ما بين كرة الصالات وألعاب الفيديو هناك قرار حاسم بأن تكون ميسي أو تكتفي بأن تكون ديمبيلي
أليكس جارسيا مدرب الناشئين في برشلونة خلال موسم 2002-2003 قال عن ميسي "تعوّد أن يلعب كرة الشوارع (يقصد التي تميل للاستعراض)، لذلك حاولنا كثيراً أن نُدخله أكثر في منظومتنا، أن نعلّمه كيف يُمرر الكرة كثيراً لزملائه، أن نلعب بأقصى طاقتنا ونتجه للمرمى بلمستين أو ثلاث لمسات".
قوة ميسي لم تزدهر كونه لاعباً موهوبا فقط، بل لأنه أصبح يعرف كيف يستخدم موهبته بشكل إيجابي له وللفريق، ودعني أقول لك مفاجأة حقيقية أن ميسي لم يولد لاعباً إيجابياً بهذا الشكل، بل إنه مر بمراحل عديدة أصقلته تكتيكياً على الأخص كما تحدث أليكس جارسيا.
برشلونة لقّن ميسي كيفية الحركة في المساحات الضيقة بدون كرة، عن الوقوف والتمركز ، كيف يتواصل مع زملائه في الملعب بنظرة، علموه كيف يقرأ تحركات زملائه، وهو ما استخدمه ليونيل لاحقاً لقراءة تحركات المنافس.
نعم ميسي كان رهيباً، ويتعلم كل شيء بشكل سريع وبإتقان عالٍ جداً، إلا أن فلسفة برشلونة أسهمت بشكل واضح في تغيير طريقة تعامله مع لعبة كرة القدم.
نشأة عثمان ديمبيلي لا تقل عشوائية عن بدايات ميسي
ما بين كرة الصالات وأندية الهواة ترعرع عثمان، ولكنه لم يمر بتلك المرحلة التي أثقلته تكتيكياً، جميع تجاربه كانت احترافية أكثر منها تعليمية، ولذلك لم يكن لاعباً عظيماً على الصعيد التكتيكي، ولكنه كان مهارياً كفاية للفت أنظار الفرق الكبرى، أي فريق يتمنى لاعباً سريعاً، يستخدم كلتا قدميه، يراوغ ويسدد ويسجل الأهداف، فبالتأكيد هو لاعب جيد، ولكن متى يستطيع ديمبيلي أن يجتاز كونه لاعباً جيداً إلى أن يصبح لاعباً عظيماً؟
ديمبيلي بالتأكيد لديه الإمكانات التي يحلم بها أي لاعب، ولكنه عقلياً وذهنياً لم يكن ذلك اللاعب الذي تبني عليه منظومات بعينها، ليس هو اللاعب الذي يفعل كل شيء بشكل صحيح، فهو يراوغ في الوقت الذي يجب فيه أن يمرر والعكس صحيح، ويبالغ في مراوغاته دون أن يستكشف حوله ما إذا كان الوضع سيسمح بهذا أو يحتاج هذا.
نعم هو لديه الإمكانات، ولكن لا يستخدمها بشكل صحيح، هو بنسبة كبيرة ليس بتلك الثقافة على الصعيد التكتيكي، ولن ينسجم بسهولة في خطط لعب كثيرة ليكون إيجابياً لها وللفريق، وهذا يرجع لنشأته العشوائية كروياً، والتي لم تسمح له بتطوره على الصعيد التكتيكي، ولكن أيضاً يرجع إلى عقليته، التي لا تمتّ للاحتراف بصلة.
عقليته تتجسد في مواقف عدة، بدءاً من إصاباته الكثيرة التي تعود لأسباب عضلية بالأساس، وتصرفاته غير المنضبطة من قبيل السهر وتناول الوجبات السريعة إلى المداومة على ألعاب البلاي ستيشن، ويكفي أنه منذ أن أتى إلى برشلونة مازال لم يتعلم اللغة الكتالونية، ولا يجيد التواصل مع زملائه بسهولة، وهذا يفسر تصريحات ديديه ديشامب عن معاناة عثمان مع كرة القدم الاحترافية.
فسّر ذلك فالفيردي بتصريح مميز قال فيه "ديمبيلي مثال للموهبة دون جهد، يعتقد أنه لا ينبغي عليه بذل جهد، وأنه يستطيع فرض نفسه ببساطة لأنه أفضل من أي شخص آخر في اللعبة، إنه يهيمن على المساحة، ولكن ليس دائماً في الوقت المناسب، كيف يتخذ أفضل القرارات في كل لحظة، متى تسدد، تمرر، تعبر".
وصفته بأنه تصريح مميز لأنه لخّص مسيرة ديمبيلي إلى وقتنا هذا، مرصع بالإمكانات والمهارات، ولكنه يقف مكانه، لأنه جاهل بالتوقيت المثالي والقرار الصحيح تكتيكياً، وهذا يؤثر على قراراته، والأسوأ من الجهل هو ألا تعترف بأنك جاهل.
ديمبيلي يخوض فرصته الأخيرة لإثبات نفسه كلاعب للبرسا، لأن عقده ينتهي بنهاية الموسم القادم، وعليه إقناع مسؤولي البرسا باستحقاقه لعقد جديد، وحاجته لإثبات التزام اجتماعي وتكتيكي أيضاً، فلا داعي للاستغراب أن ديمبيلي هو اللاعب الأكثر تعرضاً للغرامات المالية في آخر عامين مع البرسا، لذلك إما النجاح والتغيير مع كومان أو لا شيء.
مصير ديمبيلي
أختم مقالتي بكلام زرقاء اليمامة تشافي هيرنانديز، "اللعب للبارسا هو الاختبار النهائي للاعب الكرة، لا يمكن لأي لاعب اللعب في هذا النادي، لأنك مطالب بالقيام بـ3 مهام إضافية عن أي مكان آخر، ديمبيلي موهوب جداً، لكن عليه أن يتعلم كيف يفكر بسرعة، هو أمر ذهني في الأساس، لذلك عليه أن يقول لنفسه "أنا لاعب للبارسا"، عليه أن يكون أقوى ذهنياً، العقلية القوية تعطيك الثبات في الأداء، وتجعلك أقوى عندما تشتد الأمور".
ديمبيلي خاض 43 مباراة مع البرسا هذا الموسم، منها 10 لقاءات متتالية مع برشلونة للمرة الأولى منذ مجيئه للبرسا عام 2017، لكن إصابته مؤخراً مع منتخب الديوك الفرنسي قد تكون نهاية عاصفة لديمبيلي، الذي ينتهي عقده الموسم القادم، والحديث عن تردد كبير داخل أروقة البيت الكتالوني في التجديد للاعب، ولكن إصابته قد تجبر برشلونة على إبقائه لتلك الفترة على الأقل.
فهل ينجح ديمبيلي في استغلال الفرصة الأخيرة له في معقل الكامب نو، أم يفرض الواقع نفسه ويختتم ديمبيلي مسيرته مع البرسا نحو نادٍ آخر يزيح عنه الغبار ويعيد اكتشافه؟ سنرى في النهاية.
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.