لا تنبس المعارضة التركية ببنت شفة إزاء المليارات التي أُغدقت على شراء دبابات إم-46 من الولايات المتحدة الأمريكية، ودبابات "ليوبارد" من ألمانيا. لكن المعارضة ذاتها تقوم ولا تقعد من أجل استثمارات قطرية في مجال الصناعات الدفاعية الوطني الهادف لإنتاج دبابات تركية؟
هناك لغة شوفينية، متعالية تتعالى نبرتها من المعارضة التركية. ويتنافس كمال كليجدار أوغلو زعيم حزب "الشعب الجمهوري"، وميرال أكشنار زعيمة حزب "الخير" على جائزة الأكثر شوفينية في الآونة الأخيرة. تلك التصريحات مثال حاضر وخطير على عنصرية رأس المال.
زيارة حاسمة
كان الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، الجمعة، بمصنع "تانك-باليت" في منطقة "عريفية" بولاية سكاريا. ولا شك في أن هذه الزيارة كانت رائعة من حيث توقيتها. ولن يكون من الخطأ النظر إلى هذه الزيارة على أنها رسالة واضحة، من أجل رفع الروح المعنوية وتحفيز الموظفين في المصنع، ونقل رسالة تصميم وتوكيد ضد المعارضة.
دعونا نقتبس بعضاً من رسائل أردوغان في تلك الزيارة:
– سننتهي من دبابة "ألتاي" المحلية بحلول العام 2023 إن شاء الله.
– لسنا غرباء عن هذا المصنع. قبل 9 سنوات قمنا من هنا بإطلاق مدفع الهاوتزر 244 محلي الصنع. وفي عام 2016 قمنا بإنتاج 280 مدفعاً من الطراز نفسه، وسلمناها للقوات التركية.
– هذا المصنع ملكيته لنا، وهو مخصص لوزارة الدفاع التركية، وأُسندت ملكيته للدولة التركية، وسيبقى كذلك.
– الشركة المشغلة للمصنع شركة تركية. لم يخسر أي من موظفينا هنا أي حق من حقوقه. وسيستمر الإنتاج هنا على قدم وساق تحت إدارة جيشنا بما يلبي حاجة القوات التركية. تتبع جميع صلاحيات التجربة والتدقيق لوزارة دفاعنا. ودولة قطر شريكة رأس المال في هذا المصنع بنسبة 49%، ولنا 51%.
تصريحات الرئيس أردوغان في الواقع تكرار للحقائق المعروفة والواضحة التي أكدها مسبقاً، ضد ادعاءات المعارضة فيما يتعلق بمصنع دبابات "تانك-باليت"، حيث تقول افتراءً إنه بيع للقطريين.
حينما بدأ تشغيل هذا المصنع عام 1973، كانت بعض الصحف في تلك الفترة تصدّرت بعناوين بارزة مثل "أربكان يستثمر الأموال في مستنقع عريفية".
كما ترون تلك العقلية لا تزال مستمرة حتى اليوم من خلال أحزاب يُفترض أنها مرموقة. أدلى رئيس حزب الشعب الجمهوري، كمال كليجدار أوغلو، ببيان قال فيه عن الشراكة التركية-القطرية: "إنها خيانة بحق تركيا أن يتم تسليم مصنع تانك-باليت إلى قطر".
في الآونة الأخيرة، صدرت إهانة عن نائب بـ"الشعب الجمهوري" بحق الجيش التركي حول هذا الأمر، حينما قال إن "جيشنا بيع لقطر". لتبدأ تحقيقات رسمية على الفور من قِبل الادعاء العام في أنقرة، بتهمة إهانة القوات التركية المسلحة والتنظيم العسكري للدولة.
قطر التي يقولون عنها إنها اشترت تركيا، تحتل المرتبة الـ17 فحسب من حيث حجم رأس المال الأجنبي في تركيا.
ودعونا نثبت من خلال الأرقام أن ادعاءات المعارضة التركية التي تقول إن الدولة تم تسليمها للقطريين، عارية عن الصحة جملةً وتفصيلاً:
- بين عامي 2003 و2020، كان هناك ما مجموعه 165 مليار دولار من الاستثمار الأجنبي المباشر في تركيا. ثلث تلك الاستثمارات تمت عبر شركات من هولندا والولايات المتحدة والمملكة المتحدة.
- تحتل دول مثل لوكسمبورغ وإسبانيا وبلجيكا وفرنسا وأذربيجان قائمة الدول العشر الأولى من حيث الاستثمار الأجنبي المباشر في تركيا، بينما استثمارات قطر البالغة 2.7 مليار دولار، لم تتمكن من إيجاد مكان لها إلا في المركز الـ17.
لكنني بالطبع أتمنى أن يزداد حجم تلك الاستثمارات أكثر. كما أتمنى أن يزداد عدد الدول التي تستثمر في تركيا مثل قطر، بدافع المودة وشعور الصداقة والإخاء.
عندما تنشأ مشكلة ثقة ما في الاقتصاد، فإن أموال الاستثمارات الغربية سرعان ما تغادر البلاد بسهولة، إلا أن قطر لا تتخلى عن وقوفها إلى جانب الاقتصاد التركي في الأوقات الصعبة.
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.