين لتصبح الأغنية التريند الأولى في فلسطين. وكان نضال المغنية الشابة ابنة مدينة القدس "آية خلف" مختلفاً حيث تحدت الاحتلال ومازالت تغني يومياً في شوارع وحارات القدس بالإضافة للمغنية الفلسطينية "رولا عازار" من مدينة الناصرة في الجليل الفلسطيني.
كما تابع منشورات الشاب الفلسطيني "ضياء عليان" المقيم بأمريكا والداعمة للحق الفلسطيني، أكثر من مليون مستخدم على إنستغرام. ولن ننسى أيضاً الكوميدي الفلسطيني "أيمن عبلي" وفرقته في الأردن، الذي كان له دور هام في البث المباشر على موقعه في إنستغرام، ونشر صور عن هبة وفعاليات الأقصى والعدوان على الشعب الفلسطيني في أنحاء فلسطين.
وكان لعارضة الأزياء الأمريكية من أصل فلسطيني "بيلا حديد" دور مميز في دعم شعبها، خاصة أنها تمتلك أكثر من 43 مليون متابع على إنستغرام تنقل لهم وعائلتها الأخبار الفلسطينية بشكل يومي، كما غطت وشاركت في مظاهرات مناهضة للعدوان الإسرائيلي على غزة وما زالت للآن تساهم في النشر، وبالرغم من تعرض المغنية العالمية "دوا ليبا" التي تعتبر مؤثرة اجتماعية بامتلاكها 67 مليون متابع على إنستغرام، لاتهامات أنها معادية للسامية إلا أنها شاركت برفع هاشتاغ (أنقذوا حي الشيخ جراح)، كما كان حراك فناني الداخل المحتل والضفة الغربية والقطاع مؤثراً، بينهم مغني الراب الفلسطيني "تامر نفار" ابن مدينة اللد، حينما كان يبث بشكل مباشر عبر الفيسبوك صور اعتداءات المستوطنين والشرطة الإسرائيلية على أهالي اللد، فضلاً عن معاناتهم جراء سياسة الإجلاء والترحيل، من خلال فيلم "مفرق 48″، الذي تم عرضه في عام 2016. وفي هذا السياق لا يمكن أن نتجاهل ابن مدينة غزة "الرابر" الفلسطيني عبدالرحمن الشنطي الذي أبهر العالم بغنائه باللغة الإنجليزية بطلاقة ناقلاً وجع وصمود أهالي المدينة في مواجهة آلة الموت الصهيونية، فحصد خلال 11 يوماً من الصمود الأسطوري 350 ألف متابع يدعمونه حول العالم على إنستغرام.
ويبقى القول إنه يجب الاستفادة من طاقات الشباب الفلسطيني الكامنة، ومن سلاح فتاك باتوا يجيدون استخدامه بدراية معرفية ولغات عدة لإيصال رسالة الحق الفلسطيني وكشف فاشية دولة الاحتلال الصهيوني، ويتمثل بالمجتمعات الافتراضية، فهل من مجيب، أم سنبقى أسرى لشعارات عاطفية؟ فالوقت من دم، والتاريخ لا يرحم، والمحتل يستهدف ويترصد الجميع.
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.