من المؤكد عزيزي القارئ أنّ عنوان الموضوع قد أثار انتباهك وجلبك لقراءة المقال قصد التعرف على هذا اللاعب المغمور غير المعروف كثيراً حتى في بلاده الجزائر، والذي لم يشارك، إلى الآن، إلا في مباراة دولية واحدة فقط مع منتخب "محاربي الصحراء".
ومن دون شك أيضاً أنك قد تساءلت عن سبب رفضه الانضمام لنادي كبير بحجم ريال مدريد الإسباني وأنك متشوق لمعرفة القصة.. لا تقلق عزيزي؛ سأخفض قليلاً من درجة فضولك وسأخبرك منذ البداية أنّ رفض الالتحاق بالنادي الملكي قد حدث لما كان مهدي في سن الـ12، أي لما كان النجم الحالي لنادي بوردو الفرنسي لا يزال في فترة التكوين.. وسأدعك أخي القارئ تتعرف على القصة كاملة من خلال استعراض المشوار الرياضي للاعب الشاب.
في الجزائر يعرفون مليك زرقان، النجم السابق لنادي وفاق سطيف في سنوات الثمانينات والتسعينات للقرن الماضي، كما يعرفون أيضاً نجله آدم، البالغ من العمر 21 عاماً، متوسط ميدان نادي بارادو الجزائري والذي تعاقد في الميركاتو الصيفي الجاري، مع نادي "شارلوروا" البلجيكي، ولكن القليل جداً من يعرف مهدي زرقان الذي يحمل نفس لقب اللاعبين سالفي الذكر ولكن لا تربطه بهما أية صلة قرابة.
وُلد بفرنسا من أب جزائري وأم مغربية
ولد مهدي زرقان يوم 15 يوليو/تموز 1999 بمدينة "كليرمون فيرون" الفرنسية، من أب جزائري وأم مغربية، وبدأ ممارسة رياضة كرة القدم في سن الخامسة من عمره ضمن فريق "مونتليسون" الصغير، الذي استمر معه إلى غاية بلوغه 11 سنة حيث انضم لمدرسة نادي "فيشي" حيث برزت موهبته الكروية بشكلٍ مثيرٍ ولفت بفضلها كشافي أندية فرنسية كبيرة على غرار ليون ومارسيليا، إضافة لنادي تشيلسي الإنجليزي الذي وجه له دعوة للمشاركة رفقته في دورة ودية، في يونيو/حزيران 2011، واجه خلالها فتيان فرق إنجليزية عديدة كمانشستر سيتي وليفربول.
وتلقى مهدي زرقان إثر ذلك عرضاً رسمياً للانضمام لمدرسة النادي اللندني، لكنه اصطدم برفض والده الذي كان يتمنى ويسعى لالتحاق نجله بالمركز التكويني لنادي برشلونة الإسباني، فنجح في إقناع مسؤولي مدرسة "لاماسيا" الشهيرة في إخضاع "الابن الموهوب" لتجارب فنية وبدنية في صيف نفس العام 2011.
وقد تحدث زرقان عن تلك التجارب في حوار له مع قناة "فوت ألجيريا" على اليوتيوب باللغة الفرنسية، بث يوم 18 يوليو/تموز، فقال: "بعد تشيلسي توجهنا إلى برشلونة (يقصد هو ووالده) لأنّ لاماسيا في ذلك الوقت كانت أفضل مركز لتكوين اللاعبين في العالم، ولكن الأمور لم تسر كما ينبغي بسبب أني كنت مصاباً ومرهقاً بعد الدورة التي شاركت فيها بإنجلترا، كما أنّ المستوى كان عالياً جداً في برشلونة، فأفضل اللاعبين في العالم كانوا يأتون إلى هناك".
زيدان كان في استقباله بمطار مدريد
ومن مفارقات الحياة أنّه وبعد شهرٍ واحدٍ من فشل تجارب مهدي زرقان في برشلونة، فإنّ الغريم التقليدي للفريق الكاتالوني، أي نادي ريال مدريد، اتصل باللاعب يدعوه فيها لفترة معايشة، ولم يكن الشخص المتصل سوى نجم الكرة العالمي زين الدين زيدان شخصياً الذي كان يشغل في تلك الفترة منصب المدير الرياضي للنادي الملكي.
وبلغت درجة تواضع زيدان إلى حد استقباله شخصياً لمهدي ووالده عند وصولهما لمطار العاصمة الإسبانية مدريد، حيث روى زرقان تلك القصة لذات القناة الرياضية قائلاً: "لما وصلنا إلى مدريد أصبت بدهشة كبيرة لما شاهدت زيدان في انتظارنا بالمطار، قمت بتجارب لمدة أسبوعٍ واحدٍ وقد جرت الأمور على أفضل حال، ثم شاركت في مباراة ودية أمام فريق من الضاحية الجنوبية لمدريد، فأعرب على إثرها الريال عن رغبته في التعاقد معي في الحين، لكن أبي رد عليهم أننا بحاجة للتفكير فعدنا إلى فرنسا حيث تعاقدت مع نادي موناكو".
في ذلك الوقت كان مهدي زرقان يبلغ من العمر 12 عاماً وكان مؤهلاً للانضمام لمدرسة ريال مدريد لمواصلة تكوينه ضمن أحد أفضل المدارس الكروية في العالم، وقد كان من الممكن جداً أن يحظى بشرف الانضمام للفريق الأول للنادي الملكي، لكن والده فضل إرساله لنادي موناكو.. ونحن لا نلومه في ذلك؛ فموناكو معروف هو أيضاً بتكوينه الجيد للاعبين الشباب، كما أنّ تواجد الطفل مهدي قريباً من العائلة يمنحه نوعاً من الاستقرار ويُجنبه مشاكل الغربة في مثل ذلك العمر الصغير.
كان زميل الغرفة لمبابي في مدرسة موناكو
انضم مهدي إذاً للمركز التكويني لنادي موناكو قبل بداية موسم 2012- 2013، حيث كان زميل الغرفة لكيليان مبابي، النجم الحالي لنادي باريس سان جيرمان الفرنسي، لمدة سنة كاملة (2013) ، قبل أن ينفجر هذا الأخير وتتم ترقيته للصنف الأعلى.
وتمت ترقية زرقان إلى فريق موناكو لأقل من 19 عاماً في يوليو/تموز 2016، ثم لفريق الرديف في صيف 2018، لكنه رحل نحو نادي بوردو الفرنسي يوم 26 يوليو/تموز 2019 في صفقة انتقال حر بعد انتهاء عقده مع نادي الإمارة.
النحس طارده في بوردو.. ومطلوب من أستون فيلا
كانت بداية زرقان مع بوردو ضمن فريق الرديف؛ حيث تم تعيينه قائداً للتشكيلة، قبل أن يضمه المدرب البرتغالي باولو سوزا للفريق الأول في نوفمبر/تشرين الثاني من نفس العام لكن كلاعب احتياطي فقط.
وقبل بداية موسم 2020- 2021 وفرض اللاعب الجزائري نفسه في التشكيلة الأساسية لبوردو خلال المباريات الودية التحضيرية للفريق الأول تحت إمرة المدرب الفرنسي جان لويس غاسيت، فكان من المنطقي أن يخوض المباراة الاولى للموسم الجديد للدوري الفرنسي يوم 21 أغسطس/آب 2020 أمام نادي نانت لكنه تعرض للطرد بالبطاقة الحمراء بعد مرور 17 دقيقة فقط من اللقاء، فتمت معاقبته بالإقصاء لمباراتين ثم طارده النحس مرة أخرى بتعرضه لالتواء في الكاحل أبعده عن الميادين لمدة شهرين كاملين.
ولم يفشل زرقان وعاد للعمل الجاد فور تعافيه من الإصابة، فاستعاد منصبه في خط هجوم فريق بوردو؛ فشارك في 27 مباراة من الدوري الفرنسي، سجل خلالها هدفاً واحداً وصنع هدفاً آخر.
وقبل نهاية الموسم الماضي، تلقى زرقان إصابة عضلية جديدة، لكنه استغل فرصة العطلة للتعافي منها فشرع في بداية شهر يوليو/تموز الجاري في التحضيرات للموسم الجديد رفقة فريق بوردو، وذلك في انتظار حدوث تطورات بشأن الاهتمام الذي يوليه له نادي أستون فيلا الإنجليزي، لكنه اضطر مرة أخرى للتوقف عن التدريبات الجماعية والخضوع للحجر الصحي بعد تعرضه لفيروس كورونا يوم 18 يوليو/تموز.
وبخلاف معظم لاعبي شمال إفريقيا المولودين بفرنسا، لم يسبق لمهدي زرقان الدفاع عن ألوان منتخب مولده للفئات الشابة، بل انضم مباشرة لمنتخب الجزائر الأول حيث شارك في مباراة واحدة فقط إلى الآن، وكان ذلك يوم 12 نوفمبر/تشرين الثاني 2020 بملعب "05 جويليه 1962" الأولمبي بالجزائر العاصمة، لما دخل بديلاً لزميله سفيان فيغولي في الدقيقة الـ76 من اللقاء الذي فاز به "الخضر" على منتخب زيمبابوي (3-1) لحساب تصفيات كأس أمم إفريقيا لكرة القدم 2021.
وبحكم سنه، فأمام مهدي رزقان الوقت الكافي للظفر بمركز ضمن التشكيلة الأساسية لمنتخب الجزائر، لكنه مُطالب قبل ذلك بفرض وجوده ضمن ناديه الحالي بوردو أو المستقبلي أستون فيلا.. ولمَ لا على المدى البعيد مع ريال مدريد الذي كان في يوم من الأيام قريباً جداً منه؟!
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.