بعد تصريحات السنوار الأخيرة واستمرار الحصار الإسرائيلي.. هل تندلع حرب جديدة؟

عربي بوست
تم النشر: 2021/06/22 الساعة 14:27 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2021/06/22 الساعة 14:47 بتوقيت غرينتش
رئيس حركة حماس في غزة، يحيى السنوار - رويترز

خرج رئيس المكتب السياسي لحركة حماس يحيى السنوار، في حديث "غاضب" وبلهجة حادة، عقب لقائه مع منسق الأمم المتحدة الخاص لعملية السلام في الشرق الأوسط تور وينسلاند، ليصف نتائج اللقاء بالسيئة، مضيفاً أنه لن يقبل باستمرار الأزمة الإنسانية في قطاع غزة، وأعلن عقد لقاء لقادة الفصائل الوطنية والإسلامية لمناقشة الوضع الحالي وتحديد الخطوات التالية.

أمام هذا المشهد نحن الآن أمام تثبيت قواعد وسياسات جديدة مرتبطة بنتائج معركة "سيف القدس".

رؤية الاحتلال

التقدير الإسرائيلي يرى أن الحرب الأخيرة قد انتهت دون أن يتحقق الردع، ولم يتم الاتفاق على المعايير الخاصة بوقف إطلاق النار، وحل قضية الأسرى، وإعادة إعمار غزة، ودون حل فعال يوقف تطوّر حركة "حماس". حكومة بينيت الجديدة تريد الإبحار بعيداً عن سياسة سلفها نتنياهو، وتحديداً تلك الخاصة بالتعامل مع قطاع غزة، فتربط عملية إعادة الإعمار بإنهاء قضية أسرى الاحتلال لدى المقاومة الفلسطينية. وفرض معادلة جديدة يتم بموجبها قصف القطاع، رداً على البالونات الحارقة التي يتم إطلاقها والتعامل معها معاملة الصواريخ. اليميني العتيد نفتالي بينيت يريد تحت ضغط الانتقادات من حزب "الليكود" اليميني، المغادر للسلطة، إثبات أن حكومته لا تقل يمينية عن سابقتها.

رؤية المقاومة

ترى قوى المقاومة الفلسطينية أن ما بعد معركة "سيف القدس" لا يجب أن يكون كما قبلها. هنالك معادلات جديدة تشكلت على أرض الواقع لا يمكن تجاهلها، تفرض نفسها بالحراك الدولي والإقليمي تجاه المقاومة والقضية الفلسطينية، خاصة أن ما حققته المقاومة في غزة سدد ضربةً قوية لـ"صفقة القرن"، وأعاد طرح الحق الفلسطيني من جديد أمام العالم أجمع، وأحيا القضية الفلسطينية.

في ملف قطاع غزة المقاومة لن تقبل بأقل من انفراجه كبيرة للأوضاع الإنسانية في غزة كما تحدث السنوار، وترفض أي اشتراطات بموضوع تبادل الأسرى، وأنه لا علاقة لهذا الموضوع بأي تخفيف أو أي إعمار أو كسر حصار، وتسعى إلى تغيير المعادلة السياسية التي تدور في فلكها مع تدهور الأوضاع المعيشية والاقتصادية لأهل غزة.

التحديات أمام حكومة بينيت 

ضمن التحديات الصعبة التي يتوجب على حكومة نفتالي بينيت التعامل معها هي الحفاظ على تماسك الحكومة المكوّنة من ائتلاف هش بسبب كثرة التناقضات والخلافات بين أطيافها، فضلاً عن محاولات نتنياهو ومقربيه إسقاطها في أقرب وقت ممكن.

بينيت كان وزير حرب في السابق، وأخرج كل ما بجعبته ضد قطاع غزة، ووزير الحرب الحالي الذي أشرف على العدوان الأخير على غزة، كان رئيس أركان عدوان العام 2014 على القطاع، لذا يمكن ادعاء امتلاك المقاومة خبرة وقدرة جيدة على قراءة اتجاهاتهم.

المحلل العسكري في صحيفة "هآرتس"، عاموس هرئيل، يشير أن "نقطة ضعف بينيت المركزية تتعلق بخبرته المعدومة نسبياً. العضوية لعدة سنوات في الكابينت السياسي– الأمني وولاية لنصف عام كوزير للأمن ليست كافية من أجل إعداد شخص بشكل كامل لثقل المسؤولية المتعلقة بقيادة دولة معقدة مثل إسرائيل".

فشل الرهان على كوخافي وخطة "تنوفا" عندما وضعت موضع التنفيذ في معركة "سيف القدس"، حيث لم تفلح الخطة في تحقيق الحسم من جهة، ولم تسهم في تقصير أمد المواجهة، وتقليص الكلفة التي تتكبدها "الجبهة الداخلية" الإسرائيلية مقارنة بحرب 2014.

الوضع الراهن

الكيان الصهيوني بحكومته الجديدة يسعى لاستخدام الوسائل غير العسكرية (الحصار والتضييق) للضغط على المقاومة، لحملها على تنازلات ما كانت لترضى بها في ظروف أخرى، مضافاً إلى ذلك التهديد المتواصل باستخدام العمل العسكري لفرض سياسة الاحتلال الجديدة على المقاومة.

ما نشهده من تصعيد بالتصريحات الصادرة عن المقاومة والاحتلال قد تكون تهديدات تأتي خشية وتحسباً من قدرات المقاومة التي باتت مؤثرة، وهناك ميل لدى الاحتلال (نفتالي بينت – غانتس– كوخافي) للتركيز على جانب التهديد وإظهار القدرة والاستعداد ومحاولة زيادته من حيث إظهار الكلفة والثمن الذي ستجنيه المقـاومة من أجل تحقيق ردع مؤثر.

يحيى السنوار حماس قطاع غزة
يحيى السنوار قائد حماس في غزة/ رويترز

التهديد الحاصل باستخدام القوة وإقراره له عدد من الخيارات، تتراوح بين القوة العسكرية والفعل الشعبي الخشن. في نظر فصائل المقاومة الفلسطينية، قد لا تكون هناك حاجة لأن تقتصر استجابة المقاومة لاستخدام القوة العسكرية فقط في هذه المرحلة، فقد أمسى التلويح بالقوة مرادفاً للتلويح بالقدرة، من أجل التأثير على حسابات العدو وأدوات القوة عديدة ومتنوعة، ومن المفيد استخدامها بحسب ما تُحدثه من تأثير على مسلك الاحتلال، وإجبار الوسطاء بالتحرك الجدي والفاعل.

بناء على الشواهد السابقة قد نكون أمام سيناريوهين:

السيناريو الأول: الضغط عبر الأدوات الشعبية الخشنة مع تذبذب محدود صعوداً وهبوطاً

يعبّر هذا السيناريو عن الأمر الواقع حالياً، وهو أن لا حركات المقاومة ولا "إسرائيل" معنيتان بتصعيد عسكري يتطور إلى عملية عسكرية أو حتى حرب واسعة في قطاع غزة. وأن المقاومة الفلسطينية من خلال الضغط بالأدوات الخشنة معنية بتخفيف الأزمات عن الناس وتحسين الأوضاع المعيشية دون الوصول إلى المواجهة المفتوحة. يقوم هذا السيناريو على استمرار معطيات ما بعد معركة "سيف القدس" من حيث إحياء القضية الفلسطينية إعلامياً وشعبياً على المستوى العربي والعالمي، ومواقف الأطراف الإقليمية والدولية المؤثرة وخشيتها من تجدد المواجهات العسكرية يدفع باتجاه تحرك جاد وفاعل من قبل الوسطاء، لإلزام الاحتلال بالعودة للتفاهمات السابقة وإحياء الدور المصري والقطري في إعمار غزة.

لا يتطلّب هذا السيناريو سوى كسر سياسات حكومة بينيت الجديدة، عبر الضغط الشعبي المتصاعد وإجبار الأطراف الإقليمية والدولية المؤثرة على الحركة السريعة خشية انزلاق الأحداث وتطورها لحرب جديدة أكثر شراسة.

السيناريو الثاني: تصاعُد المواجهة مع الاحتلال بشكل عنيف

وصف السيناريو:

تصعيد ميداني قوي في أداء فعاليات المقاومة الشعبية الخشنة، وزيادة حدّة الاشتباك مع الاحتلال الصهيوني، بعد اتباع سياسة الرد على المقاومة الشعبية، وصولاً إلى مواجهات قوية واسعة قد تصل إلى مستوى اندلاع مواجهة شاملة جديدة.

شروط تحقُّق السيناريو: 

1. زيادة وطأة الحصار المفروض على قطاع غزة، وتفاقم الأوضاع المعيشية، وتراجع التوقعات فلسطينياً بإمكانية رفع الحصار عبر تدخلات الوسطاء الحالية.

2. فشل الجهود المصرية في إنجاز اتفاق تهدئة وعجزها عن احتواء التصعيد بين الاحتلال والمقاومة في غزة نتيجة أي تصعيد قادم.

3. تزايُد الحرج في موقف القيادة الإسرائيلية الجديدة، نتيجة المزايدات والضغوط السياسية الداخلية، والاتهامات بضعف القدرة على مواجهة تحدي المقاومة، وحسم موقف قيادة العدو باتجاه الذهاب نحو مواجهة شاملة مع قطاع غزة.

النتائج التي يتوقع أن تترتب على تحقق السيناريو:

1. تعزيز فرص المواجهة الواسعة المفتوحة بين المقاومة في غزة والاحتلال، والتي يبدي الطرفان حرصاً على تجنبها في اللحظة الراهنة.

2. نسف جهود الوساطة المصرية والدولية، ووضع العراقيل في طريق نجاحها.

الترجيح بين السيناريوهين

يمكن الخروج بمجموعة عوامل يتوقّع أن تلعب دوراً مهماً في رسم مسار الأحداث، ومن أبرزها:

  1. توفّر مبررات الفعل الشعبي الخشن بزخم مؤثر، وفي مقدمتها استمرار الحصار.
  2. موقف الاحتلال وحكومته وسلوكها السياسي والميداني في التعامل مع الأحداث، من حيث مستوى استخدام العنف في التصدي لها، ومدى التجاوب مع الجهود المصرية والدولية لتحقيق اتفاق حول كسر الحصار. وقد تلعب القدرة على الحفاظ على تماسك الحكومة المكوّنة من ائتلاف هش بسبب كثرة التناقضات والخلافات بين أطيافها دوراً مؤثراً في طبيعة التعاطي الإسرائيلي مع قطاع غزة.
  3. موقف الوسيط المصري، واستمرار وساطته من أجل الحفاظ على التهدئة، وموقف الإدارة الأمريكية ومستوى تحركها من أجل التوصل إلى اتفاق تهدئة جديد. 

وفي حال عدم التوصل لاتفاق ينهي الحصار، يبدو خيار التراجع عن أدوات المقاومة وتصعيدها غير مطروح بعد التضحيات الكبيرة التي يقدمها قطاع غزة، وتؤكد المعطيات القائمة ميدانياً امتلاك المقاومة إرادة صلبة، لمواصلة مقاومته حتى تحقيق جزء معتبر من أهدافها.

ويظهر سلوك الاحتلال الإسرائيلي عدم رغبته حتى اللحظة في خيار الذهاب إلى تصعيد غير محسوب ومواجهة مفتوحة مع قطاع غزة. غير أن الأمر قد يختلف إذا اندفع الطرفان نحو مواجهة نتيجة تطور الأحداث الميدانية في الساحة الفلسطينية.

أما على صعيد الوساطة المصرية، فيبدو أن الجانب المصري لا يزال متمسكاً بجهوده الهادفة إلى ضبط مستوى التوتر والحيلولة دون اندفاع الأمور نحو مواجهة واسعة مجهولة النتائج.

في ضوء ما سبق، نستبعد احتمالات الذهاب إلى مواجهة عسكرية واسعة بين الاحتلال وقطاع غزة في وقت قريب، لا تبدو مرجّحة في الوقت الراهن، مع بقاء فرصها قائمة. ولا ترجّح المعطيات الحالية كذلك فرص التوصل لتفاهم جدي في وقت قريب يقود إلى كسر الحصار وتحقيق هدنة طويلة الأمد، ما لم تنجز اتفاقية تبادل الأسرى. الأمر الذي يرجّح فرص استمرار سيناريو الوضع ما قبل معركة "سيف القدس"، مع انخراط أوسع لمصر في قضية الإعمار وتحسين الحالة الإنسانية.

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

رامي أبو زبيدة
باحث بالشأن العسكري
رامي أبوزبيدة، حاصل على ماجستير في إدارة الحرب واستراتيجية الأنفاق، كاتب ومحلل عسكري لدى عدد من الصحف والمواقع والقنوات الفضائية العربية والفلسطينية
تحميل المزيد