تعاقد اللاعب الدولي الجزائري جمال الدين بلعمري، مساء الثلاثاء 13 يوليو/تموز 2021، مع نادي قطر القطري لمدة موسمين، ليعود بذلك للعب في الخليج العربي بعد تجربة احترافية قصيرة مع نادي ليون الفرنسي استمرت موسماً واحداً فقط، ليفتح بذلك باب التساؤل عن سبب فشل مغامرته الكروية في أوروبا.
كان بلعمري قد انضم لنادي ليون في شهر أكتوبر/تشرين الأول من العام الماضي، في صفقة حرة، قادماً من نادي الشباب السعودي، حيث تعاقد مع النادي الفرنسي العريق لمدة سنة واحدة مع بند إمكانية التجديد لسنة أخرى.
التحاقه بالدوري الفرنسي شكّل مفاجأة كبيرة
شكلت تلك الصفقة، في ذلك الوقت، مفاجأة كبيرة للجمهور الرياضي الجزائري، الذي وعلى الرغم من اقتناعه ومعرفته الجيدة بالقدارت البدنية والفنية المميزة لجمال بلعمري إلا أنّه لم يكن ينتظر تعاقد صخرة دفاع منتخب "محاربي الصحراء" مع نادي كبير بحجم ليون الذي كان قد بلغ قبل شهرين فقط، أي في أغسطس/آب 2020 الدور نصف النهائي لدوري أبطال أوروبا لكرة القدم، وخرج من المسابقة على يد البطل لنفس النسخة، نادي بايرن ميونيخ الألماني.
ابتهجت الصحافة الجزائرية بانضمام بلعمري لأحد عمالقة الدوري الفرنسي، معتبرة قصة اللاعب بمثابة "إلهام" للشباب الطموح والصبور والمثابر على العمل من أجل تحقيق ما يصبو إليه حيث نجح "جمال الدين" في الاحتراف في أوروبا وهو يقترب من بلوغ سن الـ31 من عمره.
وبالمقابل، فقد تعرضت صفقة ضم نادي ليون للاعب بلعمري لانتقادات من طرف الصحافة الفرنسية، التي رأت أن اللاعب متقدم نسبياً في السن ولم يسبق له اللعب في أوروبا، وبالتالي فلن يقدم الشيء الكثير لفريق يُنافس على الألقاب.
ورد مدرب ليون، رودي غارسيا، على تلك الانتقادات و"الأحكام المسبقة"، بتصريح لموقع النادي الفرنسي، قال فيه :"أنا مُتشوّق للزجّ بِاللاعب الجديد (يقصد بلعمري) في مباريات فريقنا، إنّه محارب حقيقي. ونحن بِحاجة إلى مثل هذا النوع من اللاعبين".
واستطرد المدرب فرنسي قائلاً: ما زال بلعمري ناقصاً من حيث اللياقة البدنية، ولذلك قد تتأخر انطلاقته مع فريقنا".
وقد تحدث غارسيا حينها عن نقص اللياقة البدنية لجمال بلعمري لأنّ اللاعب لم يشارك في تحضيرات فريق ليون لما قبل الموسم ولم يشارك في أي مباراة رسمية منذ شهر مارس/آذار 2020، بسبب توقف المنافسات الرياضية إثر جائحة كورونا ثم مشاكله مع إدارة نادي الشباب السعودي التي انتهت بفسخ العقد في سبتمبر/أيلول من نفس السنة.
أما المعني بالأمر، أي جمال بلعمري، فقد برر اختياره اللعب بنادي كبير كليون، بدل قبول عروض أخرى من أندية أوروبية أقل حجماً، حين قال في تصريحات لقناة "بي إن سبورت" في نسختها الفرنسية: "أخبرني وكيل أعمالي عن عرض وصلني من ستراسبورغ الفرنسي، لكنني أجبته أن خياري هو ليون وأن لي طموحاً كبيراً في خوض تجربة مع هذا النادي".
اختار ليون من أجل منتخب الجزائر!
وتابع موضحاً :"لقد اخترت نادي ليون بسبب الروح الرياضية والقتالية الموجودة في الفريق، كما أن المنتخب الوطني كان سبب ذلك أيضاً، لأن هناك تصفيات كأس العالم تلوح في الأفق ويجب أن نكون نحن اللاعبين جميعاً في أفضل مستوى ممكن".
لاحظ جيداً أخي القارئ، لقد أوضح بلعمري أنّه اختار اللعب في نادي ليون ليكون في أفضل مستوى قبل دخول، رفقة منتخب الجزائر، غمار التصفيات الإفريقية لمونديال قطر 2022، وهو نفس التبرير تقريباً الذي يتحدث به بعض المتتبعين والنقاد الرياضيين عندما يقولون إنّ اللاعب قد فضل عدم تجديد تجربته الاحترافية بأوروبا وإنه انضم لنادي قطر قصد ضمان اللعب بشكلٍ منتظمٍ وبالتالي الرفع من درجة جهوزيته للمشاركة في تصفيات كأس العالم لكرة القدم القادمة.
لست هنّا لأشكك في القدرات البدنية والفنية لجمال بلعمري، كما أني من أشد المعجبين بالحرارة الكبيرة والروح القتالية العالية التي يخوض بها بلعمري المباريات منذ أن كان ينشط في الدوري الجزائري، لكن "فشل" تجربته الاحترافية مع نادي ليون يدفعني للتساؤل عن سبب حدوث ذلك.
روحه القتالية لم تكن كافية لفرض وجوده
بلعمري لم يشارك مع نادي ليون في الموسم الماضي إلا في 6 مباريات بالدوري الفرنسي، وفي مباراتين اثنتين في مسابقة كأس فرنسا، سجل خلالها هدفاً واحداً. لم تشفع له روحه القتالية، كسب الثقة الكاملة للمدرب غارسيا، للاعتماد عليه في خط دفاع فريقه، وقد يكون ذلك بسبب نقص الحس التكتيكي للمدافع الجزائري على الرغم من إجادته اللعب بقدميه اليمنى واليسرى والتي كانت ستساعده في الخطة التكتيكية لمدرب ليون الذي يفضل طريقة (3- 5 -2)، أي اللعب بثلاثة مدافعين في وسط الدفاع.
وقد يرجع هذا النقص في الحس التكتيكي إلى نقص التكوين الذي تلقاه اللاعب في صغره وفتوته، فقد بدأ جمال بلعمري مشواره الرياضي ضمن فرق صغيرة في بلديتي باش جراح والحراش بالجزائر العاصمة، قبل أن ينضم للفريق الأول لنادي نصر حسين داي، وهو في سن العشرين سنة، أي في صيف 2009، واستمر معه إلى غاية صيف 2012، حين التحق بنادي شبيبة القبائل.
ولعب بلعمري 3 مواسم مع الشبيبة القبائلية، كسب خلالها وداً واحتراماً كبيرين من جماهير النادي بالنظر للحرارة الكبيرة في اللعب والتي كانت تسبب له من حين لآخر بعض الإصابات الطفيفة، وكان حينها جمال يطرق ألوان المنتخب الجزائري الأول بكل قوة على أمل المشاركة في مونديال البرازيل، لكن مدرب "محاربي الصحراء" في ذلك الوقت، البوسني وحيد خاليلوزيتش، لم يمنحه أي فرصة للتواجد في معسكر " الخضر"، كما أنّ المدرب الذي خلفه، الفرنسي كريستيان غوركوف، استدعاه في مارس/آذار 2015 لخوض وديتي قطر وسلطنة عمان، لكن دون أن يُشركه في أي دقيقة منهما.
وانضم بلعمري في موسم (2015 – 2016) لنادي وفاق سطيف وشارك رفقته في مسابقة دوري أبطال إفريقيا لكرة القدم، قبل أن يغادره نحو نادي الشباب السعودي في صيف 2016، حيث عاش مع هذا النادي الخليجي الحلو والمر، لمدة 4 مواسم كاملة، كسب خلالها محبة جماهير الفريق، لكن توتر علاقته مع إدارة النادي سرع بفسخ عقده الذي كان من المفترض أن ينتهي في يونيو/حزيران 2021.
انضمام متأخر لمحاربي الصحراء
يبقى الشيء الأبرز الذي كسبه بلعمري خلال لعبه مع النادي السعودي هو لفته أنظار مدرب المنتخب الجزائري، جمال بلماضي، الذي استدعاه لمواجهة منتخب توغو بالعاصمة لومي يوم 18 نوفمبر/تشرين الثاني 2018، لحساب تصفيات كأس أمم إفريقيا لكرة القدم 2019، والتي انتهت بفوز "الخضر" بنتيجة أربعة أهداف لواحد.
وبقية القصة معروفة، فقد نجح جمال بلعمري في فرض وجوده في التشكيلة الأساسية لمنتخب الجزائر وأسهم في التتويج بلقب كأس أمم إفريقيا بمصر في صيف 2019. وقد خاض إلى غاية الآن 21 مباراة دولية، في انتظار تعزيز رصيده خلال التصفيات الإفريقية لمونديال 2022، التي ستنطلق في شهر سبتمبر/أيلول القادم، والتي من أجلها قرر"ابن الحراش" مغادرة فرنسا نحو قطر.
بلعمري ليس اللاعب الوحيد المتخرج من الدوري الجزائري الذي فشل في الاحتراف بأوروبا، فقد سبقه لذلك زميله الجديد في نادي قطر، المهاجم يوسف بلايلي الذي خاض تجربة قصيرة مع نادي أنجييه الفرنسي في النصف الأول من موسم 2017- 2018، وذلك بخلاف لاعبين جزائريين آخرين تلقوا تكويناً جيداً ضمن أكاديمية نادي بارادو الجزائري الذين احترفوا بأوروبا في سن مبكرة، ونخص بالذكر رامي بن سبعيني، المدافع الحالي لفريق بوروسيا مونشنغلادباخ الألماني، والظهير الأيمن يوسف عطال، ومتوسط الميدان هشام بوداوي، نجمي نادي نيس الفرنسي.
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.