منذ تسجيله هدف "القاضية ممكن" ومحمد مجدي قفشة هو معشوق الجماهير الأهلاوية الأول، منذ تسجيله الهدف القاتل في مرمى الزمالك، ومستوى "قفشة" يتصاعد ويتطور، لكن هناك نقطة مضيئة في أداء مجدي لا تحظى بالتقدير اللازم، ربما يحصل قفشة على حب الجماهير عن هدف "القاضية ممكن"، ويحصد إعجاب المحللين التقليديين عن صناعته للأهداف، لكن حقيقة الأمر أن تلك لقطات بارزة وملحوظة للعيان، وقد تكون طبيعية ومتوقعة في أي صانع ألعاب جيد، لكن "قفشة" أشمل من ذلك بكثير.
كرة القدم تُلعب بدون كرة قدم
لطالما سمعنا أو قرأنا تلك الجملة، في رأيي هي من أهم نظريات اللعبة، ولأن كرة القدم تلعب بدون كرة قدم، فمجدي قفشة يعرف كيف يلعب جيداً. أسطورة كرة القدم الراحل يوهان كرويف أكد على تلك النقطة، بأن اللاعب يحصل على الكرة في قدميه 3-4 دقائق خلال المباراة الواحدة، إذن هناك 86 دقيقة أخرى لا يلمس فيها اللاعب الكرة، ومن السذاجة أن يتم الحكم على اللاعب من خلال تلك الـ4 دقائق فقط، ويتم تجاهل باقي وقت المباراة.
هنا تأتي أهم ميزة يمتلكها "قفشة" في رأيي، وهو عمله وتحركاته بدون كرة.
يقول أسطورة خط وسط برشلونة تشافي هيرنانديز "ليس اللاعب من يحدد أن سيمرر، بل زملاؤه هم من يحددون ذلك". يقصد الإسباني أنه عن طريق التحرك بدون كرة وفتح زوايا التمرير يوفر الزملاء لحامل الكرة خيارات للتمرير. على هذا الصعيد تبرز قوة قفشة، هو زميل مخلص لأصدقائه في الملعب، دائم الحركة، أوكسجين لهم وقت الضغط عليهم، متنفس للمدافعين والأظهرة بين الخطوط وفي المساحات الفارغة، يبحث دائماً عن الفراغ ليسكنه، يحرر نفسه بنفسه ويهيئ لنفسه دائماً الوضع المناسب للإبداع.
قفشة والوعي المكاني
أهم ما يميز تحركات قفشة هو الوعي المكاني، تلك ميزة تنعكس دائماً على قراراته، قفشة دائماً واعٍ لمكانه بشكل ممتاز ولتمركزات زملائه، بالتالي يصبح سابقاً لمن حوله ذهنياً، وتلك هي السرعة الأهم في كرة القدم، السرعة الذهنية.
قفشة لا يتوقف عن المسح
يستحيل أن تكون مميزاً بخاصية الوعي المكاني دون أن تكون قوياً في عمل مسح أو Scanning للملعب بشكل مستمر، من يلاحظ قفشة جيداً يدرك أنه لا يتوقف عن المسح، تحليل للوضعية بشكل مستمر، الأجزاء من الثانية التي يرفع فيها رأسه قبل تسلم الكرة هي من تجعله يسبق من حوله بقراراته، بالتالي هو قارئ جيد للمساحات، ومحلل ممتاز للوضعيات من حوله، بالتالي قراراته تصبح صحيحة وسابقة للزمن مقارنة بقرارات البقية حوله.
التمريرة هي أسرع مراوغ في اللعبة
إحدى أهم كلمات المدرب والمحلل الموريتاني محمدي العلوي تنطبق على محمد مجدي. تمريراته تعبر تكتلات، وتكسر خطوطاً قوية جداً، لكن لا بد من أن ندرك أنه يمرر بعقله لا بقدمه، فكما أخبرنا دانتي باريزي "اللاعبون السريعون لا يقدمون كرة سريعة، كرة القدم السريعة تخرج من العقول السريعة".
لا يكترث لآراء الجماهير
منذ مدة تحدثت مع أحد وكلاء اللاعبين المتعاونين مع مجدي، وفتحت معه ذلك الحوار، عن ذكاء قفشة غير المقدر من الجمهور بما فيه الكفاية، وجاء إسلام بالتأكيد على ذلك، وأن قفشة كان يعامل بطريقة قاسية من الجماهير قبل هدف "القاضية ممكن"، وبعد الهدف يعامل بطريقة أخرى، تغفر له زلاته، ذلك شيء مفهوم، ربما لأنه كان السبب في الفوز بالبطولة التاسعة إفريقياً للأهلي، وعلى حساب الغريم الزمالك، وجلب لهم انتصاراً مضاعفاً، انتصاراً في الميدان وآخر في الشارع والسوشيال ميديا، ذلك وإن دل على شيء فهو يؤكد على الكلام الذي بالأعلى، بأن الجماهير لا تعرف مجدي قفشة جيداً، أو لا تدرك مدى أهميته بالشكل السليم.
يذاكر جيداً ويتطور باستمرار
وذكر لي إسلام أيضاً أنهم كوكلاء متعاقدين مع شركات لتحليل بيانات، من أجل تحليل أداء اللاعبين بعد كل مباراة، رقمياً وفنياً، بالخرائط الحرارية والبيانات التفصيلية، قفشة من أكثر اللاعبين المهتمين بذلك، بمراجعة نفسه بعد كل مباراة، وتحديد أخطائه جيداً من أجل العمل عليها. في الفترة التي كان يتعرض فيها للانتقاد قبل هدف "القاضية ممكن"، كان يجلس مجدي قفشة مع وكلائه ومراجعة أدائه باستمرار، ويكتشف أنه قدم أداء جيداً، وأنه ليس محظوظاً فقط، وكانوا يقولون له إنه مع الوقت ستعرف الناس قيمتك الحقيقية عندما يحالفك الحظ.
التدريب تحت قيادة كابتن إيهاب جلال والسويسري رينيه فايلر كان سبباً كبيراً في الوعي التكتيكي لدى محمد مجدي، فهما من أهم المدربين الذين لعبوا بمبادئ اللعب المركزي في الدوري المصري (أغلب الجماهير أيضاً لم تدرك ذلك)، جوهر اللعب المركزي مبني في الأساس على المساحات، كيفية إيجادها ثم استغلالها. بيب غوارديولا أهم من لعبوا بذلك الأسلوب يقول إن المساحة هي مهاجِمه الأول والأخير، ويقول أيضاً "نحن لا نمرر الكرة إلى اللاعب، بل نمررها في المساحة"، مجدي يدرك ذلك جيداً، يتحرك باستمرار للبحث عن الفراغات والتمركز فيها، يطلب الكرة في المساحة الفارغة، وقبل تسلمها يقوم بعمل مسح مرئي للملعب، يحلل الوضعية ويدرك المساحات والثغرات ثم يلعب الكرة فيها، الهدف من اللعب المركزي هو صناعة التفوق دائماً، تفوق عددي في منطقة الكرة، وتفوق مركزي بتحرير لاعب وإيجاد مساحة لازمة له، قفشة يعي ذلك جيداً، ويلعب بوعي وليس بالحدس كلاعبين كثر.
في رأيي، ليس الجميع مدركاً أهمية قفشة الحقيقية، فحتى الآن لم أصادف من تحدث عن تلك النقطة، هي بالطبع أكثر ما يميزه، الحد الأدنى من المهارات لصانع الألعاب هو قدرته على لعب التمريرات الحاسمة، وإيجاد الحلول في العمق وأي مكان في الثلث الأخير من الملعب، وعمل الزيادة العمودية لمنطقة الخصم، كل ذلك يجيده مجدي قفشة، لكن أهم ما يميزه بأنه قارئ جيد للمساحات، ذكي جداً على الصعيد التكتيكي، ومستقبل جيد للتمريرات وليس مرسلاً لها فقط.
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.