"إذا لم يكن الشعب على وعي وثقافة قبل الثورة فلا يلوم أحداً عندما تسرق ثورتهم"
- المفكر الإيراني علي شريعتي
الثورة هي عبارة عن النهوض للتغيير، تغيير الوضع الحالي بوضع آخر أفضل، لاسيما أن الثورة تُعبر عن الحرية والنهضة والتقدم وحرية الرأي، وهي في النهاية تعبر عن نضوج التفكير، والمحاولة لتقديم ما هو أفضل، لذلك الثورة حدثٌ فارق ومسألة مهمة، ولكن لها أوقاتها وأهدافها النبيلة التي تصب في مصلحة الوطن والمواطن.
مفهوم الثورة ومراحلها تطورا مع نشأة وتطور الإنسان من البداوة إلى التحضر، ومن القبيلة إلى الدولة الوطنية الحديثة. وعلى طول هذه المراحل والحقب كانت هناك ثورات، تقوم وتختلف حسب الأهداف والانتماءات والأفكار والأيديولوجيات، إذن الثورة هنا ليست وليدة اليوم، بل هي سيرورة تطورت مع تطور الإنسان وأحلامه وطموحاته.
هل شعار الديمقراطية يُبطل أهداف الثورة؟
إذا نظرنا إلى مفهوم الديمقراطية، وهو مفهوم غربي معاصر، تختلف عليه مجموعة من الباحثين في كيفية تطبيقه والالتزام به، كقاعدة صلبة من أجل تحقيق "المساواة والعدل"، وهي خصال وأهداف شعار كل الثورات الحالية والقديمة. فهناك مقولة قد طرحها أحد الأساتذة وهو يدرس علم السياسة، وهي: "إن الأقليات في الدول الديمقراطية لا تعني شيئاً"(!)، وهنا يشير الى العدد، ليطرح السؤال: هل تتعارض الديمقراطية مع الثورة في هذا الطرح والتطبيق؟
بمعنى آخر، إذا كانت الديمقراطية تحمي أو تحقق الفوز والمكتسبات للأغلبية، وذلك بحكم عدد الأفراد المصوتين إذا كان هناك حكم للتصويت، هنا يمكن للأقليات أن تكون خارج اللعبة، أو دون اعتبار داخل صناديق الاقتراع وحكم الديمقراطية، وبالتالي القوانين الآتية والمراسيم يمكن ألا تكون في صالحهم. لذلك بهذا الطرح والمفهوم تكون الديمقراطية الغربية بعيدة عن "المساواة والعدل"، وهو ما تطمح إليه الشعوب، وخاصة الشعوب التي تعرف أقليات متعددة.
وبما أن الدول المغاربية تعرف نسيجاً اجتماعياً متنوعاً يبقى خيار الديمقراطية بالمفهوم الليبرالي-الرأسمالي صعب التطبيق داخل المغرب الكبير، إذ لن تحترم خصوصية الأقليات والاختلافات التي هي محدد لتلك الأقليات، وفي نفس الوقت حافظ لها.
الدول المغاربية كنموذج
من هذا المنظور، وهذه المقارنة البسيطة بين الديمقراطية والثورة يطرح إشكال داخل الدول المغاربية: هل فعلاً شعار الديمقراطية يُحقق أهداف الثورة في البلدان المغاربية؟
مما لا شك فيه أن الوضعية الحالية التي تعرفها المنطقة المغاربية، من صراعات وثورات وإشكالات أمنية وسياسية واقتصادية، تهدد أمنها القومي.
فرغم أن هناك دولة مغاربية، وهي تونس، قد أصبحت النموذج الحي في العالم العربي في تجسيد دولة المؤسسات والقانون، بحكم وعي وثقافة شعبها، الذي أعطى للعالم صورةً واضحة أن التغيير والإصلاح يأتي من الداخل وليس من الخارج، لكن تلك الصورة الآن تحت المحك، ونحن نرى تونس تتراجع إلى المربع الأول "حل الحكومة والبرلمان وسيطرة العسكر وتركز جميع السلطات في يد الرئيس قيس سعيّد"، لنطرح السؤال: هل انطفأت الشعلة المغاربية؟
غير أن هذه الشمعة المضيئة في شمال إفريقيا ما زالت جل البلدان المغاربية لم تصل إليها، وخاصة في الانتقال السياسي وفصل السلطات، وهو ما وضع عدة بلدان مغاربية في حروب وصراعات "ليبيا"، وثورات شعبية متتالية تنادي بالتغيير والإصلاح، ومع وضع اللااستقرار هذا يُطرح السؤال السابق وبطريقة أخرى.
هل الثورة هي الديمقراطية؟
خيار الشعوب المغاربية هنا يدخل وعي ونضج وثقافة الشعب كخيار في تحقيق السيطرة على محركات الثورة، وأهدافها النبيلة، لتصل إلى النقطة التي يطمح إليها جميع أفراد المجتمع داخل كل دولة.
وذلك بتجاوز الخلفيات العرقية والإثنية الضيقة، عند ذلك يمكن لثورة أن تصبح قانوناً يعود ويحتكم إليه الجميع في تحقيق المساواة والعدل. أما إذا كانت الثورة عبارة عن شعارات لتحقيق ما يُسمى بـ"الديمقراطية"، فيمكن في هذه الناحية الحكم على الأقليات باسم الديمقراطية، وهو اسم فضفاض يحتكر المساواة والعدل.
في الختام، من ينظر إلى الثورة أنها هي الديمقراطية، فلينتظر التغيير أن يأتيه من الخارج أو على ظهور "الدبابات". أما من ينظر إلى التغيير كخيار من أجل المساواة والعدل بين جميع أطياف المجتمع فلينتظر التغيير من الداخل من خلال وعي ثقافي يحصّن جميع المكتسبات.
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.