نشر محسوبون على نقابة عمال مدينة آسفي المغربية، نية عامل أو رئيس الإقليم السيد الحسين شينان في جلب شركة "ماكدونالدز" للمدينة، ورغم أن ذلك الخبر ليس بجيد، فإن آخرين يعتقدون أن ذلك إنجاز وجرى ترويجه على هذا النحو، وهوَ معطى غير مقبول خصوصاً إذا اقترن باسم عامل الملك على الإقليم ويُعد تحجيماً من مكانة العامل الدستورية التي يبدو أن المطاف سينتهي بها ساعية وراء فتح المقاهي والمطاعم.
في المدن التي تقدر نفسها وسكانها، تبقى مثل تلك المشاريع والاستثمارات الصغيرة بالأساس مرتبطة بالبنى التحتية للمدن، والتنمية المستدامة بها. وعندما تتوفر تلك الشروط وتُبنى الشوارع والحدائق وترتفع مستويات الدخل وجودة الخدمات العمومية وتفتح المدارس والمستشفيات، تتسابق الشركات الربحية على صغرها وكبرها للاستثمار في المدينة.
لكن مدن أخرى تفضل الطلب والرجاء والاستنجاد لجلب الشركات العابرات للقارات لمدينة معينة بهدف ذر الرماد في العيون والتغطية على النكسات التنموية.
آسفي اليوم تبدو مدينة شاحبة وحزينة تبكي على أطلال مجدها السالف، لا طير يطير ولا وحش يسير في عز فصل الصيف ورغم امتداد المدينة البحري، بينما تعج مدن أخرى صغيرة مخزونها من الناتج الإجمالي المحلي لا يتعدى عقلة أصبع مقارنة بما تنتجه آسفي، بالسياح والرواج والمقاهي والمطاعم على الأشكال والألوان.
في آسفي ينمو كل شيء، تنمو جمعيات الدعم العمومي والإحسان وصحافة الرصيف والمشاهير، وينمو السياسيون القادمون من الحواضر والشيء الوحيد الذي لا ينمو في هذه المدينة هوَ التنمية والحضارة، ويتعثر على جنباتها وأسوارها التاريخية شبابها الحيوي الذي يفكر في أول شيء بعد حصوله على درجة البكالوريوس هو "نخوي الحفرة" نحو مراكش والرباط والدار البيضاء لمتابعة دراستهم أو للشغل، لأن مدينتهم بلا أفق، ويرددون جملاً شهيرة باتت كالنشيد المحفوظ "مدينتنا كتعطي البراني ماشي لولد البلاد" فيما يختار آخرون منهم "قوارب الموت".
أما إقليم آسفي الذي كانَ مصدراً للخيرات والكرم، تحول إلى أراض قاحلة تفاقمت فيها أوضاع البؤس والجوع والعطش، حيث تبخرت أموال تنمية العالم القروي وضرب الجفاف ويسارع رؤساء الجماعات لسد جوعهم، فيما بات أهالي الدواوير المجاورة للمنشآت الصناعية يحصون خسائرهم جراء الانبعاثات الكيماوية القادمة من "ماروك شيمي" والمحطة الحرارية التي تعمل بالفحم الحجري، بينما يتساقط الكربون والأمونيا، وتنتشر مواد مسرطنة كالكادميوم على ما تبقى من حقولهم القاحلة.
والذي فكر في جلب "ماكدونالدز" لآسفي يُقال له اليوم "الله اخلف عليك" و"شَواية السردين خير من الهمبرغر". وأن الأضواء الحمراء والصفراء الخاصة بماكدونالدز ليست ما ينقص آسفي لإعطائها رونق التنمية والجمال الحضاري.
الناس في آسفي تحتاج إلى أجوبة على أسئلة مازالت معلقة منذ رحيل الوالي السابق المعزول والمتهم بجرائم فساد مالية.
أجوبة عن أسئلة من عينة أين وصلت تحقيقات كورنيش المدينة الذي كلفَ ملياراً و600 مليون سنتيم؟ ولماذا لم يتسلم رئيس المجلس الإقليمي من الشركة المشروع حتى الآن؟ وكيفَ تُوزع أجزاء من شاطئ المدينة لأبناء النافذين مقابل 8 دراهم للمتر الواحد؟ وكيف تحولت شوارع وأحياء بكاملها إلى "كارتيلات" تسود فيها سلطة رؤساء الدوائر بتعاون مع الباعة الجائلين محتلي الأرصفة والشوارع والمساحات؟
لفهم هذا الفقر التنموي الحاصل في هذه المدينة، فإن جميع المسؤولين في المدينة يتحسسون رؤوسهم كلما سمعوا بمعلومة أو إشارة تقول إن الملك محمد السادس سيأتي لزيارة مدينة آسفي، لأنهم على علم اليقين، بأنه لا يوجد برنامج تنموي معقول سيُقدمونه للملك، اللهم إن كان هنا من يُخطط لبرمجة مشروع "ماكدونالدز" في عيد العرش.
يُروى أنه في عام 2008 يتذكر الناس في آسفي كيفَ لخبطت زيارة ملكية حياة الوالي السابق عن جهة "دكالة عبدة"، العربي الصباري، بعدما عرفت هذه الزيارة الملكية ارتباكاً في التحضير وقصورا كبيرا في مواكبتها من قبل مصالح ولاية آسفي آنذاك، وجواباً عن عدم رضى السلطات العليا على المشاريع التي قدمت للملك قصد تدشينها بآسفي، قام شكيب بنموسى وزير الداخلية آنذاك بحرمان الوالي السابق من وسام ملكي واستثنائه من هذا الامتياز المعنوي والرمزي رغم إحالته على التقاعد.
وسبب الغضبة على الوالي، قيامه بتدشين مشروع عقاري فاخر لفيلات تفوق قيمة بيعها المليون ونصف المليون درهم غير مكتملة البناء بأحد أرقى الأحياء الجديدة بمدينة آسفي، وهوَ مشروع عقاري خاص، وهي العملية التي رأى فيها العديد من أصحاب المشاريع العقارية ما يزعمون أنها محاباة من طرف الولاية لأحد أقرب أصدقاء الوالي.
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.