ربما لا يعرف البعض عن دلال عبدالعزيز أكثر من كونها ممثلة اشتهرت بدور الأم، وزوجة أحد أشهر ممثلي الكوميديا في مصر، لكن تلك السيدة تخفي في الواقع أسراراً عدة تجعل منها –برأيي- "امرأة خارقة". إذا أرادت دلال شيئاً فعلته، مهما بدا الأمر صعباً وغير واقعي، يمكن لمن يتأمل في حياتها أن يتعلم الكثير عن المثابرة والإصرار، وكيف يمكن للمرء أن يخلق سعادته الخاصة بيديه، بل أن يحدد مساره في الحياة بنفسه دون أن ينعى حظه، سواء كان ذلك على المستوى العلمي أو الاجتماعي أو الروحاني أو حتى العملي، مهما كان وضعه أو حالته، يكفيه أن يضع هدفاً ويسعى نحوه وكفى.
تبكي وتضحك دلال عبدالعزيز في نفس اللحظة وبمنتهى الإخلاص، تبكي بعمق يبكيك وتعود لتضحك من قلبها بقوة غريبة تجعلك تقهقه في اللحظة ذاتها بصحبتها. لا أتحدث هنا عن التشخيص والتمثيل، أتحدث عن الحياة الواقعية التي تمتلك فيها من الأسباب ما يكفيها لتنزوي وتكتئب وتمتلك فيها أيضاً من الأسباب ما يدفعها للضحك من أعماق قلبها ومواصلة الحياة بالطريقة الملهمة ذاتها، وهو ما تفعله دوماً بنجاح وتميز.
تخرجت في 4 كليات!
تفتخر دلال عبدالعزيز في لقاءاتها بأنها تستطيع تزغيط الحمام والبط، وأنها تعلم الكثير عن التفاصيل القادمة من الأرياف. تقول إنها لو لم تصبح ممثلة، فربما صارت مدرسة علوم بمدينتها الزقازيق، حين كانت دلال تدرس بالثانوية العامة، كانت تهوى التمثيل بشدة حتى أنها فاتحت والدها أنها ترغب في الالتحاق بمعهد السينما، لكنه رفض معتبراً الأمر عيباً "أقول إيه للناس بنتي خريجة معهد تمثيل" رجل التربية والتعليم اختار لابنته الالتحاق بكلية الزراعة، وهي كلية تصفها دلال بـ"الصعبة" ورغم رغبتها في الالتحاق بكلية السياحة والفنادق فإنها ولذكائها الاجتماعي الشديد قررت أن ترضي والدها والذي سمح لها في المقابل بأداء أول دور في حياتها بصحبة الفنانة كريمة مختار في مسلسل اسمه "بنت الأيام" إخراج مكتشفها الأول نور الدمرداش.
بدت دلال جميلة وواعدة جداً في تلك المرحلة حتى أن الأدوار أمطرتها لكن والدها قرر أنها لن تمثل مرة أخرى قبل أن تنهي دراستها وتحصل على شهادة التخرج، "قعدت أعيط وكنت حزينة لكن نصيحة ماما كريمة مختار فرقت معايا لما قالت لي شهادتك أبقى لك اسمعي كلام ماما وبابا، وأحسن لك تاخدي الشهادة الأول، وفعلاً ادتني تليفونها وقالت لي لما تاخدي الشهادة وتتخرجي كلميني وهاجيبلك شغل". بالفعل أوفت كريمة مختار بوعدها لدلال وقدمت لها دوراً في مسلسل "أصيلة" حيث شاركها التمثيل فيه كل من كريمة مختار وجورج سيدهم بعد التخرج مباشرة.
لم يكد والد دلال عبدالعزيز يخرج للتقاعد وينتقل إلى القاهرة حتى توفي على درجة وكيل وزارة التربية والتعليم. في تلك المرحلة كادت دلال تنهي دورها في مسلسل أصيلة فعاجلها جورج سيدهم بعرض العمل معهم في مسرحية (أهلاً يا دكتور)، "كانوا بيحضروا ووقتها قدمني أستاذ جورج لأستاذ حسن عبدالسلام وسمير غانم وقال لي الفن مفيهوش واسطة، لو كويسة هيخدوكي مش كويسة مش هيخدوكي، عملت التيست على مسرح الهوسابير، وسقفوا لي".
حظيت دلال عبدالعزيز بالدور بدلاً من آثار الحكيم، كما حظيت أيضاً برعاية المخرج حسن عبدالسلام والذي اعتادت أن تقول عنه "بابا حسن" كما اعتادت أن تدعو ملاكها الحارس بـ"ماما كريمة مختار"، وعلى الرغم من أن ذلك الاختبار كان بوابتها لمشوارها العملي والشخصي، فإنها ما إن استقرت على الطريق حتى سارعت إلى شق طريق مختلف تماماً يتعلق بمسارها العلمي لا يعرف عنه الكثيرون شيئاً.
"ما بتبطلش مذاكرة" هكذا عبَّر سمير غانم عن شكل حياة دلال والتي لم تتوقف عن التعلم لحظة منذ بداية زواجهما وحتى الآن، دائماً لديها شيء ما تذاكره وتمتحنه، حتى أنها حصلت على مدار حياتها بخلاف بكالوريوس كلية الزراعة على بكالوريوس في كلية الإعلام جامعة القاهرة، وليسانس الآداب في قسم اللغة الإنجليزية بكلية الآداب جامعة القاهرة، بالإضافة إلى دبلومة في العلوم السياسية بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية جامعة القاهرة وهو ما عبَّرت عنه بقولها "أحب حالة التعلم المستمرة، تعطيني شعوراً بأنني على قيد الحياة".
حياتها برعاية والدتها
من بين أقرانها في المرحلة الإعدادية بدت دلال واعدة مقبلة على الحياة وجميلة أيضاً، ولدت دلال عبدالعزيز في مدينة الزقازيق بمحافظة الشرقية، لأم ربة منزل، وأب يعمل مدرس رسم. لكن العائلة كانت ميسورة، تقطن بعمارة وتتمتع فيها الأم بمربية تساعدها على تربية أبنائها، لعبت الأم دور البطولة في حياة دلال، ربما لأنها فقدت ابنة قبلها كانت ماتزال بعد بعمر الـ15 عاماً، جندت نفسها لخدمة الفتاة الباقية بكل الأشكال. الشقيقة الكبرى الراحلة كانت السبب الرئيسي فيما نالته دلال لاحقاً، فبينما كانت الشقيقة الكبرى على قيد الحياة وتقدم عروضاً مسرحية في مدرستها، كانت تخبر الجميع أن لها شقيقة "أشطر" في تقديم الأدوار وتستحق فرصة، حتى نالت فرصتها لاحقاً على مسرح المدرسة ذاته، رحلت شقيقتها المحفزة والداعمة وبقيت دلال تحاول وتصل.
في أحد الأيام وبينما تخطو دلال أولى خطواتها بمسرحية (أهلاً يا دكتور)، سمعت اثنتين من زميلاتها، تقول إحداهما للأخرى "بيجيبوهم من الفلاحين يعملوا علينا أبطال" يومها حزنت للغاية فسارعت لوالدتها تروي لها ما جرى "بصراحة الكلمة ضايقتني جداً، لكن أمي قالت لي: قولي لها اللي عندهم أصول من الفلاحين أو من الصعيد.. انتي منين يا حبيبتي؟" بهذه الطريقة ومع كل عقبة كانت الأم تقف بظهر ابنتها التي عاشت ببيتها لاحقاً، حيث حملت عن دلال عبء تربية الصغيرتين، "هي اللي مربياهم، أنا محستش بيهم، كنت بخرج وأروح وأشتغل وأسافر وأنا مش حاملة همّ تماماً، في وقت كانت بعض زميلاتي يبكوا بالدموع لأنهم مش عارفين يودوا أولادهم فين.. محستش بالتربية وصعوبتها غير لما بنتي خلفت".
كانت دلال عبدالعزيز تبكي يوم عيد الأم من كل عام، بينما والدتها لا تزال على قيد الحياة، "كنت دايماً شايلة همّ اليوم اللي هاتموت فيه"، على الرغم من وفاتها قبل وقت طويل فإن والدة دلال عبدالعزيز لا تزال حية في أفعالها، خاصة الفعل الأشهر "المواساة" والذي اشتهرت به من بين فنانات جيلها جميعهن "والدتي كانت تقولي إوعي ماتروحيش العزاء، ممكن تطنشي لو فيه فرح، لكن لو فيه عزاء ماينفعش تتجاهليه، لذلك نادراً لما تلاقيني في أفراح، سمير مسميني عزاء عبدالعزيز، ومسمي صديقتي عزاء الجداوي، لأنها معايا دايماً".
رغم وفاة صديقتها المقربة رجاء واصلت دلال عبدالعزيز طريقها في مواساة الجميع "لما بقرأ حادثة عن حد فقد ابنه أو بنته ببقى عاوزة أروح أعزيه، ببقى عاوزة أروح أحضنها أبوسها أهديها، أطبطب عليها بجد من قلبي، والعادة دي بقت عند بناتي، لازم واحدة من بناتي أو الاتنين ييجوا معايا، بكلمهم وكل واحدة حسب ظروفها اللي بتسبقني أو اللي بتروح معايا وهكذا". عادة اكتسبتها من مدينتها الأم في الزقازيق، "كان لما حد يموت لحد في العمارة نقفل التلفزيون تماماً، ونقعد مدة، كان الموت قليل، دلوقتي بقى كتير جداً". لم تكن دلال تعرف أنها عقب سنوات قليلة من تلك الكلمات ستفوت أهم عزاء في حياتها.. عزاء سمير غانم.
الأمومة على طريقة دلال
رغم اعترافها أنها لم تبذل مجهوداً ضخماً في طفولة صغيرتيها، فإن بطولتها الحقيقية بدأتها عقب سن الخمسين، حين راحت تقدم أدوار الأم واحداً تلو الآخر، لتبدأ عهداً جديداً في مسيرتها الفنية، تبلور بوضوح بعد أن صارت جدة، وأياً كان دورها كوميديا أو تراجيديا، في كل الأحوال هي مقنعة جداً.
في السنوات الأخيرة كانت الوظيفة الحقيقة لدلال عبدالعزيز هي إدارة مؤسسة قوامها سمير ودلال ودنيا وإيمي، أحسنت إدارتها على أفضل وجه، إدارة كانت فيها مسؤولة حتى عن تدبير مواعيد الكوافير والماكير والسائقين لأفراد العائلة، تُعنى بالحفيدة وبالبيت وبكل التفاصيل ولا يفوتها أداء الأدوار الاجتماعية التي أجادتها إلى حد بعيد.
ربما كل أدوار الأم التي قدمتها دلال عبدالعزيز في كفة ويبقى دورها الأشهر والأبرز، لمياء في مسلسل "سابع جار" في كفة أخرى.
كان دور الأم لمياء مكتوباً بطريقة مميزة جداً من الكاتبة هبة يسري التي كانت واحدة من المخرجات الثلاث لسابع جار، دور جعلها "أُماً" في العقل الجمعي المصري لكثيرين افتقدوا أمهاتهم.
سر السبحة الحمراء
"لو نسيتها أحس إني هيجرالي حاجة" هكذا تحدثت عن علاقتها بالسبحة الحمراء، عمرها 25 عاماً، أمسكتها للمرة الأولى حين قامت بأول بطولة لها في مسلسل "لا" مع يحيى الفخراني، إخراج يحيى العلمي، وقتها نجح المسلسل فظلت تمسك بالسبحة خلال فترة وجودها بالبيت، ثم بدأت تأخذها في السيارة ثم في أوقات الفواصل خلال التصوير "حسيت فعلاً بألَا بذكر الله تطمئن القلوب، لاقيت تريقة كتير وسخرية لكن دي حاجة بيني وبين ربنا، ييجي اسم من أسماء ربنا في بالي أفضل أذكره برتاح، بقى ليا ورد يومي واتعودت عليها، واللي بيحب يهاديني يجيبلي سبحة".
في إحدى المرات وبينما كنت أشتري لوازم من محل ملابس ذكرت لي البائعة الشابة -حين علمت أنني صحفية- كيف أن دلال عبدالعزيز زبونتها، تغدق عليها بالمال الوفير "ست طيبة جداً وبتطلع فلوس كتير جداً لله"، في الواقع سمعة دلال عبدالعزيز في هذا الصدد قوية جداً، والحكايات لا تنضب عن مساعداتها العديدة حتى أن نقيب الممثلين خرج في أحد البرامج ليؤكد أن دلال وسمير كانا في مقدمة المتبرعين لحالة الفنان شريف دسوقي وغيره من الفنانين مؤكداً أنها سباقة في فعل الخيرات دائماً.
دماثة دلال عبدالعزيز ولطفها وصلا إلى درجة أنها استأذنت الممثلة الشابة التي قامت بدور رضوى في مسلسل سابع جار كي تنتقدها خلال العمل "كنت خايفة تزعل لكن قالت لي براحتك".
طفلة تركض خلف سمير
لم يتوقف سمير لحظة عن السخرية من دلال عبدالعزيز، حين تذكر أول مرة رأته فيها على الكورنيش يخبرها "لو أعرف كنت رميتك في البحر" تذكر له أول لقاء بينهما في اختبارها على مسرح الهوسابير فيضحك "لو كنت أعرف كنت قلت لهم إلا دي" في الواقع كان سمير واضحاً منذ اللحظة الأولى، وهي تقبلت ذلك وتعاملت معه كعنصر قوة في علاقتهما وليس ضعفاً فصارت سخريته المتواصلة مصدر ابتسامة لها وليس غضباً وضيقاً، الفنانة التي لا تجيد استخدام الكمبيوتر والتي ظلت تتمنى شد رقبتها وتخشاه في الوقت نفسه حتى شهور مضت، لا تتحرج من ذكر أمور عائلية عدة قد يعتبرها البعض مصدر إحراج.
مثلاً لم تتحرج من ذكر النصيحة التي لطالما نالتها العائلة بشأن تميز دنيا عن إيمي، وأنهم كأسرة قرروا تدليل إيمي حتى لا تتأثر فصارت صاحبة الكلمة في البيت كما لم تتحرج لحظة من أن تروي كيف أوقعت بسمير غانم وطاردته حتى حصلت عليه.
حين رأته للمرة الأولى في حياتها، كانت دلال عبدالعزيز طفلة صغيرة تسير على الكورنيش بصحبة مربيتها، وتتابع كالجميع حفلات ثلاثي أضواء المسرح، طفلة صغيرة تضحكها الاسكتشات الكوميدية وتحفظها عن ظهر قلب، لم تصدق عينيها حين رأت سمير يسير مصادفة على الكورنيش، فتركت يد مربيتها وركضت خلفه كي تسلم عليه، يومها داعب سمير شعرها وربت على رأسها بلطف مع ابتسامة جميلة ليواصل طريقه دون أن يعلم أن الطفلة الصغيرة التي أبدت إعجابها به سوف تلاحقه لاحقاً لتحمل اسمه بقية حياتها.
"ما بيحبش النكد" هكذا اعتادت أن تتحدث عن زوجها أما عن سر استمرار علاقتهما معاً فتؤكد "مفيش كذب، مفيش خيانة، مفيش مد إيد، مفيش استهتار"لكنها لم تكن بريئة 100% فقد اعتادت دلال عبدالعزيز أن تبعد عن سمير المعجبات وكافة الاحتمالات التي قد تبعده عنها حتى لو استلزم ذلك أن تدبر المكائد "ياما فقعت ذُنب في ناس كانوا في محيطي عشان تبعدهم عني"، لم تعتبر دلال الأمر عيباً حتى أنها دائماً ما تروي جملة الفنان فؤاد المهندس بفخر حين سألها عن عدد الكيلوات التي قطعتها بسيارتها فأخبرته 12 ألف كيلو فقال لها "منهم 11 ألف بتلفّي ورا سمير غانم".
سمير أكد أنها "نفضت كل الجهات.. كانت تبص بصة لو ست معايا تهاجر، حياتنا الزوجية مفيهاش مشاكل، لأني أنا مخي كبير، أكبر منها بـ20 سنة، وأول كلمة قلتها لها ماتضايقينيش وتعكنني عليّا، وهي هايلة في الحتة، لما الست تحط راجل في دماغها بتجيبه، كان يجيلي مسلسل بره مصر تدوحر لحد لما يجيلها دور في نفس المسلسل أو مسلسل غيره، المهم تكون معايا".
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.